أطاح الشعب السوداني بنظام البشير غير الديمقراطي لكن أحزابنا السياسية قررت أن تحل مكانه وتصبح غير ديمقراطية
مأساة حكومة أحزاب غير منتخبة:
كانت الأسباب الرئيسية التي اُسْتُعْمِلَت لتبرير فترة انتقالية طويلة بقيادة تكنوقراط غير حزبيين:
– تجهيز الملعب بـإقامة الشروط التي لا غني عنها لإجراء انتخابات نزيهة كالتسجيل والتعداد السكاني.
– إجراء بعض الإصلاحات المؤسسية الأساسية من وجهة نظر غير حزبية.
– إعطاء الأحزاب السياسية الوقت لإعادة البناء للاستعداد للانتخابات.
من المثالية والمنطقي ان يتم تنفيذ كل هذه الشروط المسبقة من قبل حكومة لا تخضع لسيطرة الأحزاب.
على سبيل المثال ، لا نريد للأحزاب أن تؤثر على التعداد السكاني وتوزيع الدوائر لتحقيق مكاسب انتخابية بـتضخيم مناطق معينة وتقليل تعداد مناطق أخرى أو أي تلاعب بهذا المعني.
وأيضا الوضع المثالي أن يتم تصميم قانون الانتخابات وتنفيذه من قبل كيان محايد وليس من قبل حكومة الأحزاب التي سوف تتنافس في هذه الانتخابات.
وأيضا فان أبعاد الأحزاب من الحكم في الفترة الانتقالية مهم حتى لا يستغل بعضها إمكانيات جهاز الدولة – السياسية أو المالية أو المعنوية أو المالية أو علاقاتها الخارجية – لتوفير ميزة تنافسية غير مستحقة.
كما أن إعادة بناء الأحزاب السياسية للاستعداد للانتخابات يعني عدم تشتيت انتباهها بسبب مشاكل الحكم وتعقيداته وان تتفرغ للبناء والحشد والندوات والعمل الثقافي والاعلامي والتجنيد وتعريف كل الشعب بها في المدن والقري البعيدة.
ولكن الأحزاب ذهلت عن كل ذلك وتفرغت للتكالب والصراع حول الكراسي.
لكن بالنسبة لي ، فإن أهم سبب لم يتم ذكره لفترة انتقالية يقودها مهنيون غير متحزبون هو أن الأحزاب السياسية يجب ان تكون روح ورموز وتمائم ورايات الديمقراطية ، ولهذا السبب لا ينبغي لقادتها أبدًا قبول منصب وزاري أو منصب عام رفيع ما لم يتم انتخابهم له.
ورحم الله اماما كان يباهي بأنه لم يشغل ابدا منصبا لم ينتخب اليه.
إن أهم واجب للأحزاب السياسية هو ارساء جذور ثقافة سياسية تحجب بالتعريف الشرعية عن أي حكومة غير منتخبة (باستثناء مراحل خاصة مثل الفترة الانتقالية التي يديرها تكنوقراط محترفون غير حزبيين متوافق عليهم).
وفي ماض قريب, قبل زوال النظام السابق, هاجم السيد خالد سلك – الموعود بكرسي وزاري- الأحزاب السياسية التي لم تتفق معه بقوله انها تريد فترة انتقالية طويلة لأنها تعلم أنها لا تستطيع أن تحكم من خلال انتخابات نزيهة.
لسوء الحظ ذكر الأستاذ هذه الملاحظة الهامة فقط للهجوم علي خصومه في اطار الدفاع عن قراره وحزبه بالمشاركة في انتخابات 2020 التي أراد النظام السابق للبشير ترتيبها لتزوير شرعية تشارك فيها احزاب.
لكل ذلك فإن الحكومة القادمة من أحزاب غير منتخبة هي زيف وشذوذ وابتذال للحزبيةوللديمقراطية. وان كان لا بد من حكومة احزاب فلتقيموا الانتخابات بعد عام ولتحكموا بالشرعية الانتخابية.
.
أطاح الشعب السوداني بنظام البشير غير الديمقراطي لكن أحزابنا السياسية قررت أن تحل مكانه وتصبح غير ديمقراطية وان تدوس علي قدسية الانتخابات بدلاً من استكمال البناء الديمقراطي الذي بدأه جيل الشباب الشجاع وشهدائهم.
د. معتصم أقرع