مزمل ابو القاسم

رحيل ديبي وتسونامي التغيير


* عندما اقتحمت قوات المعارضة التشادية بقيادة محمد نور العاصمة إنجمينا، وحاصرت القصر الرئاسي وأمطرته بالحمم في العام 2008، ارتدى الرئيس إدريس ديبي زيه العسكري وحمل سلاحه وأصر على قيادة قواته بنفسه، فطلب منه أحد أبنائه أن يتراجع إلى مكانٍ آمن، ويترك له قيادة المعركة، حرصاً على سلامته.
* اشتاط ديبي غضباً، وهدر في وجه ابنه بعنف، بل ضربه بعقب البندقية (الدبشك) على وجهه بقسوةٍ حتى أدماه، وأكد له أنه ليس جباناً كي يهرب ويتوارى خلف الرجال، وأنه سيقود معركته بنفسه، وقد كان.
* أفلح ديبي بجرأته وشجاعته اللافتة في صد المعتدين، وبقي في الحكم ثلاثة عشر عاماً إضافيةً، وسط شدٍ وجذب مع الزعيم الذي تقلد رئاسة تشاد أكثر من ثلاثين عاماً، وكان يرغب في المزيد.
* تعددت الروايات حول ظروف مقتل ديبي، لكن الثابت أنه قاد معركته ضد قوات جبهة الوفاق من أجل التغيير حاملاً سلاحه ومرتدياً زيه العسكري كعادته، مع أنه شارف على السبعين، وانتصر على خصومه قبل أن تصيبه رصاصة في اليد (وقيل في الكتف)، صادفت شرياناً فتسببت في نزيفٍ حاد، وأودت بحياته لتنهي مُلكاً عضوضاً، امتد أكثر من ثلاثة عقود، وشهد متغيراتٍ كبيرةً، سيما في علاقة الراحل مع السودان.
* شاب المد والجزر تلك العلاقة، حتى استقرت على شواطئ تنسيق لافتٍ على الصعُد كافة، السياسية والأمنية والعسكرية، بما أدى إلى استقرارٍ ملحوظٍ في العلاقات الثنائية وفي الجوانب الأمنية على حدودنا الغربية، بعد أن أنشأ الطرفان قواتٍ مشتركةً لحراسة وتأمين الحدود، بتجربةٍ نموذجيةٍ، حاول السودان عبثاً تكرارها مع جارته الشرقية إثيوبيا وفشل، بسبب أطماع قومية الأمهرة في أراضي الفشقة.
* ساهمت تلك القوات في تخفيف أوار الحرب في دارفور، ولعبت دوراً مهماً في الاستقرار الذي شاب المنطقة خلال السنوات الماضية، وبكل تأكيد سيصنع رحيل ديبي متغيراتٍ كبيرةً ومؤثرةً في الإقليم من الناحية الجيوسياسية، لجهة أن التنبؤ بمآلالات الأمور في تشاد يظل عسيراً، على الرغم من مسارعة فرنسا إلى الاعتراف بالمجلس العسكري الذي كونه وقاده الفريق محمد كاكا، نجل الراحل إدريس دبي من زوجته الكبرى.
* من المرجح أن تستقر الأمور في يد المجلس، لجهة أنه حظي بدعم واعتراف الحكومة الفرنسية، وضم عدداً من أقوى جنرالات تشاد، وعلى رأسهم بشارة عيسى جاد الله، وزير الدفاع السابق، المنتمي إلى قبيلة الرزيقات، بالإضافة إلى الجنرال جيمادوم ترينا ورفيقه إسماعيل شيبو وعدد مقدر من جنرالات الجيش التشادي وقادته البارزين.
* من سوء حظ السودان أن يتزامن سقوط ديبي مع قلاقل كبيرة، ونزاعات مؤثرة، اندلعت في نواحي دارفور عموماً، وفي مدينة الجنينة المتاخمة للحدود التشادية في الآونة الأخيرة، وأدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى، في مدينة تجارية، كانت تعد حتى وقتٍ قريبٍ من أكثر مدن السودان هدوءاً واستقراراً وازدهاراً من الناحية التجارية، بسبب وفرة التبادل السلعي الذي يتم بين السودان وتشاد في (دار أندوكا)، مستقر قبيلة المساليت.
* أندوكا تعني بلغة المساليت الإناء الكبير، أو كثير العطاء، وقديماً قيل إن الطريق إلى حكم تشاد يمر بالجنينة، ومنها تمر البضائع السودانية أيضاً إلى تشاد وكل دول غرب إفريقيا، مثلما تأتي البضائع الفرنسية إلى السودان، كالعطور وأدوات التجميل وخلافها.
* ينظر محللون إلى سقوط دبي من زاوية القلاقل الكبيرة التي تنتظم دول الإقليم، ويتوقعون أن يمتد تسونامي التغيير إلى زعماء آخرين في المنطقة، ليشمل أسياس أفورقي في إريتريا، وآبي أحمد في إثيوبياً، وسلفاكير ميارديت في جنوب السودان، ويوري موسفيني في يوغندا.
* كل هؤلاء الزعماء مرشحون للحاق بالبشير وديبي، في مشروعٍ دوليٍ (مخابراتي الطابع)، يرى محللون أنه يستهدف إعادة رسم خارطة الإقليم وفق حساباتٍ جديدةٍ، تتفق مع مشروعٍ دوليٍ يجري التخطيط له على نارٍ هادئةٍ، بواسطة قوى غربية، وبتنسيقٍ تامٍ مع إسرائيل.
* سننتظر مقبل الليالي لنرى ما تحمله من حوادث، لكن الثابت أن المنطقة لن تستمر على حالها بعد. َاختفاء رجل تشاد القوي من المشهد، وأن السودان سيكون على رأس المتأثرين برحيل ديبي، وأن استمرار النزاع المسلح في تشاد ستكون له آثار كارثية على دارفور الملتهبة بنيران الصراعات الجهوية والعرقية والسياسية.

صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد

  1. والهدف من المقال وهو تبخيس ثورة الشعب السوداني التي أطاحت بنظام البشير بتصويرها بأنها مجرد مخطط غربي بتنسيق مع اسرائيل لإعادة رسم خارطة هذا الاقليم الأفريقي .