حزقيال.. توب الكرب الجابوك النقادة
كنت قد نذرت صوما عن الكتابة منذ مغادرتي لرئاسة تحرير (الراي العام) ، اثرت الدخول في هدنة مع الذات والركون لاستراحة استجمع فيها الافكار واستلهم العبر ، اتامل غرس ما مضى بحلوه ومره ، واحصد عوائد ما انقضى بخيره وشره.
ما زلت في مواجهة مع النفس وعزلة اخترتها اجالس فيها نفسي، اعبئ الاوردة من اكسجين التامل واتعرف علي كثير مما فاتنا ونحن نتنقل من رهق الي نصب في بلاط صاحبة الجلالة التي ذهبت بانضر وابهى ايام العمر.
ولكن كيف لي ان امسك قلمي وشندي تنزف حزن (حزقيال) احلى ثمار المدينة، يتداعى فيها ركن ركين ويختلج في عينيها دمع سخين وتعتصرها عبرة من ذكريات دامعة جعلت من (حزقيالها) بسماحته وابتسامته المطبوعة على وجه ملائكي منير جسر للعبور بين قداسة (الاسلام ) وسماحة (المسيحية).
(حزقيال)، قبطي جعلي (سليل النقادة) تجاوز الاسم رمزية المسمى في حكايات المدينة، اصبح جزء من ذاكرتها، تحسبه للوهلة الاولى نعتا ل(محطة مواصلات) يلتقي عندها القادمون الى السوق، او تظنه على اللافتة المثبتة في المكان مزارا لقديس استثنائي حمله الاتباع الي بقعة طاهرة فصار قبلة للمريدين، لكن سرعان ما تكتشف انك امام (رجل من لحم ودم) توهط في النفوس ب(طيب الذكر ) و(سمح السجايا) فاصبح بوابة مشرعة باتجاه المعاني الكبيرة، لا تجده الا مبتسما يحادثك همسا وفي عينيه يتلاصف الوعي ويشع الاحترام، (تاجر شاطر) ، جواد، كريم سمح اذا باع ، اواشترى قضى او اقتضى، (انسان مختلف) استطاع ان ينسج علي ذاكرة الشنداويين سيرة انيقة لرجل (متفق عليه).
سيرة حزقيال (تاجر الاقمشة) الذي بكته المدينة بحرقة تختزل رحلة تعايش جديرة بالتوثيق عاشها (النقادة) الاقباط، في مجتمع (مسلم ) استقبلهم بكل حب واحتفاء، حكايات يرويها التعايش وتؤكدها السماحة والاحترام المتبادل حيث لا يشكل الدين حاجزا بين الناس وتنداح الانسانية قاسما معتمدا للتواصل بين مكونات مجتمع مضياف ومستنير. ظل الاقباط (النقادة) جزءا عزيزا من تاريخ شندي، يضبطون ايقاع المدينة على مذاق مختلف ، فكهين ، يجيدون صناعة الحياة بدربة الحاذقين، يعبئون شرايين المدينة بالمعرفة، وينسجون علي منوال الحياة الى جانب (الفردة وتوب الكرب، والدمور ) صلات المودة والحب والتراحم.
(النقادة) واينما حلوا اكسبوا المجتمع نكهة واضافوا اليه جمالا ومنحوه بريقا وبهاء، ظلوا قوة اجتماعية مؤثرة واقتصادية ضاربة في امدرمان وعطبرة ومدني وشندي وفي كل مكان اناخوا فيه برحالهم وصار مستقرا لترحالهم.
من المشاهد العادية جدا في شندي ان تكون في (عزاء للنقادة) وتفاجأ ب(بروش الصلاة) متراصة مع قدوم موعد الاذان بينما الاباريق ملاي بمياه الوضوء للمعزين القادمين، (صواني الاقباط) تسابق الجميع الى مكان الملمات.
في شندي كان (زعيم النقادة) اديب فاخوري هو المسؤول عن وصول الاذان الي بيوت المسلمين فقد تخصص محله الشهير بالسوق في ايجار وصيانة (مايكرفونات) كان اغلبها لاستخدامات المساجد قبل ان يهل زمن (الساوند سيستم)، كان الرجل القبطي النبيل يشرف علي مكبرات الجامع الكبير وقفلة المولد وصلاة الاعياد.
ننعي(حزقيال) اسما ومعنى ورمزا يقودنا الي تحية وتامل مثال التعايش الذي جسده الرجل واهله ومنحه مجتمع شندي لثلة (النقادة) الخيرة ، من منا لا يتذكر ابراهيم يسخرون (البصير الحاذق)، والتحية (للطفي وسمير) اصحاب مكتبة (العهد الجديد) التي علمتنا القراءة واجزلت لشندي المعرفة ونعمة الاطلاع، والمحبة والعزاء لرواد (نكهة الفول) عند (ابو الزيق)، شاؤول وبركات الذي كان يتفقدني ب(موتره الفيسبا) حينما تطول غيبتي عن المكان، ولن ابارح حتى اتذكر (اولاد حبشي) كانوا يجملون المساءات وبيوت المناسبات، واحيي ايام (روبيل الترزي) وابناء (ادوارد سمعان).
العزاء لاهل شندي في(حزقيال) ول(احبابنا النقادة)، رحل الرجل، وستبقى المعاني، وسيظل محطة خالدة في حياة الشنداويين.
يعاد نشره
صحيفة اليوم التالي
وطن يتعايش فيه أصحاب الديانات المختلفة بكل هذا الود والتسامح والتراحم .. ما كان بحاجة لأن يقوم أولئك الأشرار الذين يسمون أنفسهم بالإسلاميين بالاستيلاء على السلطة فيه بقوة السلاح وبدعوى إعادة أهله الى حظيرة الدين .. مع أن أمر الدين كان قائماً بين أهله تعاملاً حسناً وخلقاً كريماً
ثم أصبح هوساً وتعصباً وتطرفاً وعداءً وكراهيةً لغير المسلمين بفعل الخطاب الديني الخبيث للأشرار المنافقين الذين يسمون أنفسهم بالإسلاميين .
هل يعني عكس كلامك ان ياتي الينا الشيوعي والعلمانيين والبعث وعملاء الاستخبارات العربية والغربية ليتلاعبوا بنا بمسح الاسلام من الاعلام والمناهج والقوانين وكنس كل ما ينتمي للاسلام بديكتاتورية فظة وتطاول علي المجتمع وهدم اركانه وسوق الناس كرها للعلمانية وما يخالف التدين الفطري المتسامح للشعب السوداني كلا لن يحدث.
سوف تقبر كل افعال هذه الحكومة وسيحاسب كل من اجرم بتغيير المناهج والاعلام والقوانين حتما وانتهت شماعة الكيزان فلا مفر من حساب كل متلاعب بقيم الشعب السوداني الاسلامية