معتصم أقرع: شبهنا الحكومة بحال شاب مقبل علي الزواج
الفية رب رب العليا:
💧اللجنة الحكومية لتقييم سياسات تعويم الجنيه غريبة التكوين لأنها تضم, إضافة الي المالية والبنك المركزي, جهات لا تفهم اقتصاد العملة مثل وزارات شئون مجلس الوزراء والداخلية، وجهاز المخابرات.
💧ان إدارة العملة وسعر الصرف قضية فنية معقدة وتحتاج لمعرفة عميقة في جميع انحاء العالم لذلك فانه في الاقتصادات الكبرى عادة ما يكون محافظ البنك المركزي اهم شخصية في البلاد علي الأقل من الناحية الاقتصادية كما هو الحال في امريكا والاتحاد الأوروبي.
💧ولكن الحكومة السودانية لا تعبأ بهكذا تعقيدات وتضيف الي الضعف الفني لكوادر المالية والبنك المركزي وضع القرار في يد أسماء لا علاقة لها بالاقتصاد من قريب أو بعيد كما تلخص في تعيين الفريق دقلو رئيسا للألية العليا لإنقاذ الاقتصاد في وجود السيد رئيس الوزراء في عضويتها وكذلك السيد وزير المالية الاسبق.
💧والان يبدو ان السيد وزير شئون مجلس الوزراء اصبح خبيرا في كل شيء مثل اصلاح الخدمة المدنية والاقتصاد والتجارة وأسعار الصرف والحكم الاقليمي وطبيعة بيوت الخبرة الأجنبية وهلم جرا.
💧التعامل مع جسد الوطن هكذا لا يختلف عن قيام نجار بإجراء جراحات التوليد وإزالة الأورام والختان والقسطرة. استهتار حكومة البصيرة ام حمد بالخبرة المتخصصة هو معادلها السياسي لتلك اليافطات التي تعلن عن شيخ يداوي البرص والعمي والايدز والكورونا والسكري ويعطي الجنا ويسهل الزواج وفرص العمل ويعيد الحبيب الغائب.
💧لذلك ليس غريبا ان تتوجه اللجنة الِي اصدار فئات كبيرة أو الفية من العملة بغرض لجم سعر الصرف وهذا مثل صب برميل الجاز علي حريق لإطفائه.
💧يعتقد صانع القرار الحكومي ان الجمهور لجأ للسوق الأسود لان القنوات الرسمية تعطي مقابل العملة الأجنبية عملة سودانية من فئات متدنية – تخيل ن تستلم ألف دولار في شكل عملة سودانية من فئة العشرين جنيها!
💧صحيح ان عدم توفر فئات عليا يصرف بعض الجمهور عن التعامل عبر القنوات الرسمية ولكن ليس هذا هو السبب الأوحد للعزوف ولا هو سبب ارتفاع سعر الدولار. لذلك فان ضخ فئات عليا رب رب لن يلجم سعر الصرف وغالبا سوف يفاقم من حدة تهاوي الجنيه السوداني.
💧من ناحية نظرية فان سعر الصرف يتحدد بالعرض والطلب علي العملة من الجانبين . لذلك فان طباعة المزيد من الجنيه السوداني يزيد عرضه وبالتالي يرخص سعره أي يرتفع سعر الدولار مقابل الجنيه.
💧وبما ان عرض الدولار يعرف بأنه مجموع المتداول في القنوات الرسمية وقنوات السوق الأسود (وليس المتداول في القنوات الرسمية فقط) فانه يظل عرضا محدودا ولا تملك الحكومة تأثيرا كبيرا عليه. وهذا يعني ان سعر الصرف/الدولار يعتمد الي حد كبير على عرض الجنيه السوداني الذي تستطيع الحكومة ان تزيده بسهولة بتشغيل ماكينات طباعة رب رب.
💧لا تعني طباعة فئات عليا بالضرورة زيادة عرض الجنيه السوداني وتدني سعره لان النتائج تعتمد علي تأثير الفئات العليا علي عرض الجنيه . ومن الممكن ان يكون هذا التأثير محائدا إذا ما اعدمت الحكومة فئات صغيرة تساوي قيمتها ما طبعته من فئات عليا (اعدام خمسين ورقة فئة عشرين – أو مئة ورقة فئة عشرة – مقابل كل ورقة ألف جنيه جديدة علي سبيل المثال).
💧ولكن هل ستسحب الحكومة فئات دنيا لتحييد اثر التوجه الجديد علي سعر الصرف؟ لا اعتقد ذلك لان الحكومة تعاني من عجز مالي وتحتاج لكل ما يمكن طبعه لتغطية ذلك العجز ولن تضيع فرصة الاستفادة من المال المطبوع بإهمال ثم تبرير هكذا رب رب بضرورة تشجيع التحويل عبر القنوات الرسمية ناسية ان الفئات العليا حين تخرج اليوم من البنوك والصرافات تقع غدا في قبضة السوق الأسود وتعود حليمة الي قديمها.
💧اضف الي ذلك ان سحب الفئات الدنيا خطر يهدد بخلق عوائق جديدة للتجارة والتبادل والدفع اليومي – فكر في ارجاع صاحب الدكان أو الحافلة أو المخبز الباقي من نقودك.
💧هكذا تعيد حكومة الثورة مأساة النظام السابق الذي انتجت سياساته واقعا شديد الغرابة يتصف بإفراط طباعة العملة التضخمي مصحوبا بندرة في الكاش ولم أسمع باقتصاد عانى من مشكلة شبيهة تتسم بشح الكاش وفي نفس الوقت وفرته الزائدة زي الرز. وبما ان الحكومة لم تفهم طبيعة المشكلة وجذورها فإنها تعيد انتاجها ولا تملك المعرفة ولا الإرادة السياسية لحل ناجع.
💧سبق ان شبهنا الحكومة بحال شاب مقبل علي الزواج يدخل في حمية غذائية تنتهي بصينية كنافة وطشت مخبازة بعد توقيع عقد الزواج وقصدنا بذلك ان الحكومة في فترة خطوبتها المتجددة لصندوق النقد دخلت في حمية لتهدئة سوق العملة فكفت يدها عن رب رب في انتظار تقرير بعين العطف منه . وتوقعنا ان تنتهي الحمية علي الأقل جزئيا بعد صدور التقرير. ويبدو ان الوقائع تقول اننا لم نكن نبالغ اذ تطل مخبازة الفئات الالفية ونصف الألفية برأسها الساخر.
معتصم أقرع
أظن تشبيه الحكومة بالقرع أفضل يا أقرع