مقالات متنوعة

( مفراكة ) التمكين وربائب السلاطين


بعيداً عن جدل الصواب والخطأ واللائق وغير اللائق أخلاقاً وعرفاً وقانونًا، لا أظن أن انشغال الرأي العام بالإسلاميين بعد سقوط النظام كان سيكون بهذا القدر الكبير من الإهتمام والمتابعة واستنزاف وقت وطاقة المرحلة الانتقالية ، لو لم تكن أجهزة السلطة الحاكمة تمارس ما تمارسه من تضييق وملاحقات واعتقالات ومنع وحظر لهم ولنشاطهم وفعالياتهم الاجتماعية والدينية والسياسية .
لقد صنعت رغبات الانتقام والتصفية ومحاولة إلإلغاء المستحيل لوجود المكون الاسلامي في الساحة السياسية من الفترة الإنتقالية مسرحاً استعراضياً للإسلاميين وفرصة استئناف لحكم الثورة على الإسلاميين ، لم يكونوا يتوقعون الحصول عليها بهذه السرعة بعد فترة قصيرة من سقوط نظامهم ليبدأ رصيدهم التراكمي من جديد يتصاعد باستدعاء التعاطف العام معهم ، بسبب ما تفعله لجنة وجدي ومناع من ممارسات لايتوفر فيها أدنى حد من الذكاء السياسي .
أحرار الوطن واحرار الثورة السودانية ثاروا ضد الإسلاميين واسقطوا نظامهم وطالبوا بمحاسبة المفسدين منهم بشعار واضح ومحدد كان قد انتجه الوعي الثوري الراغب في التغيير الديموقراطي هو ( حرية سلام وعدالة ) وليس ( انتقام وتصفية وجهالة ) .
ولذلك كان الفرق واضحًا منذ أن قفزت أحزاب وقوى قحت الى السلطة ، وبدأت لجنة التمكين عملها بأن اختارت لنفسها نفس خيارات الأنظمة الشمولية القمعية في تصفية حسابها مع الخصوم فبدلاً من أن يتولى القضاء وأجهزة العدالة مهمة استرداد الأموال ومحاسبة المفسدين بالقانون وبقرارات نهائية من منصة القضاء ، اختاروا الخيار الآخر الأضعف قانوناً وهو مصادرة ممتلكات الافراد والمؤسسات المشبته في الحصول عليها بطريقة غير قانونية .. فكانت النتيجة هي ( المصادرة بموجب قرارات لجنة سياسية وليس استرداد الحقوق بواسطة القضاء ) .. الشيء الذي قد يحقق للسياسيين منهم إشباعاً نفسيًا لحظياً ومؤقتاً وليس حكماً نهائياً يجعل هذه الأموال المستردة تدخل خزانة الدولة بطريقة سلسة وتستفيد منها البلاد بالكامل ودون أي تردد أو تعثر إجرائي هنا وهناك .
وهذا يعني أن اللجنة السياسية تلك قد اختارت الطريق السياسي الذي يرضيها ويحقق اجندتها وليس الطريق الوطني الذي يعلي من المصلحة العامة للبلد ويضمن حقها .
وبنفس هذا المنهج المعطوب أطلقت القيادة السيادية والتنفيذية للحكومة الانتقالية يد لجنة وجدي ومناع لتمارس أسوأ أنواع القمع ومصادرة الحريات الاجتماعية من خلال مشهد فض التجمعات الرمضانية الخاصة بشباب الاسلاميين واستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المصلين وأسرهم في واحدة من أسوأ ممارسات الإستئصال والتضييق التي لا تشبه الثورة السودانية لكنها وبكل وضوح تشبه ممارسات حزب البعث العراقي حين كان يحكم العراق في زمن صدام حسين وما فعله بشار الأسد بشعبه ، وبالتالي هي تشبه فكر وجدي صالح وكتابه الذي يقرأ منه وتجاربه التي يقتدي بنموذجها .
حكومة الثورة السودانية تذبح نفسها بسكين القمعيين وأصحاب الغبينة ومن يقفون ب ( مفراكتهم ) عند قدور الطبخ لعجينة الكراهية من الذين تصدروا مشهدها وسرقوا عرق الثوار .
( حرية سلام وعدالة ) هي قيم كبيرة وأساسية كان من الممكن ، لو آلت السلطة الإنتقالية لسياسيين حكماء أقوياء مؤمنين بالتحول الديموقراطي أن تحرج تجربتهم الإسلاميين ، وتظهر الفرق بين نظام شمولي سابق ونظام انتقالي ثوري قائم يتطلع للتغيير الديموقراطي وليس للتشفي والانتقام ومحاولة إلغاء مكون كبير في المجتمع السوداني .
هو مكون كبير حقيقة .. حتى ولو سقط نظامه الحاكم وانتهت تجربته في الحكم .. لكنه مكون له وزنه وهذا ما يعرفه جيداً عقلاء الساحة السياسية ونخبها وهو ما كان واضحاً للجميع في حشود تشييع الزبير احمد حسن رحمه الله .
هذا المكون كانت الثورة السودانية قد فرزت فيه بين من يؤمنون بالحرية والتغيير ومن لا يؤمنون بالتغيير وذلك من خلال مشاركة نسبة مقدرة من شباب الإسلاميين في ثورة ديسمبر واستشهاد بعضهم .
لكن من سرقوا الثورة من الأحزاب لم يكن يهمهم الحفاظ على قاعدة الثورة الشعبية كلها واستقطاب كل من يمكن استقطابه من جميع اطياف الشارع للإنضمام للتغيير الديموقراطي وبناء دولة الحرية والسلام والعدالة .
بل ظنوا بأن دولة ما بعد الثورة يجب أن لا تفوح من أرضها رائحة عرق لإسلامي أياً كان لونه السياسي وأياً كان موقفه من النظام السابق فامتلأت السجون بمعارضي البشير الى جوار زنازين رموز النظام أنفسهم في الوقت الذي يبرطع في الشارع المؤيد للثورة الكثير من ربائب النظام السابق نفسه وحرباءات الساحة السياسية والإعلامية ، بل يكاد بعضهم يحرس بطبوله زنازين من عارضوا البشير في حكمه و جاوروه في سجنه .

جمال على حسن
صحيفة الجريدة


‫2 تعليقات

  1. نحن مع محاسبة المجرم وذلك وفق القانون وما تفعله لجنة التمكين لا يمت للقانون بصلة بل هو منهج اليسار والعلمانيين في التشفي والحقد والفجور السياسي الاهوج .
    لا توجد دولة واحدة في العالم تفصل القضاة وحتي الموظفين بهذا الاسلوب الرخيص الذي لا يتناسب مع دولة في القرن الواحد والعشرون وهذه ممارسات لجان تفتيش القرون الوسطي.
    تسريع الفصل وزيادة وتيرة عمل اللجنة محاولة متجددة لتازيم الوضع وهروب من اللجنة للامام لتعقيد الحلول وتشتيت جهد المفصولين بالحكومة والقضاء لانصاف المظلومين ومحاربة الهجمة القانونية المضادة التي لم.تبدا والتي حتما ستضع اللجنة امام سيل جارف من التهم الحقيقية .
    في الغرب كل يوم يتهم مسؤول حكومة بالسرقة والرشوة والتهرب الضريبي وغيرها ولا تتجاوز الدعاوي محاكمة الشخص المتهم ولم يتم حل احزابهم او تجميد نشاطها كما تفعل لجنة التمكين .
    وجود مفوضية الفساد الجميع انتظر به حل اللجنة كمرحلة وتحويل التقاضي للمفوضية ولكن يبدو.ان استمرارها يدل علي ايدي خفية تصر علي التدمير الممنهج للسودان دون رادع .
    حمدوك بالتاكيد كشيوعي يطربه عمل اللجنة وكان يجب ان يكون محايدا يقف امام جميع مكونات الشعب.علي مسافة واحد ة ولكنه لم يستطع وسوف يكون عمل اللجنة له نصيب الاسد لابعاد الرجل ومبرر اضافي لسقوط حطومته.
    البرهان وصمته لم يتوقعه احد تجاه تصرفاتها ويبدو ان للرجل جهة ما تكبله وتبتزه ليلوز بالصمت وهذا ما سيخصم.من رصيده الشخصي ويقلل من دور الجيش كمؤسسة تحمي الدولة من الانهيار وتوقف.باشاراتها الاستهبال السياسي الذي يمارسه البعث والشيوعيين وقلة شاذة خطفت كل مقومات الدولة السودانية.
    نصيحة للبرهان اوقفوا اللجنة وحولها لمفوضية الفساد او ستجدون ان الوقت فات علي سقوط الدولة السودانية وليس سلطة حكومتكم الانتقالية .اللهم هل بلغت اللهم فاشهد