رأي ومقالات

سالم الأمين بشير: اهمية الدفع الالكتروني في التحكم على الرساميل


عامل الدرداقة اليوغندي في مدينة بانتيو الحدودية بين السودان وجنوب السودان يستطيع أن يحول يوميا مصاريف لأسرته في مدينة كاغيرا على الحدود اليوغندية التنزانية ، يفعل ذلك باستخدام هاتفه عبر خدمة ( Mobil money ) السريعة ، يدفع بالجنيه الجنوبي ويتم الاستلام بالشلن اليوغندي .

خدمة (موبايل موني) أي التحويل عبر الموبايل مستخدمة اليوم بصورة واسعة في كل دول شرق أفريقيا .
عبر الموبايل تدفع الرسوم الدراسية لأطفالك و فواتير الكهرباء و المياه ، و غيرها من الإجراءات الرسمية ، في يوغندا تحديدا يمكن أن تجري عمليات تحويل بشريحتك الشخصية تصل إلى 2 الف دولار ( أكثر من 500 الف جنيه سوداني ) في اليوم الواحد .
العملية تتم بصورة سلسة و سهلة جدا ، تناسب كل الشرائح الاجتماعية . وفرت على الكثيرين عملية حمل المبالغ النقدية الكبيرة . كل شخص يختار الرقم السري الذي يناسبه للحفاظ على الأموال من السرقة في حالة ضياع الهاتف …
هذه الطريقة أعلنت عنها شركات الاتصال في السودان منذ أكثر من عشر سنوات تقريبا ، لكن للأسف يتم اجهاضها و منع تنفيذها كل مرة من جهات تتضرر من وجود هذه الطريقة السهلة لتحرك الأموال و الرساميل . فأبقت على الطريقة المجحفة في تحويل الرصيد الجارية الآن و التي يدفع فيها المستفيد 10% من قيمة المبلغ الذي يتم تحويله ، و هي نسبة عالية جدا اذا ما قارناها ب 1% في دول شرق أفريقيا . و للأسف حتى التحويل بهذه العملية لا يتجاوز مبلغ ألف جنيه ( ثلاث دولارات) في اليوم الواحد ، و هو مبلغ ضعيف جدا مقارنة باحتياجات المواطنيين …
الآن بعد نجاح استخدام التطبيقات البنكية في التحويل السريع يمكن لبنك السودان تنظيم العملية باستحداث تطبيق موحد يشمل كل البنوك ، ويمكن لأي شخص أن يحول أي مبالغ لأي حساب ، حتى لو البنك مختلف ، ويكون ذلك برسوم رمزية تضمن استمرارية الخدمة ، و يساهم البنك المركزي في مصاريف و تبعات و تأمين التطبيق .
كذلك يمكن للبنك المركزي التعاقد مع شركة أو جهة لتوفير أجهزة الدفع الإلكتروني الخفيفة ، و تشجيع تجار التجزئة على إستخدامها، وكذلك تشجيع المواطنين للشراء عبر الدفع الإلكتروني .
تتفق وزارة المالية و وزارة الاتصالات و شركات الاتصال العاملة في البلاد على صيغة مناسبة لتشغيل خدمة تحويل الأموال عبر الموبايل، مع وضع هامش ربح مناسب لتشجيع الوكلاء للدفع النقدي للزبائن عند الحاجة إلى الكاش …
يجب فصل الرصيد المتداول كتحويل نقدي عن رصيد التحدث ، و ان تدفع شركات الاتصال مبالغ مساوية للكتلة النقدية المتحركة ك رأسمال لعمليات التحويل النقدي ، وأن تتم إدارتها مباشرة عبر بنك السودان المركزي . و تزيد شركات الاتصال نسبة التأمين كلما ارتفعت نسبة التداول …
باستخدام هذه الطرق ، و طرق أخرى يستحدثها البنك المركزي يمكن التحكم في الرساميل المتحركة خارج البنوك ، و يدفع المواطنيين إلى إيداع أموالهم و مدخراتهم في البنوك ، و الاستعاضة عن الأوراق النقدية بالتحويل الإلكتروني . بذلك يقلل البنك المركزي من نسبة طباعة الأوراق النقدية .
أهم مافي هذه العملية هو إلغاء الفئات الكبيرة من العملة و الإبقاء على فئة الخمسين جنيه كأعلى فئة مضافا إليها فئة العشرين و العشرة . هذا الأمر يحارب التزوير تماما ، لأن قيمة طباعة ورقة فئة 50 جنيه أعلى من قيمتها التسويقية ، و لحفظ مبلغ لا يتجاوز المليون جنيه سيحتاج إلى غرفة كاملة ، لذا من الأفضل إيداعها في البنك أو الاستعاضة عنها برصيد يحمله في الهاتف برسوم رمزية لا تتجاوز الألف جنيه …
في الأخبار صباح اليوم القبض على مجموعة بقيادة مدير بنك ونائبه تعمل في تزوير العملة ، هذا يعني أن عملية تدمير الاقتصاد تتم عبر مسئولين في الدولة ، و يجب التصدي لهم بالإجراءات الإدارية و القوانين الرادعة ، و الدفع الإلكتروني سيحارب عملية التزوير تماما .
في بعض الدول تخضع للمساءلة القانونية عندما تحتفظ بمبالغ تتجاوز عشرة الف دولار خارج النظام المصرفي ، و عندنا في السودان هناك من يحتفظون بأموال في غرف و مباني معدة لهذا الأمر و تتجاوز كميتها السيولة الموجودة في بعض البنوك …
لكن يجب أن يسبق هذه الإجراءات إصلاح اقتصادي شامل ، بتحرير الجنيه و رفع الدعم عن الاستهلاك و فرض ضرائب حقيقية على الرأسمالية و السماسرة و محاربة الفساد .
النظام البنكي يحتاج إلى إعادة صياغة ليقوم بتدوير الإيداعات على القطاعات الإنتاجية باستحداث منتجات بنكية مرنة تساهم في دعم الزراعة و الصناعات الصغيرة و رفع مستوى المعيشة لدى الشرائح الضعيفة ، بدلا عن منتج واحد هو المرابحة التي تدفع للاغنياء و رجال الأعمال و السماسرة من المحاسيب و الاصدقاء للعمل في مهن هامشية تدر فوائد عالية و تضر بالاقتصاد و تلحق به تشوهات كبيرة
سالم الأمين بشير يناير 2021