مزمل ابو القاسم

أوقفوا الطباعة


* حسناً فعل البنك المركزي بإقدامه على نفي خبرٍ، تطرق ناشروه إلى وصول (15) حاوية شحن عبر ميناء بورتسودان، قيل إنها تحمل نقوداً تمت طباعتها خارج السودان.
* كان النفي مهماً مع أن الخبر بدا عصياً على التصديق، لأن النقود لا تنقل في حاويات بحرية، لكن المزعج فيه إفادة البنك المركزي بأن الحاويات المذكورة تحمل ورقاً يستخدم في طباعة النقد، لأن واقع الحال يشير إلى أن اقتصادنا ما عاد يحتمل المزيد من الاستدانة من النظام المصرفي، بعد أن أدى الإفراط في طباعة النقود إلى رفع معدل التضخم إلى (254‎%‎)، وأدى إلى تدمير قيمة العُملة الوطنية، وأفقدها قوتها الشرائية، فصارت كُلفة الورق الذي تُطبع عليه النقود أعلى من قيمة الفئات الصغيرة والمتوسطة.

* كانت تلك المحصلة الكارثية طبيعية ومتوقعة بعد أن تمت زيادة حجم النقد المتداول بأكثر من (50‎%‎) في عام واحد (حتى نهاية سبتمبر الماضي)، وهو الشهر الذي زاد فيه المعروض النقدي بنسبة تفوق سبعين في المائة، مما يفسر مسببات الارتفاع المخيف في معدل التضخم خلال الفترة الأخيرة.
* نذكر جميعاً كيف ارتكز مشروع موازنة العام الحالي إلى أرقام خيالية، لا تمت إلى الواقع بأدنى صِلة، حينما زعم د. إبراهيم البدوي، وزير المالية السابق، أنه يستهدف الوصول إلى معدل تضخم في حدود (30‎%‎)، وسعر صرف للدولار في حدود ستين جنيهاً، وها هو معدل التضخم يتضخم وينتفخ بنسبة تفوق السبعمائة في المائة خلال عامٍ واحد، عطفاً على السقف المستهدف بتلك الموارنة المثقوبة، التي استندت في غالب مواردها إلى مصادر دعم خارجية، لم نقبض منها إلا الرِيح!
* يكفيها فشلاً أنها توقعت الحصول على ملياري دولار من منظومة الصناعات الدفاعية لدعم الميزانية، وانخفض الرقم قبل منتصف العام إلى ما يساوي ستة ملايين دولار لا غير.
* أما سعر صرف الدولار في السوق الموازية فقد طار من (80) جنيهاً عندما شرع البدوي في وضع مشروع الموازنة المنهارة، ليتجاوز (260) جنيهاً، بنسبة زيادة تصل (325‎%‎).

* يشير الخبر إلى أن الدولة لم تستورد نقوداً بالحاويات، لكن استيراد ورق النقد بالكميات المشار إليها في النفي يدل على وجود اتجاه إلى المزيد من الطباعة، حتى بعد أن تجاوزت الحكومة السقف المحدد في ميزانية البدوي للاستدانة من النظام المصرفي بأكثر من ثلاثة أضعاف، حيث كان الرقم محصوراً في (61) مليار جنيه (61 تريليوناً بالقديم)، وتم رفعه في الموازنة المعدلة التي أعدت في عهد الوزيرة المكلفة د. هبة محمد علي إلى (200) مليار جنيه، استهُلكت قبل نهاية شهر أكتوبر الماضي.
* نعلم أن البنك المركزي رفض الاستجابة لطلبات متكررة قدمتها له وزارة المالية لزيادة سقف الاستدانة، لكن المؤسف أنها استجاب في خاتمة المطاف للضغوط التي مورست عليه، وسمح بالمزيد من الطباعة لتغطية مرتبات موظفي الدولة، ليؤدي ذلك الإجراء المتهور إلى ارتفاع معدل التضخم إلى سقفٍ غير مسبوق، مؤذناً بانعدام قيمة الجنيه، واضمحلال قوته الشرائية، ووصول البلاد إلى مرحلة التضخم الجامح، وبلوغ الاقتصاد محطة الانهيار الشامل.

* حالياً تجاوز السودان سوريا، واحتل المركز الثالث في قائمة الدول الأكثر معاناةً من ارتفاع التضخم عالمياً، وما لم تتوقف الحكومة عن طباعة النقد بلا هدى فسنتخطى زيمبابوي، وننافس فنزويلا التي يفوق معدل التضخم فيها الألفين في المائة.
* يتربع على قمة الهرم التنفيذي لهذه الدولة من يحمل صفة (خبير اقتصادي)، وهو يعلم بكل تأكيد مخاطر الإفراط في الطباعة بلا غطاء من الإنتاج.
* عليه نتوقع من د. حمدوك أن يصدر قراراً يقضي بحظر الاستدانة من النظام المصرفي بصرامة، وأن يوجه البنك المركزي بعدم إضافة جنيه واحد للكتلة النقدية الحالية، بغض النظر عن الدوافع والمبررات التي تقدمها وزارة مالية لا تحسن وزيرتها شيئاً سوى تكرار الشكوى من الإفلاس، وكثرة الحديث عن ضعف الموارد.
* توقفوا عن طباعة النقود على الفور، وليت رئيس الوزراء يأمر بوضع حمولة الحاويات الجديدة في حرزٍ حريز، ويوجه بمضاعفة الحراسة عليها، مع جرد حمولتها (بالجرام قبل الكيلو)، للتأكد من عدم استخدامها في المزيد من الطباعة، ونكاد نجزم أن كلفة استيرادها تفوق قيمة النقود التي ستطبع عليها، بعد أن لحق الجنيه السوداني (الزينين)، وبات قريناً ل(أُمّات طه)!

مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد

  1. طياعه عمله من غطاء لها من الصادر او الذهب
    هو خيانه عظمي وخيابه ودياثه و عماله وخيانه
    من اي درك اسفل اتي الينا هؤلاء السفله المنحطين الا من رحم الله