مقالات متنوعة

أيوب صديق يكتب: تلفزيون السودان، بين سوء اللغة وسوء القصد

قبل أيام بعث إليَّ زميلي الأستاذ عمر الطيب من لندن، مقطعا صوتيا، أرفقه بقوله (استمع لهذا التقرير الذي أذيع في نشرة رئيسية في تلفزيون السودان). وقبل ما استمع إليه، أدركتُ أن الذي لفت انتباهههو الطريقة التي قُرئ بها التقرير من حيث لغته. وقد كان كما ظننتُ،فقد جاءت مقدمة التقريرمن قارئنشرة الأخبار، عنحساب قيلإنه (تابع لما يُعرف بالأمن الشعبي) كشفته لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيوومحاربة الفساد. فاستمعتُ إليه فوجدتُ أنه قرأته إحداهن، وكانت قراءة منتهى السوء، من حيث كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية.فقد أحصيتُلهاخمسة عشر خطأ فيه. ولا أدري إن كان مسؤولو التلفزيون قد علموا ما ارتكبته قارئتهم من مذبحة لغوية في ذلك التقرير،الذي كان أميز ما فيه،هو أسلوب القدح والتشهير والتشفي الذي كُتب به، عنجهةٍمتهمةٍ غائبة، لا تستطيع نفي ما جاء فيه أو إثباته. وما كان ذلك بمستغرب عندي، وإنما كان المستغربعنديحقاهوأن التقرير كان مُسجلا، لوضوح عمليات المونتاج فيه،ولم تكن قارئته قد فوجئت به على الهواء. بل لا بد أنها قراته ووقفت على فقراته، وتأكدت من لغته، ثم سجلته، ومع ذلك كان فضحية في العمل الإذاعي.

مما يبدوأن قارئة التقرير،ذات زاد قليل جداً من اللغة العربية،التي تقحَّمت بها مجالا، لا يصلح له إلا من كان لهزاد كاف من تلك اللغة.ومما بدا لي من قراءتها، أنها لم تكن لهادراية كافية ببعض أبجديات نحو اللغة، كالممنوع من الصرف،وأحوال نائب الفاعل،وأحوال جمع المذكر السالم، وغير ذلك مما يكثر وروده في تقرير كالذي أساءت له، ومن ثم أساءت للتلفزيون الذي قرأته منه. ومما يسترعي الانتباه كذلك، هو عدمُ معرفتها حتى بأسهل معاني اللغة، مثل قولها:”حقائق فساد تزرع الدهشة في محْيَاهم”، وتعني السودانيين. فهي من صوْغِ هذه الجملة،كما بدا لا تعرف الفرق بين لفظ المَحْيا، الذي يقابل الموت،كما في قوله تعالى:(سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ، سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، والمُحَيـَّـا الذي هو الوجه، الذي تبدو عليه انفعالات النفس، كما في قول الشاعر:

يزيل عن مشكلاتِ العلمٍ منطقُهُ براقعَ الوَهمٍ عن زاهي مُحَيَّاها

وكما قلتُ إن المجال الذي اختارته قارئة التقرير للعمل فيه، لا يصلح له إلا من كان له زاد كاف من اللغة، سواء كان ذلك في مجال الكتابة، أو في مجال التقديم للمشاهد أو المستمع،ثم العمل على تمتينتلك اللغة،وذلك بمداومة النظر في المصادر التي تقويها، وقمة تلك المصادر هي القرآن. وأذكر أنه كان لنا معلم للغة العربيةفي المرحة الثانوية،يقول لنا دائماً، يا أبنائي اقرؤوا القرآن فالذي لا يقرأ القرآن لا يعرف اللغة. وأنا بخاصة كم مررتُ أثناء عملي الطويل، بمواقف في اللغة، أشكلت عليَّفيها وجوه من وجوهها، ولم أجد المخرج إلا في آيات من المقرآن.

وما حملني على قول كل ما قلتُ عن قارئة التقرير تلك،هوشيء من غيرة على طبيعة عمل امتهنته طويلا، وشيء من غيرة على تلفزيون عملت فيه، ومن خلاله عرف الناس شخصي الفقير إلى الله تعالى،ومن قبله الإذاعة، ولا أزال أشعر بوشيجة تربطني بهذين المرفقين، ولذا لا أرضى لهما،أن يكونامجالا لمجرد كسب العيش لكل من يجهل أبسط ما يتطلبه العمل فيما. وكما ذكرتُ فقد أساءت قارئة ذلك التقرير لتلفزيون كان حافلاً بقارئات سليمات اللغة، قبل أن يُؤخذ عليهن التزامُهن بأمر دينٍ، بات التزامُ أوامره، رُجعى مسلك، يُناقض روحَ المجتمع السوداني الجديد.وما أدل على ذلك، من عبارة اختيرت اختياراً في آخر ذلك التقرير،وهينفثٌ مما بات ينفثههذا التلفزيون في المجتمع،من استهزاء بالدين، لم تعرفه شاشته،من قبل الثورة التي حٌولت حرباً على ثوابته.

إنها عبارة اختيرت لإلصاقها بقبيح ما بُني عليه سِنخُ التقريرالآنف الذكر، إذ تقول تلك العبارة في ختام التقرير:(فكلما ظن السودانيونوالسودانيات أنهم بلغوا سدرة منتهى فساد النظام المُباد، المستمر على مدار الثلاثة عقود..) إلى نهاية جملة التقرير. وعبارة سدرة المنتهى هي عبارة قرآنية، لم ترد في لغة العرب بذلك اللفظ تحديداً، إلا في القرآن الكريم.وسدرة المنتهى هي أمرٌ من أمور الغيب، الذي لا يدرك بالحواس، وإنما يُصدَّق بمطلق الإيمان. وهي كما يقال في كتب العلم الشرعي، سدرة على يمين العرش، لا يتجاوزها مَلك، ويقال عندها ينتهي علمُ الخلائق. يقول تعالى فيها:
(وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةًأُخۡرَىٰ١٣ عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ١٤ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلۡمَأۡوَىٰٓ)١٥(سورة النجم)
فعمدكاتبُ التقرير أو كاتبته، إلىذلك الذي هم بصدداستهجانه والحط منه، وهو الفساد،وقرنهبما رفع الله تعالى من شأنه وهو سدرة المنتهى،التي جاء ذكرها في كتابه الذي (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)الآية 42 فصلت.

صحيفة الانتباهة

‫3 تعليقات

  1. خلينا من سدرة المنتهى والتي يرادبها مجازآ ضخامة الفسادلبعدها المسافي.. اين كنت عندما تمت دغمسةالدين وقالوا ,,هي لله,, ولم تكن لهاعلاقةبالله وأختزل الدين في آيات جمع المال والترهيب أين غيرتك الدينيةعندما علا الباطل على الحق والساكت شيطان أخرس وإنت كنت كذلك حرصآعلى حياة أو مجلبة لمنفعة..!