مقالات متنوعة

( خُمُّوا و صُرُّوا )

في أوج انتشار وتصاعد موجة التطرف الديني في المنطقة خلال العشرين عاماً الماضية كانت توقعات الكثيرين بأن تصل هذه الموجة الى السودان بحكم طبيعة النظام الحاكم وتراكمات الخطاب الجهادي الذي كانت تتبناه السلطة وحاضنتها السياسية الإسلامية .

لكن ولحد كبير يمكن القول أن السودان نجا تماماً من تلك الجائحة الفكرية الإرهابية التي انتشرت في معظم الدول المحيطة بالسودان على النطاق العربي والإفريقي والتي شهدت الكثير منها أحداثًا ارهابية عنيفة حصدت أرواح المدنيين في المساجد والكنائس والسفارات والشواطي السياحية واماكن الترفيه وغيرها في مصر وليبيا وتونس وسوريا والعراق واليمن وقائمة طويلة من الدول المحيطة بالسودان ، فبرغم سيطرة النظام المتهم باحتضان ورعاية الإرهاب في السودان لكن على أرض الواقع لم تستجب بلادنا لهذا الفيروس ربما لأسباب بعضها يتعلق بنوعية وطبيعة التدين عند أهل السودان ، والذي لم تجد فيه مدارس التطرف الديني التكفيري مكاناً لها إلا بشكل محدود جداً ونسباً ضئيلة لا تكاد تذكر في تلك الفترة .

ثم فوق كل هذا وذاك كان النظام الحاكم يعلم جيدًا أنه يقع تحت مجهر الملاحظة الدقيقة من القوى الدولية التي تراقب مثل هذه البيئات الإسلامية التي قد تجذب الإرهابيين وتفتح لهم المجال للجوء الى السودان ، وقد حدث ذلك بعد مرحلة وجود اسامة بن لادن في السودان في بدايات عهد الإنقاذ ..

وبالفعل ادرك نظام الانقاذ منذ ذلك الوقت أن أي تراخي من جانبه في التعامل مع جماعات الإرهاب والتطرف والمد الداعشي خلال سنوات الانتعاش تلك سيعني توفير فرصة سانحة أمام العالم للانقضاض على النظام وذبحه بين ليلة وضحاها ، فكانت الأجهزة الأمنية الانقاذية أكثر قسوة مع الجماعات والعناصر الحاملة لهذا الفيروس ، خاصة وأن النظام كان مدرجًا على قائمة الأنظمة المتهمة برعاية الإرهاب ولم يكن يرغب في تأكيد وتثبيت هذه التهمة بل نفيها .

الآن وفي ظل مشهد الهشاشة والسيولة الأمنية وانتعاش الخطاب الجهوي ودخول المجموعات الحاملة للسلاح الى العاصمة وما صاحب ذلك من تصريحات رعناء تدافع عن هذا الوضع الشاذ والمخالف حتى لبنود اتفاق السلام ومضافاً الى ذلك التدهور الاقتصادي والتنافر السياسي ، وفي الجانب الآخر ذلك الخطاب اليساري المتطرف الذي استغل مزاج الشارع الثوري وشعاراته ضد النظام السابق ليستثمرها في مشروع محاربة جهيرة للدين ومصادمة مستفزة لثقافة المجتمع السوداني المسلم ..

في ظل كل هذا لم يكن غريباً أن نطالع في الأخبار يوم أمس ( أن السلطات الأمنية ألقت القبض على 5 عناصر من تنظيم داعش في الخرطوم .. ) .

ليس غريباً أن يعيد المتطرفون المحاولة مرة أخرى للتواجد في الخرطوم ..بل ليس غريباً ولا مستبعداً أن يجد هذا الخط من يدعمه ويقف في صفه من التيارات الإسلامية الداخلية التي قد ترى بعض عناصرها أن هناك حرباً معلنة على كل التيارات الإسلامية والشعارات الإسلامية في السودان حالياً وليست حرباً ضد النظام السابق وكيانه السياسي فقط .

هذه التيارات الإسلامية بطبيعتها هي تيارات قابلة تحت الضغط والحصار للتحور وانتاج سلالات ارهابية و داعشية وفي ظل غياب الحكمة والاعتدال في التعامل مع التيار الإسلامي كمكون كبير في المجتمع السوداني .. خاصة مع استمرار رعونة و هواجة أصحاب النزعات الانتقامية السياسية من القوى اليسارية النافذة في السلطة والتي لا تمتلك على ما يبدو تصورات كاملة لما يمكن أن تتسبب فيه توجهاتها .

المضحك في الأمر أن تطالع هذه الأيام اعلانات لندوات وفعاليات تتحدث فيها بعض القيادات المحسوبة على هذه التيارات المتطرفة والراعية لمشروع الكراهية والمؤلفة لقاموسه تجدها ( تتحدث مع نفسها ) عن نبذ الكراهية وعلل الخطاب السياسي ..!!

لو لم تتم محاربة الخطاب اليساري المتطرف بنفس المستوى المطلوب لمحاربة تيارات التكفير والتطرف اليميني .. فلا تتفاجأوا بأخبار الدواعش في السودان .. بل ( خموا وصروا ) .. هذا ماجنته أيديكم ..

شوكة كرامة

لا تنازل عن حلايب وشلاتين

جمال على حسن – صحيفة اليوم التالي

‫5 تعليقات

  1. يشهد الله إن هذا قلب للحقائق رأساً على عقب مع سبق الإصرار والترصد .

    إلا تعلم إن رعاة الارهاب ومموليه ومعتنقي الفكر الذي يدعو اليه .. هم من كانو يحكمون السودان يا جمال علي حسن !؟
    …..
    أقرأ للرجل فتعجبني كتابته .. فما أن يأخذ بالحديث الكاذب المسيس عن اليسار الذي يحارب الاسلام وقيم المجتمع الاخلاقية الفاضلة .. يسقط من عيني .. لأني حينها أعرف إنه مجرد كوز منافق .

    1. بالعكس يا الفاروق.. نظام البشير و ان رفع راية الدولة الدينية و لكنه كان اكثر الحركات الاسلامية اعتدالا و حارب التطرف و قبض و سجن الدواعش.. و الواضح ان المتطرفين كانوا في عداء واضح مع البشير بسبب ما يرونه من تقاعسه في تطبيق الشريعة بمنظورهم.. فانتقدوا تعيين المرأة في القضاء و الاختلاط في التعليم و السماح باحزاب مثل الشيوعي كاحزاب معترف بها في ظل و حماية الحكومة الاسلامية.. قليل من الانصاف و الصدق مع النفس.

  2. كلامك صحيح مائة بالمائة … الشيوعيون واليساريون بمحاربتهم للدين ولثقافة المجتمع السوداني سيخربون البلد وهم أصلا أس البلاء وإذا لم يتم اقتلاعهم من جذورهم وهم أصلاً شرذمة ضالة فستحل المصائب بالسودان..

  3. صدقت يا الفاروق. نجا السودان لان حكومة الكيزان كانت إرهابية وترعي الارهابيين في جميع انحاء العالم. الكاتب كوز كبير والأرشيف يحفظ له كما هائلا من المديح والتملق لحكومة الكيزان. ويبدو أنه خسر كثيرا جراء سقوط نظامه الارهابي.