مقالات متنوعة

عبد الله علي إبراهيم يكتب عمار آدم للإسلاميين: النفس اللوامة

خرج عمار محمد آدم أمس بدعوة للحركة الإسلامية أن تتصالح مع ما يحدق بها من حقائق منذ ثورة ديسمبر. وهي مصالحة تقبل فيها الحركة عن طيب خاطر وزر اثقالها على الوطن لثلاثين عاماً. وفي عمارة زهادة تدنيه من “درويش القرية” الذي يقع له الحق فتحاً. وجاءت دعوة عمار وفريق الإسلاميين الفصيح في الكتابة يغالط حقائقه هذه بعتو شديد: ويقول يمكن أنا الما جيت. ويعزي نفسه بأنه لم يرتكب ما لم يرتكبه غيره كالانقلاب مثلاً. وهذا باب دوار تتفلت به الجماعة الحزبية المعينة من العقاب على وزها الماثل لأنها مسبوقة إليه من الآخرين.
وما أراه من الإسلاميين من التعذر بخطاياهم لأنهم ليسوا من بدأوا به من “شيم” الأطفال. ويسمونه في علوم تربيتهم ب”بنقل اللوم” (blame shift). من مثل قول الطفل: “لكن عمر ما عملها”. وهي خصلة يسهر التربويون على تخليص الطفل منها لأنها مما يورثه السذاجة (أو النيا) التي هي سمة صفوتنا. فإذا أخذ الطفل بترحيل اللوم نهجاً لم يعد يربط بين السبب والنتيجة. ويزيد هذا كذلك من عزة الطفل بالإثم فتضمر فيه قيمة التواضع. وأخطر ما يقع من ترحيل اللوم هو تأبيه من تملك الخطأ الذي ارتكبه. وهذا دأب الإسلاميين منذ قيام الثورة. يرحلون العيب عنهم إلى غيرهم بشعواء غريبة فينفون عن أنفسهم مثقال ذرة من الذنب. وينصح التربويون الأسر بمساءلة الطفل على فعلته الآنية لا بمن بدأ بها (started it). وهذه “الأدبة” ما أراد عمار للإسلاميين الامتثال لها والكف عن ترحيل اللوم عن سنوات حكمهم العجفاء إلى من بدأ بمثلها في الماضي.
وأوسع أبواب هرب الإسلاميين من وزر النفس هو تعليق كل ما يقع عليهم اليوم على الشيوعيين. حقيرتي في بقيرتي. ووجدت عمار ألمعياً في مفهومه لدور الشيوعيين في محنة الإسلاميين. فاعترف بدورهم وقال إنهم هم من يجرجرونه جرجرة إهانة من اعتقال لمحاكمة لحجز ومصادرة. ولكنه لم يرد لهم مع ذلك أن يصوروا الأمر لأنفسهم كضحايا للشيوعيين. وجاءهم من عقيدة دينهم فقال لهم إن الشيوعيين إنما هم غضب الله عليكم سلطهم عليكم حال من سبقكم:
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ.
ونبه عمار صحبه الإسلاميين مع ذلك إلى أن ترحيلهم اللوم للشيوعيين لن يجديهم فتيلا سوى حجبهم أنفسهم بأنفسهم عن معرفة من أطاح بهم من دولة العقود الثلاثة. فمن أخرجهم من الحكم في قول عمار هم “الوليدات اب مناطلينن ناصلة وخرتايات”. وهي عبارة اشتهرت عن صديقنا المرحوم عبد الله بولا. ولن يجدوا سبيلهم إلى بر سياسي جديد ما لم تتفق لهم الفجوة فاغرة الفم بينهم وبين هذه الحقيقة الديمغرافية الاجتماعية. فهي غرس إياديهم وكاتبة نهايتهم.
وليتصالح الإسلاميون مع حقائق محنتهم جاءهم عمار من دفترهم الديني مرة أخرى. فطلب منه صراحة التوبة النصوح. وجاء بأركانها المعروفة:
الندم على فعل المعصية
• الإقلاع عن المعصية فورا ورد الحقوق وطلب المسامحة.
• العزم على أن لا يعود إلى تلك المعصية مستقبلا.
ولم يكتف عمار بتقرير الأركان وحسب. فسألهم البدء بالاعتذار عن سنواتهم الشقية فوقنا. وهي ما وصفتها الحاجة الحجرابية أم شيخ جعفر الصافي ب”الركوب عري”. بل طلب من الإسلاميين الإيجابية في مقاربة هذه التوبة. فهو يريد لهم المبادرة في الاعتراف بالجرائر في قوله بتوفير المعلومات عنها للدولة لا ينتظرونها تطرق بابهم. فالتمس منهم رد الحقوق تطوعاً لأن “كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به”.
لا أعرف كلمة تمهد لصلح وطني شامل للإسلاميين في ظرفنا الحرج أقوى حجة وصدقاً من كلمة عمار. فالدعوة للتصالح قائمة الآن من بعضنا بغرض الكسب بالصيد في الماء العكر. أو ممن أعيتهم الحيلة في وحشتهم الثورية فطلبوا الغزارة كيفما اتفق. فدعوة عمار هي العدالة الانتقالية بحذافيرها وربما “هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا”. فهذا الصلح الوطني المنتظر ليس “إخوان إخوان” ولا يتفق من جهة أخرى مع بعض ممارسات إزالة التمكين التي سبق لي الكتابة عنها. فدعوة عمار للإسلاميين هي للاستظلال ب “النفس اللوامة” وهي العبارة المثلى في الشفافية وأخذ النفس بالشدة. ولن يقع الصلح الوطني والحركة الإسلامية في حالة “أمراض الطفولة اليمينية” (على غرار أمراض الطفولة اليسارية) ترحل اللوم في كل الاتجاهات سوى صوب صدرها.
ومن أجمل ما قرأت في النفس اللوامة قول أحدهم:
كلنا نحتاج إلى الدماثة الغريزية الفطرية لتستنقذنا من عاقبة أفكارنا.

د. عبد الله علي إبراهيم-صحيفة السوداني

‫2 تعليقات

  1. ومن أمراض الطفولة المستحكمة عند (الاسلاميين) .. رميهم لغيرهم بذات الأفعال الذميمة التي يأتونها .
    فهم الآن يشتكون من القمع والظلم وكبت الحريات .. وهم الذين كانوا يبطشون بمن يعارضهم لدرجة التصفية الجسدية . وهم الذين كانوا يحجرون على ابداء الرأي وحرية التعبير بالرقابة (القبلية) على الصحف وبمصادرة الصحف وتعطيل صدورها واعتقال كتابها .
    وهم الآن يشتكون من الاقصاء السياسي وكأنهم ما قاموا بإقصاء كل الأحزاب بإنقلابهم العسكري الذي هو أعلى درجات الاقصاء .

  2. كتابنا للأسف أصبحوا عرضحالية فقط لتشخيص الواقع الذي نراه جميعا ولكن لانري منهم حاول أو أفكار ملهمة للسياسيين الذين يفشلون واحدا تلو الآخر ويسيرون خطوة بخطوة حال الكاتب الذي يعقب على عمار ولا يأتي ليربط حديثه بواقعية مع السياسيين .
    مطلوب كتاب حلول وأفكار للمستقبل وليس معقبين ومعلمين علي أفعال الماضي .