مقالات متنوعة

“الأمن مقابل المشروعية”!

(1)
كما أشرنا في المقال السابق عند قراءة إفادات رئيس المجلس السيادي في حواره مع فضائية الحدث، فقد بدا السيد البرهان متفاجئاً من أن الأمور مع الولايات المتحدة “لم تسر كما كنا نعتقد بمجرد إيفاءنا بالمطلوبات التي طلبت منا” على حد تعبيره، لم يعدّد تلك الاشتراطات الأمريكية تحديداً لكنها بالطبع تبقى مفهومة في سياق ما كان معروفاً في باب العلم العام من مجريات العلاقات فيما يتعلق ببعض القضايا مثل تسوية التعويضات، والشطب من لائحة الإرهاب، ومنها ما هو بالضرورة أجندة مطروحة وراء الكواليس رشح منها موضوع “التطبيع” كشرط لازم لتحقيق ذلك.
(2)
بيد أن اللافت اعتبار البرهان أن الوعود بدعم الاقتصاد لم تتحقق، أو تسير بوتيرة بطيئة لا تتسق والتصريحات الأمريكية المتواترة بدعم الشعب السوداني في الفترة الانتقالية، هذا على الرغم من الحراك الذي شهده ملف كسر جمود علاقات السودان مع مؤسسات التمويل الدولية ما كان له أن يشهد أي اختراق كما حدث في مسألة خفض الديون لولا القرار الأمريكي برفع الفيتو عنها، ولذلك يبقى السؤال ما الذي كان يتوق له البرهان، أو يتوقع حدوثه من قبل الولايات المتحدة ولم يتحقق له بعد؟.
(3)
ما أثار استياء البرهان، واعتبره دليلاً على عدم حدوث تغيير في السياسة الأمريكية تجاه السودان، تلقيهم لمصفوفة أخرى من إدارة بايدن، وتتضمن بطبيعة الحال حزمة اشتراطات جديدة، ويبدو أنه كان يعتقد أن “الإيفاء بالمطلوبات” التي استجابوا لها كافية لتجاوز نهج المصفوفات التي كانت تقدم للنظام السابق، وبالتالي سيكون الطريق إلى واشنطن سالكاً.
وفي الواقع فإن هذه المصفوفة الجديدة ليست سوى امتثال لـ “قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية لعام 2020م”، الذي أجازه الكونغرس مطلع العام الجاري باشتراطاته المعروفة، والذي يطلب من وزارة الخارجية الأميركية تقديم استراتيجية تفصل متطلبات الدعم الأميركي للانتقال والحكم المدني.
لا شك أن الافتراضات المفعمة بالنيات الحسنة التي اندفع فيها العسكريون في السلطة الانتقالية يكشف قلة الدربة في التعاطي مع السياسة الخارجية، والخبرة في فنون إدارة العلاقات الدولية، ومن الدروس الأبجدية في هذا المجال أن الاستعداد العجول للاستجابة للمطالب والسعي لخدمة مصالح الطرف الآخر دون حساب هو آخر ما يصلح لتحقيق مكاسب، إذ لا أحد يدفع مقابلاً لما يحصل ليه مجاناً.
(4)
لقد بدا مثيراً للاستغراب أن المؤسسة العسكرية لم تتعلم شيئاً من تجربتها في ظل النظام الانقاذي، وقيادتها اليوم كانوا شهوداً فاعلين فيه، فهي لم تأت بجديد، فها هي تعيد تكرار اللعبة ذاتها “الأمن مقابل المشروعية” التي اتبعها في محاولة كسب ود واشنطن، حيث انخرطت منذ العام 2000م في الحرب الأمريكية ضد الإرهاب وقدموا لها خدمات جليلة في هذا الخصوص، وتماهت مع السيناريو الأمريكي لإنهاء حرب الجنوب بتسوية قادت إلى تقسيم البلاد، ومع ذلك لم تظفر مقابل ذلك سوى المزيد من الضغوط، بإضافة عصا المحكمة الجنائية الدولية، ولا سر وراء ذلك فالسياسة الخارجية الأمريكية لا تخفي أنها تستخدم هذه الحزمة من الأدوات للضغط على الحكومات لتغيير سلوكها، وضمان استمرارها في خدمة مصالحها، وما حدث أن الإدارة الأمريكية استبدلت ورقة “لائحة الإرهاب”، بقانون “الانتقال الديمقراطي”، لذلك فإن توقعات العسكريين لم تكن في محلها ابتداءً، حيث تأسست على تمنيات لا تسندها حقائق الواقع، فهي لم تأت بسياسة جديدة لم يسبقها إليه سلفه، ولا أتت واشنطن بجديد، فسياستها كتاب مفتوح اتفقت أو اختلفت معها، ولا أحد يستطيع لومها إذا لم يحسن أحدهم قراءتها والتعامل معها.
(5)
والأمر نفسه ينسحب في شأن العلاقات “الغامضة” مع تل أبيب، فقد وصف البرهان واقعها الراهن بكلمات متحفظة افتقدت تلك الحماسة التي جرى بها تصوير دوافعها غداة لقاء عنتبي بأنها ستمطر منافع اقتصادية في بلد أصابه الجدب، ليقصر الأمر بأنه لا يتجاوز التعاون في الجوانب ذات الطابع الأمني والاستخباري ومكافحة التنظيمات “الإرهابية”، مشيراً إلى أنه لم يتم الشروع بعد في إجراءات خاصة بالاقتصاد.
وهو ما يفسر أن الاندفاع المحموم في هذا العلاقات متجاوزاً المشروعية الدستورية والأطر المؤسسية، فضلاً عن الافتقار لرؤية استراتيجية، انتهى بأن تكون علاقة ذات اتجاه واحد لخدمة المشاغل الإسرائيلية المعنية بقضية الأمن بذات الأولوية المعلومة في أجندتها، وأما الأجندة التي تخدم المصالح السودانية فلا حضور لها ببساطة لأنها غير معرّفة، ولا يستطيع أحد أن يطلب من الطرف الآخر أن يقوم بذلك بالنيابة عنه، أو لأن سقفها كان متدنياً للغاية.

صحيفة السوداني

‫2 تعليقات

  1. الاخ حسن التجانى اشيد بتحليلك الموضوعى وحقا ايضا الفت نظرك بان اخوتنا فى الحكومه الحالية ليست لديهم اى استراتيجية ولا اهداف محدده وجروا الوطن فى مفاوضات مع الغرب بدون رؤية وطنية خالصه وايضا السلام عبارة نهب اقتصادى ولا طائلة لاقتصاد الوطن لتلبيت شروطه القاسية والمعقدة فى ظل اقتصاد منهوك ومتدهور كما وكيفا وضعف فى التعامل والاسلوب السياسى واشغال الوطن بقضايا ليست >ات جدوى واشغال الراى الوطنى بقضايا ازالة ولم تكن لها اى تاثير فى حياة الناس بل عقدت الامور وكان الاجدر القضاء من يفصل فى موضوع المخالفات ومدى تقيمها مع التنسيق بين المفوضيه والتى اتت متاخره جدا؟؟ وايضا لا توجدنهضة وخطط لنشل الواقع الاقتصادى المتردى والصرف على هيكلة حكومه مكلفه وكلهم يتقاضون رواتب بالدولار وكيف يكون فى دوله فقيرة وتتلمس النهوض والشفافية والتضحيات واكبر فساد وخصم على خدمات المواططن التعليمية والصحية والخ بعد لا توجد اجماع وطنى الان ولا سياسى لفتح الباب للمواطن ليقول رائيه حسب ما تمليه الواقع بانتخابات حرة ونزيه ويقول كل مواطن سودانى راية بدون حجر الحكومه الحالية والحركات لانها لا تمثل كل اقاليم الوطن والمكون الجفرغرافى والبشرى لارض السودان وهو الخيار الان لامم المتحده لتعرية الحكومه الحالية والحركات بتعطيل النتخابات بدعوة عدم الاستقرلار فى دارفور او جنوب كردفان والوضع الان افضل ويمكن ان تقوم الانتخابتات وتحدد ومن يريد اللحاق بالاسلام واالمن للوطن يمكنه >لك ةوالقطار لا ينتظر المتسكع والرافض والبراهن بقضايا الوطن لان الوطن وحقوق الناس اقوى واقدس من العبث السياسى الحاصل وهل يعقل اقليم به 10 حركات وكيان حزبى واين نحن نعيش فى هستريا لاسياسة والاطماع الشخصية واضحه وفى ظل عدم وجود انتخابات للمجلس التشريعى ومن ثم الانتخابات العامه قريبا والناس منتظره التحول الديمقراطى الكامل الغير منقوص ؟ للنهوض وخلق واقع جديد وحقيقى وليس هلامى واجسام لا تعبر عن المكون الوطنى شاملا ومنقوص ؟ والله المستعان

  2. اسف هناك اخطاء املائيةبسبب بورد الحاسب الالى ولا وقت لتعيدله لان الوقت ضيق وشكرا لاخوة القراء والصحيفة العامرة النيلين