روايات خاصة: آدم ترايو مناوي.. من مثله
(1)كنت فرحا في ذلك اليوم، أكتوبر ١٩٨٢م، بعد أن أعلن د. المصيلحي استاذ القانون ورئيس لجنة إنتخابات إتحاد طلاب جامعة أمدرمان الإسلامية قائمة الفائزين بعضوية المجلس الثلاثيني للإتحاد ، كنت احد الخمسة الأوائل في القائمة ، ٣٠ عضوا ، تصدر قائمتنا الأخ المسلمي البشير، وهذه كانت من المرات النادرة التي يفوز فيها (البرالمة) ضمن القائمة، كنا ثلاثة، الأخ عثمان قادم احمد، الوزير بحكومة جنوب كردفان ومدير شركة عازة لاحقاً، وكان معلما للغة الإنجليزية قبل إلتحاقه بالجامعة ، والأخ مصطفى حسبو بشير ،القانوني والفقه، وشخصي.. تلك ايام عزيزة على النفس وبدايات التشكل..
ومن على جانب الكافتيريا، جاءني صوته : تعال تعال، يا ود الصديق، صافحني وقال لي : خذوا الأمانة بحقها، تلك كانت عبارة الأخ ادم ترايو مناوي..
نحيل الجسم، قليل التبسم، وشديد الجدية، ألتحق بالقوات المسلحة جندياً، ثم دخل الجامعة، وتخرج في كلية أصول الدين، والتحق مجدداً بالكلية الحربية وتخرج ضابطا..
ويوم التخرج، ناداه احد الضباط ، وقد سمع به، قال له انت اكيد ادم ترايو؟ نعم سعادتك، اشتغلت تحت امرتك ثلاث سنوات جندي ما عرفت إسمي، عرفت في أول يوم لي ضابط؟..
ذلك ادم ترايو لا تأخذه في رأيه والحق محاذير، كما لا يحول بينه وغاياته معاذير، يمضي إلى هدفه بهمة وعزم..
(2)
وفي جوبا الفتى حكايات، تعبر عن معدنه، دخل عليه أحد الضباط وكان كثير المداعبة له، فقال له الشهيد آدم : أطلع يااخي دا كلام زول مشوطن، فقال له الضباط : والله يا جنابو آدم مافي شيطان يدخل خيمتك دي)، كان ترايو رجلا وقافا عند حدود الله شديد التقوى وعظيم الأدب ودائم العبادة، ومسارعا للخير، وشديد الغيرة على دينه ووطنه.. وتلك سمة بارزة في حياته كلها..
(3)
آلقيته في أول مارس ١٩٩٧م بالدمازين ، ثم فوجئت به في محطة وقود بالخرطوم قرب المطار، تآنسنا قليلا، وأخبرني أنهم في مهمة جديدة، كانت تلك بداية التحضيرات لمعركة الميل الأربعين بالإستوائية، وسبق للأخ آدم ترايو العمل بالإستوائية، كانت له خيمة منفصلة، زاره مرة احد الزملاء وكان يحب المداعبة والمزاح، فقال له آدم قوم يااخ انت مشوطن؟ فأجابه زميلنا، والله شيطان ما يدخل خيمتك؟ لقد اتسم الأخ آدم بإستقامة نادرة وإيمان راسخ ووعي متقدم.
(٣)
في مثل هذا اليوم ١٧ مارس ١٩٩٧م، كانت أرواح ثلة من أبناء الوطن الأوفياء تصعد لبارئها، وذلك في بداية معركة الميل أربعين بالإستوائية، ولمدة ثلاثة أيام، كتب فيها فصل من الجسارة والبسالة والفداء.
تقبل الله الأخ المقدم آدم ترايو مناوي وصحبه، في الخالدين، والتحية للقوات المسلحة مصنع الرجال وعرين الأبطال، وحفظ الله الوطن..
د.ابراهيم الصديق علي