يلا.. نغني!!
مساء الأربعاء الماضي عُدت ممتلئاً بالراحل الدكتور( الفنان جدا) عثمان مصطفى تتراءئ في ناظري ( الخدود الشاربة من لون الشفق عند المغارب)، وتتخلل مسامي نفحات أصوات بهية وتداعبني رشات من عطر لحظات حفية قضيتها في استديوهات تسجيل برنامج قناة الهلال الرمضاني الكبير (يلا نغني).
خرجت يعبئني الطرب ويستغرقني جمال المشروع الذي تبناه الراحل الدكتور، وفي خاطري عشم الخاطر المكسور في (افتكرت الشوق يجيبو؟!)، ويرهقني كمال المعني في تفاصيل المياس (مالقيت في دنيا الناس ساكت شبه زيك)، فأتذكر الجرح الذي ( لانام لا استراح) في (راح الميعاد وزماني راح )، أتلوى وجعاً ملء حزني على رحيل كروان أودعناه (مقابر الرميلة) في نهار فاجع دون أن يمهلنا الوقت لنتزود من حدائق صوته الريان ما يكفينا من ثمار الأغنيات ، لسان حالي ماكتبه الحلنقي:
.. (عزيني في روضة هناي سكت النغم سكت الكنار..جفت ورود الأمنيات ياحليل زمان الاخضرار.. ياحليل حبيب كان ليّ نور كان ليّ ساعة الغربة دار..)
(يلا نغني) قبل أن يكون برنامجاً تلفازياً فهو دعوة جريئة للتجاسر على إحباطات الواقع البائس وسانحة لاستدعاء أزمنة الطرب الجميل ، محاولة لاستعادة بريق الأغنية في خاطر الناس المجروح بمتاعب الحياة اليومية وإرهاب اللحظات التي لاترحم بمخاطرها وتحدياتها المستمرة ما بين الصعب والسهل وما بين الجبل والتل ..
تشرفت جداً بحضور ثلاث حلقات من البرنامج بدعوة من الصديقة المجتهدة والمديرة الدؤوبة على صناعة الجمال والنجاح فاطمة الصادق، وقفت على لحظات تجلت فيها حناجر مخضرمة ومواهب شابة يسيل منها عسل الغناء الرصين ، استمعت في حلقة الراحل عثمان مصطفى التي أثق في أنها ( ستكسر الدنيا) للمخضرم عصام محمد نور وهو يغني بروح وردي وأدائية عثمان مصطفى وإضافات عصام المفنة ( والله مشتاقين)، غبت مع الأغنية في عوالم بعيدة، وشهد كلام اسماعيل حسن يتدفق من حنجرته التي يطوعها كيفما يشاء..
في عينيك تظهر لي دنيا
دنيا شوقك فيها ظاهر
الأماني الحلوه هايمة زي بحور ما ليها آخر
الكليمة الطيبة منك زادي
وحياتك لي باكر
والأمل فارد جناحو ديمة زي عينيك مسافر..
بهرتني كذلك الشابة شذى عبدالله بصوت عجيب رفع طقس الطرب في الاستديو إلى نهاياته، وهي تغني بصوتها القوي..
وياحليل ليالينا المضت من غير اماني تنّورها..
ياغالى ياامل الحياه ومعنى الصفات النيّره..
طول البعاد مااظن يزيد آمالي فيك مابغيرها..
سرحت طويلاً مع الصوت (الباص) الدافئ ل(هاني عابدين) في أغنيةٍ مظلومةٍ لم نستمع إليها كثيراً رغم إحرازها درجات العشم الكاملة ..
افتكرت الشوق يجيبو
مالو عدى الشوق وفات
لاحنان لا كلمة حلوة لا امل أحيا الصلات
وهو ليه دايرنا نبكي
نقضي كل الليل دموع
ونبقى سهرانين تملي نحترق زي الشموع..
مع كلمات وألحان وروائع عثمان مصطفى كنت على موعد مع (دهشة أخرى ) أحدثها صوت جديد (لنج ) لشاب صغير اسمه (احمد عادل) أثق في أنه سيجد مكانه وسط الأصوات الجميلة والندية في بلادي..فقد ذكرني ب(عمنا ) الراحل الاستاذ الجيلي محمد صالح بمنحه (ماضي الذكريات) وقعاً جديداً وطلاوة حاضرة وحلاوة بائنة..
ذكرياتنا مهما كانت برضو ترديدا بيألم
ليه تردد ذكرياتنا ويوم الاقيك ما بتسلم..
وليه بديت انت الفراق وانت عارفو كيف بندم..
رميتني بنيران صدودك..
تاني ما بصدق عهودك..
انا بحاول انسى ريدك وانسى ماضي الذكريات…
حلقة ( يلا نغني) التي ايقظت زمان الاخضرار وأيام الغناء النواضر، وستفتني شجناً وطرباً ختمها الملك المخضرم جمال فرفور بثنائية طروبة مع الشابة ملاذ غازي التي أدت في إحدى الحلقات أغنية (الندامى) للراحل الخير عثمان بصوت فارع (يتحدي البان ميلا واعتدالا وانقساما ويفوق البدر حسناً وضياء وابتساما )..
كان المياس مسك الختام وأصداء الطرب والجمال تتردد في جنبات الاستديو فتحدث في النفس راحة وفي القلب دوياً لحالة وجد وحنين صاخبة..
ﺁﺳــﺮﻧﻲ ﻳﺎ ﻣﻴــﺎﺱ
اﺣﺴﺎﺱ ﺟﻤﻴﻞ ﺯﻳﻚ
ﻣﺎ ﻟﻘﻴﺖ ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ
ﺳاﻛﺖ ﺷﺒﻪ ﺯﻳﻚ
ﻣﺎ ﺗﺸﻮﻓﻲ ﻳﺎ ﻧظﺮﺍﺕ
ﻛﻴﻒ ﺍﻟﻘﻮﺍﻡ ﻣﻴﺎﺱ
ﺟﻤﻌﺖ ﺑﻴﻨﺎﺗﻨﺎ ﺻﻼﺕ
ﺯﺍﺩ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺃﺑﻌﺎﺩ..
وﻟﻤﺎ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻳﺘﻘﺎﻝ
ﻓﻲ ﻏﻨﺎﻭﻱ ﺯﻱ ﻣﻮﺍﻝ
ﻳﺎ ﺷﻮﻕ ﺳﻨﻴﻨﻲ ﺍﻟﻄﺎﻝ
ﺷﺎﻳلك بشارة ﻓﺎﻝ ..
وخايف السنين ترحل
ما أصلو العمر رحال…
خرجت من استديو (يلا نغني) يستهويني البحث في عوالم عثمان مصطفى صاحب التجربة التي زاوجت وببراعة غريبة ما بين( الطرب والرصانة )، الترويج لمثل هذا الغناء أمانة واجبة على كل قنواتنا الفضائية ووسائطنا الإعلامية في زمن يصعد فيه الغث وتواجه المفردة المغناة سقوطاً شنيعاَ ومخيفاً ومريعاً…
شكرآ لقناة الهلال على أخذها لمسؤولية الترويح على الناس والترويج والتوثيق لغنائنا الجميل عبر حلقات استضافت فيها أكثر من ثلاثين صوتاً من مدارس غنائية وأدائية مختلفة لإحياء متعة الطرب التي كادت أن تموت…وليكن موعدنا رمضان مع برنامج متميز يستحق المتابعة والترقب والانتظار، ورحم الله الدكتور عثمان مصطفى .
محمد عبد القادر – صحيفة اليوم التالي
كتب عبد القادر :
(حلقة ( يلا نغني) التي ايقظت زمان الاخضرار وأيام الغناء النواضر، وستفتني شجناً وطرباً ختمها الملك المخضرم جمال فرفور بثنائية طروبة مع الشابة ملاذ)
…..
كل الذين ذكرتهم من الفنانين يستحقون الاشادة بدرجات متفاوتة إلا واحد وهو من سميته بالملك صاحب الصوت المعدني المزعج الذي يفتقر تماماً الى التطريب .. والذي ظل يعتمد منذ ظهوره في ساحة الغناء وإلى الآن على ترديد أغاني السابقين دون أن يسجل أي إضافة للغناء السوداني من ابداعه .