أحمد يوسف التاي يكتب: المتصارعون على جثث الموتى
(1)
الذي يطالع مقالات بعض الكتاب المحسوبين على الحركة الإسلامية يظن أن الحزب الشيوعي شيطان رجيم ومارد ملعون، وأن جميع الشيوعيين بدون استثناء ما هم إلا شياطين حمر رسالتهم في الحياة تدمير المجتمعات وإهلاك الحرث والنسل والإفساد في الأرض، وأنهم غرباء على المجتمع ولا يشبهون عاداته وتقاليده… وبالمقابل يصوِّر الشيوعيون خصومهم الإسلاميين بلا استثناء على أنهم فسدة قتلة منافقون أفاكون كذبة..
الكتابات من الجانبين طابعها الإسفاف والإساءات والتجريح والتخوين واغتيال الشخصية سفوراً في العداء وفجوراً في الخصومة السياسية، وكل ذلك مفهوم في إطار الصراع السياسي الذي اكتوى بنيرانه الشعب السوداني والذي قضى على اليابس والأخضر في هذا المعترك العبثي.
(2)
صراع الإسلاميين والشيوعيين «فطرة» جُبلوا عليها منذ ستينات القرن الماضي، وحدثت لجيل الستينات والسبعينات «برمجة» خاصة وعمليات شحن وتعبئة، لذلك تجد الواحد منهم حتى اليوم يقاتل ويعارك بلا عقل أو تعقل بذات عقلية السبعينات «العنيفة» كما لو كانوا طلاباً بالجامعات تملأهم روح الشباب والحماس والطيش… تلك (البرمجة) لن تتغيّر إلا بما تقتضيه السياسة والمراوغة السياسية الوقتية… وفي ظني أن الطرفين المتصارعين على أسس أيدلوجية هما المسؤولان عن تصدير العنف للساحة السياسية، العنف بكل أشكاله البدني واللفظي، وكل أنواع الصراع الخشن والضرب تحت الحزام والتقتيل والتنكيل والتعذيب…
أنظروا إلى الأحزاب السياسية الأخرى سواءً أكانت التقليدية الطائفية (الأمة، والاتحادي) أو الأحزاب الحديثة، أو حتى أحزاب التوالي فلن تجد من بينها من يميل إلى العنف والقتل والتنكيل للتغلب على الآخر وحسم الصراع معه، عدا هذين الحزبين (المؤدلجين) اللذين أدخلا العنف وتصفية الخصوم ضمن آليات حسم الصراع.. والنتيجة بالطبع هي إربكاك المسرح السياسي وإشعال أوار الصراع وزعزعة الأمن والاستقرار.
(3)
قبل أحد عشر عاماً كنا حضوراً في منبر سياسي إعلامي أقامته صحيفة أخبار اليوم وكانت الخصومة السياسية وقتها بين المؤتمرين (الوطني)، و(الشعبي) على أوجها، فتحدث يومها أمين حسن عمر عن المؤتمر الشعبي وقال بالحرف: ( الحزب الشيوعي اليوم أقرب إلينا من الشعبي)..!!! وفي منبر آخر كان كمال عمر القيادي بالشعبي يمجد الشيوعيين ويقول هم الآن أقرب إلينا من المؤتمر الوطني..!!! وربما سمعتُ ذلك من قيادات أخرى من الطرفين مما يعني أن الهجوم على الشيوعي اليوم ليس انتصاراً للدين والعقيدة كما يدعي بعضهم بأن هجومهم المستمر على الشيوعيين هو عبادة خالصة لله، فالأمر في تقديري كله سياسة، ويمكن للشيوعيين أن يفعلوا الشيء نفسه إذا ما وضعوا في محك الاختبار مثل الذي سبقت الإشارة إليه في نموذج كمال عمر وأمين حسن عمر.
(4)
خلاصة القول إننا نعي تماماً أن هجوم «الجبهجية» على الشيوعيين ليس من أجل العقيدة ولا انتصاراً للدين كما يزعمون بل انتصاراً للنفس والحزب والتنظيم والصراع على السلطة، كما أن هجوم الشيوعيين وخصومتهم تجاه «الكيزان» ليس من أجل الاستنارة والتنوير المعرفي ونشر الوعي ومحاربة الدجل والنفاق والتضليل بل من أجل التغلب على الخصوم بوسائل اغتيال الشخصية بأي طريقة، من أجل السلطة والمناصب والمال….. كفوا عنا بلاويكم وخصوماتكم الفاجرة أيها (المؤدلجون ) لتستقر أوضاعنا كفاكم صراعاً على جثث الجوعى والموتى وأنين المرضى… اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة
هذا لعمري عين الحقيقة. اذا لم يتم إقصاء الاسلاميين والشيوعيين نهائيا من هذه البلاد فلن تستقر ابدا