هالة الكارب تكتب.. الموكب النسوي -لا يمكن الاختباء من رياح التغيير
هالة الكارب
السودان بلدٌ شديدُ التسيُّس والاستقطاب، بلدٌ يعشَقُ أهلُه النقاشات والجدل؛ ما كان ولايزال مظهرًا يوميًّا في حياتنا، رجالًا ونساءً. إلَّا أنَّه ورغم كثرة الكلام وعشق النقاش الذي أثرى مجتمعاتنا، يظل السودانيُّون مهووسين بالاتفاق كشرط أساسي للحوار وللوجود في مساحات مشتركة. وهو نهج يشكل خصومة واضحة مع مبدأ الديمقراطية والتعدُّدية، لكنَّه المخرج الوحيد الذي يمكن أن نحافظ به على الدولة السودانية الغنية بالتنوع. نمتلك – نحن السودانيين – وتحديدًا النخب التي قامت بتصدير وعيها وطرائقها إلى غالبية الشعب؛ نمتلك مقدرة عظيمة على تحقير وتجاهل الاختلاف. تعود هذه الظاهرة إلى طبيعة بنية الدولة السودانية الحديثة التي صاغها المستعمرُ على مبدأ التوافق ما بين النخب؛ “أولاد شيوخ القبائل ومَواليهم“. هؤلاء قاموا بصياغة المساحات وفق مصالحهم وللحفاظ على امتيازاتهم، لذا أصبحت النقاشات ضيقة، محدودة، وفقيرة. ومن هنا دخل السودان في حروبات ونزاعات لا متناهية أمام تعنُّت الخطاب ومحدوديته.
هذا إضافة إلى سيطرة الإسلام السياسي خلال الثلاثين عامًا الماضية، والتي قنَّنت تحالفات النخب وشرعنت للامتيازات على أساس اللون والعرق، وأنماط التديُّن وراكمت من محدودية الخطاب وانحسار مساحات الحوار بتمكين الخطاب الأصولي الدوغمائي الممتلئ بالمحرمات والمحظورات.
لتحرر نفسك من الاسترقاق، لابد من أن تحرر عقلك.
وبالرغم من أنَّ للنساء في السودان تاريخٌ طويلٌ من الانخراط في الحياة العامَّة، منذ بداية القرن العشرين وما قبله كحال النساء في أفريقيا، فقد كُنَّ دوما فاعلاتٍ في الحياة العامَّة بما في ذلك العمل في الأسواق، والتعليم، والقِبالة، والزراعة، والرعي ومختلف أوجه الحياة الاجتماعية؛ بما في ذلك إقامة الخلاوي والضيافة والغناء والرقص والموسيقى والإسهام في إثراء الحياة الثقافية والسياسية للبلاد؛ إلَّا أنَّ الاستعمار ودولة أولاد شيوخ العشائر ما بعد الاستعمار، قد قنَّنت لتدجين النساء السودانيات باستلاف القيم الغربية الرأسمالية القائمة على تقسيم الأدوار من ناحية، وقيم مجتمعات الجزيرة العربية القائمة على إخفاء النساء من الحياة العامة وتظليلهن باللباس الأسود من ناحية أخرى. هذه العقلية لاتزال تتحكم في النخب السودانية وتتجلى في لُهاثها المتصل والحثيث في البحث عن سادة جدد. وعليه فقد صارت أوضاع النساء في السودان تتأرجح وفق مراوحات النخب التي تحكم البلاد، وتوجهاتهم القائمة – في الأساس – على المحافظة على الامتيازات.
ولا يمكن الحديث عن نضالات النساء من أجل المواطنة المتساوية، دون التطرُّق لتأثير نظام الجبهة الإسلامية على الحراك النسوي وحقوق المواطنة المتساوية في السودان. فقد شهدتُ خلال سنوات المراهقة وبواكير عشرينيات حياتي التأثير المتنامي لتنظيم الجبهة الإسلامية القومية داخل المجتمع السوداني. حيث وظف التنظيم الإسلام الأصولي لإعادة هندسة المجتمع – اجتماعيًّا وثقافيًّا – ليتمكن من فرض سلطته وسيطرته على الموارد. ورغم أنَّ ثورة ثورة ديسمبر قد نجحت في الإطاحة بنظام الإسلاميين من سدة الحكم؛ على الأقل، إلَّا أنَّ آثارهم ظلت باقية في الحياة العامة، كما أنَّ وجودهم لا يزال نشطًا في مفاصل الدولة السودانية .
لأكثر من ثلاثين عامًا، استطاعت الجبهة الإسلامية فرض مجموعة من القوانين التي قنَّنت لثقافة التمييز ضد النساء، وممارسة العنف عليهنَّ دون مقاومة أو تصدٍّ يذكر على المستوى الأيديولوجي والفكري من المجتمع السوداني. بل تبنت المجتمعاتُ المحافظة المُهَيمِنَة في وسط السودان وشماله – بسهولة – تلك الأيديولوجية القائمة على التديُّن الأصولي والفقه التقليدي الذي صار إلينا من جيوش فقهاء وفلاسفة امتدادات الدولة الإسلامية منذ ما يقارب ألف وخمسمئة عاما من الزمان [1]
أضفَت حقبة الجبهة الإسلامية امتيازات غير محدودة للرجال؛ وتحديدًا لمجموعات الرجال من النخب السودانية، حيث قننت التمايز الطبقي والعرقي والثقافي الذي شمل النساء عامة والنساء من مناطق الحروب والهوامش والنازحات والمهاجرات واللاجئات بصفة خاصة، كما استهدف الرجال والشباب من الهامش الذين تبنوا نهجًا سياسيًّا مغايرًا. حدث كل ذلك على خلفية تمييز مؤسسي وعميق، شمل كل مؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية وانعكس ذلك جليًّا عبر المؤسسات العدلية.
إنَّ حجم الاضطهاد والعنف الذي تعاني منه السودانيات اللّائي يضطلعن بأدوار جادة بصدد التغيير الاجتماعي والسياسي في ظل الواقع السياسي والاجتماعي المشبع بالعداء تجاه النساء يُعتبر هائلًا وقلَّما تحظى أولئك النساء بالتضامن أو التقدير. ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا تصور بعض من كارهي النساء الذين جاهروا بفعل الكراهية والتعدي على النساء في أثناء الموكب النسوي الثالث [2] أنهم سوف ينجون بفعلتهم لا محالة. فالعقل التقليدي السوداني لا يزال إلى حد كبير مستبطنًا لقيم دونية النساء، إضافة إلى تفشي ضعف المعارف العقائدية الذي أوجد الرعب المجتمعي المزمن من السلطة الدينية التي نجحت في فرض وصايتها على المجتمع.
إنَّ النضال المعزول يهزم الأجندة
قالت أنجيلا ديفيس، الناشطة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان والحقوق الاجتماعية ذات مرَّة: “أعتقد أنَّ أهمية العمل النضالي تكمن – تحديدًا – في كونه يتيح لك العطاء، وعدم اعتبارك كفرد، أيًّا كان ما قد حقّقْته، بل جزءًا من حركة تاريخية متواصلة”.
من المهم التأكيد أنَّه لا يمكن أن يستقيم الظلم، كما لا يمكن مواصلة هذا الفصام في الفصل ما بين الخاص والعام في مجتمعات السودان. فبينما يرحب المجتمع بإسهامات النساء المتعلمات والعاملات والقائمات على الأسر والمجتمعات؛ يطالب – نفس المجتمع – النساء بالصمت عن أبسط الحقوق الإنسانية والتخفي والتواري من الحياة العامة. وها نحن بعد عامين فقط من خروج النساء إلى الشوارع في كافة أرجاء البلاد يحدوهن التَّوْقُ إلى العدالة والمساواة، والمشاركة في صنع التغيير في السودان، والتمجيد الذي تلقَّيْنه من جموع الرجال والنساء في السودان (كنداكة)، ها هي اللعبة القديمة نفسها تُمَارَسُ في كنف منظومة الحكم الانتقالي؛ فالمنظومة ووكلاؤها من النخب يلعبون بـ”ورقة المرأة” لاستيفاء أجندة الليبرالية الجديدة والمجتمع الدولي من ناحية – والتي لا تتطلب أكثر من المشاركة الرمزية للنساء – حتى يُسمَح لهم بدخول الساحة العالمية بدلًا من تبنّي قضايا النساء باعتبارها قضايا وطنية مرتبطة بتنمية البلاد ونموها وتحديثها على كل المستويات .
ومع تلاشي خطاب المساواة والعدالة من أروقة الحكم الانتقالي، تصحو السودانيات على واقع مقيت يتركهن بالرغم مِمَّا قَدَّمنَ من خسائرَ وتضحياتٍ، وما واجهن من اعتداءات وقتل، بعيداتٍ عن تحقيق آمالهن في العدالة والمواطنة المتساوية، دون اختلاف يذكر من حقبة المؤتمر الوطني، بل وأصبح الوضع أسوأ مع تفشي الفوضى وضعف البنية القانونية والعدلية التي أدت إلى انتشار أنماط جديدة من العنف والانتهاكات والعنف الجنسي في مناطق الحرب بما في ذلك قتل النساء والبنات.
إلّا أنّه من المهم الانتباه هنا إلى أنَّ وعي النساء بقضاياهن وحراكهن الثوري ما يزال يتطور بشكل منتظم رغم اختلاف تجلِّيات وقنوات هذا التطور والمنصات التي تنشط فيها النساء. ومن هنا تأتي أهمية باردات مثل “الموكب النسوي” الذي هو منصة حراك ثوري لحقوق النساء وحقوق المواطنة المتساوية. وأجمل ما في الموكب هو وعي القائمات عليه الدقيق باختلاف وتنوع الحراك النسوي السوداني وبالتالي اختلاف أولويات النضال. وتكمن أهمية الموكب في فتح الحوار والجدية في عدم الوقوع في براثن الخطاب التقليدي الذي يخشى ما يخشى الاختلاف والتشظي. إن الاعتراف وتقدير حقيقة اننا مختلفين لكننا متفقين في الديمقراطية وإطار الحقوق مع الاحتفاظ بتفسيراتنا ومسافاتنا من مجمل ما هو مطروح.
وأخيرا أود أن أقول لناشطات ونشطاء حقوق المرأة والمساواة، الساعين نحو التغيير في المجتمعات المسلمة التقليدية، إنّنا مُضطرون إلى خلق توازن دقيق، ما بين التفاوض من أجل التغيير، وأن نحيا هذا التغيير فنكون قدوة لغيرنا. وبينما نقف في مواجهة الأعراف الاجتماعية التمييزية المتصلة بالدين، والأيديولوجيات السياسية التي ظلت قائمة لسنوات، لذا علينا أن نتفادى أكثر الأخطاء شيوعًا، وهو عزل أنفسنا عن النساء الأخريات وعن قيمهن ومعتقداتهن.
نحن كنساء لدينا كل الحق في اختيار نهج تديننا واستعادة قيم ثقافتنا الإيجابية، وإرث التنوير والإصلاح في الدين الإسلامي والثقافات السودانية. ولا يفترض أن نخير ما بين كرامتنا وحقنا في المساواة والعدالة وعقيدتنا. يبدأ ذلك بالتأمل الذاتي و العمل علي تسوية أمر هويتنا والتصالح مع حقيقة أن الإسلام هو جزءٌ من إرثنا التاريخي وأحد مكونات هويتنا بصفتنا مسلمات أو نساء يعشن في مجتمعات مسلمة وقادرات على مُساءلة الأيديولوجيا الأصولية والتعاطي معها وتفكيك الخطابات التمييزية التي لا تزال تٌنهك وتستهلك حيواتنا بتناقضاتها الجذرية مع واقعنا المعاش. في تقديري سيُمَكِّنُنَا هذا النهج من التواصل والتحاور مع النساء بمختلف مشاربهن ومناقشة شرائع التغيير للوصول للعدالة والمساواة.
ولا يخفى علينا أن للتنوير الإسلامي كما للثقافات السودانية إرث عريض وتمكيني وتجارب ثرة، فلسنا بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة أو إلى نبذ إرثنا من أجل الوصول إلى المساواة والعدالة. أشدد أن ما نطمح له من تغيير لا يمكن حدوثه دون منظومة حكم واعية بأهمية الإسراع نحو تمدين الدولة السودانية واجتثاث جذور كراهية النساء من بنية الدولة السودانية. غير ذلك سنصحو كل يوم على نوع جديد من الحرب وهو الحرب ضد النساء وهذا سوف يعني بالتأكيد انهيار الامل في الدولة المدنية السودانية.
_________
هالة الكارب: ناشطة وكاتبة وباحثة سودانية، ذات تاريخ طويل في تعزيز حقوق المرأة في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا. حاليًا تشغل هالة منصب المديرة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي (شبكة صيحة – SIHA) ورئيسة تحرير مجلة المرأة في الإسلام السنوية وعضو مؤسس للموكب النسوي.
صحيفة السوداني
كلام خارم بارم .. المرأة السودانية الصاح اصيله واصلية مكرمة وعزيزه من قبل امك ماتتولد خليك انتى … ودوغمائيتك التى تستفرغينها فى عقول اجيال الدقيتال لا تتؤام والفطرة السليمة للمراءة السودانية الاصيلة … اما النص نص الزيك فمصيرهن مزابل التاريخ .. لان نساء السودان لايساومن على دينهن … ليصبحن نساء بديباجة ( مره مطلوقه ) حتى ان قمن بتزيين غثائهن بمثل ديباجتك الوهميه .
يا أمة الله أما آن لك أن تحتشمي .. لماذا تظهرين حاسرة الرأس ومكشوفة الشعر.. سينالك عقاب الله على فعلك هذا
رغم طول المقال ما ذكرتي لينا قانون او مادة تظلم المراة وتهينها بحاجة لتعديل لانه لا يوجد قانون او تشريع اسلامي يظلم المراة الا اذا كنت تقصدين شهادة المراة او الورثة وهي من اصول الاسلام ومن العدل الالهي المطلق وكل من يشكك في ذلك فهو منافق او يحتاج لحكم محكمة لنكفره .
امامظهرك اسال الله ان يهديك للحجاب .
وظيفتك اظنها الدافع لسيرك وراء تنظيم المسيرة والموكب المسخرة اسالي عدد عشرة رجال ماذا لو شاركت زوجتك في الموكب ستجدين ان الطلاق سيكون من نصيب الجميع والان تم استغلال وجود حكومة علمانية متطرفة لنفث سمومكم في المجتمع .
افضل لك ان تتلمي وتبطلي استهبال وعباطة كالتي يمارسها حمدوك وشلته ولو كان صادقا لاتي بنسبة اربعين في المية من المجلس.
النساء علي مستوي قيادة الدول والشركات والاعمال لا تزيد عن ثلاثة في المية فالسودان افضل واظن ان امثالك سيرجعنا للخلف ولو كنت انت تمثلين البلد في اي مستوي سنقول لك ارجعي لا نحتاج امثالك فانت اقل قامة وفكر من اي سودانية تربت علي الفطرة في بوادينا