رأي ومقالات

تدوين الأحداث بين عصر البطولة وحياكة الدجل


نهاية التسعينات ومطلع الألفينات بدأ نشاط معارضة الشتات لنظام الإنقاذ يتصاعد ، وأتخذ أشكال عدة أبرزها زيادة فاعلية مدونات الانترنت والندوات السياسية بمدن المنافي والإغتراب وتجمعات (البورداب) .. وقد كانت المادة الرائجة والاساسية في التداول السياسي للنشطاء هي إجترار مآسي الإنقاذ وسرد الذكريات المتعلقة بمعارضتهم لها والثمن الذي دفعوه من فصل تعسفي وإعتقال وتعذيب وبيوت أشباح .. هذا بالإضافة لأشعار وأغاني النوستالجيا السياسية التي تضخم سودان ما قبل الإنقاذ وتقزم الواقع الذي تعيشه البلاد ..

واحدة من تمظهرات هذه الفترة (الإغتراب الكامل) ذهنياً وعملياً ، فطول الفترة بين المغتربين ووطنهم جعلهم محنطين في مربع الذكريات بلا مواكبة للوضع في الوطن ، فقامت مجتمعات المغتربين على تضخيم مآسيهم ليجنوا مزيدا من مكاسب اللجوء من تمييز إيجابي في فرص العمل والتعليم لهم ولأبنائهم .. بالمقابل كانوا أكثر شططاً في معارضة النظام سعياً منهم لتعويض عجزهم عن التغيير ..

وفي ظل هذه المتغيرات والسياقات نشأت (السواقة السياسية) وكان عمادها مثقفي المنافي وسياسيى التجمع الوطني (المتقاعدين) والذين أمتهن بعضهم وظيفة (مناضل) ، ومنهم من رهن إستمراره كشخص فاعل في المجال العام بذهاب النظام الإنقاذي الحاكم ..

كانت المتاجرة بالمعلومات والحكايا وقصص المعاناة رائجة ، كرصيد سياسي وإعلامي وقبل ذلك عائد مادي من حقوق الطبع والنشر ، وأبرز من استفاد من هذه الموجة وأستمرأ عوائدها الكاتب فتحي الضو للدرجة التي يمكنك معها إعتبار أن سقوط (نظام العصبة الإنقاذية) يعد خسارة فادحة لمسيرته الكتابية والعملية ، فأرباح فتحي الضو من كتبه (الطاعون ، الخندق ، بيت العنكبوت ، ومن قبلهم سقوط الأقنعة) كانت هائلة جدا ومجدية للغاية مقارنة مع محتواها التوثيقي والتحليلي ، فقد عبرت كتبه القارات وحصد حصائلها من موقع أمازون وإي باي ..

فالمتاجرة بالقصص والونسات وبيع الأوهام كانت مجدية في ظل غياب المعلومة وإدعاء الكاتب بحصرية المصادر ، علاوة على شيطنة الطرف المعني بالمعلومات المنشورة ، للحد الذي يجعل روايته مرفوضة مسبقاً ، وهذا الوضع أتاح لكثير من الكتاب بناء قصصهم الخاصة ورواياتهم عن أوضاع عاشوها أو تخيلوا حدوثها ، أو تسامعوها في مجالس المدن وجنبات الحواري والأزقة ..

تضخيم الذوات والأدوار عادة مركوزة في السودانيين ، وقد تكررت روايات وأوضاع شبيهة بما ذكر آنفاً عن مآسي النظام السابق وتجاوزاته ، وبحكم أن الكتلة السياسية الحاكمة الآن يتشكل نصفها من (مغتربين) والنصف الآخر موزع بين سياسيى أبريل وأنصاف الساسة من الإنتهازيين ، بالإضافة لشيوع التصنيفات التجريمية في حق (المحايدين) فإن أمانة التوثيق والتسجيل للمرحلة المقبلة مهددة بخطر كبير ، وبالفعل فإن التزييف قد طال تفاصيل أحداث معظم شهودها أحياء وبعضها موثق صورة وصوت ، وكذلك بنيت أحداث كاملة منشأها الوهم وداعمها الأساسي قاعدة سياسية تقول أن النظام السابق (يفوق سوء الظن العريض) ..

أقول قولي هذا وأحد عناصر النظام الحالي قد أصدر كتابا عن الترابي بعنوان (حياكة الدجل) وفي الطريق كتب أخرى سينشأ بناءاً عليها تاريخاً يدهشك ويدهش شهود هذه المرحلة ..
يوسف عمارة أبوسن
6 مايو 2021


‫2 تعليقات

  1. انت عاوز تصل لي شنو يا يوسف عمار
    اين كان موقعك زمن الإنقاذ
    اين العداله الصحفيه في سرد ما عملعت الانقاء وما تكتبه الان عن معرضي الانقاذ سابقا في المهجر
    هل فاتك القطار ام انقفل منك بلف الإنقاذ
    لماذا لا تحلل التجربتين معن
    كتاب الاغتراب وسياسه تمكين الانقاذ مثلا
    لماذا انت ضد الجمهوريين
    ولماذا تشير للكتاب)( حياكه الدجل)
    واين انت من سوء الظن العريض
    لقد فقدت مصداقيتك قبل ان تبدأ