محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: الطيب مصطفى.. إني أشهد


(1)
الذين يعتقدون أن ثورة ديسمبر المجيدة يمكن أن يدعموها بالسباب والشتائم واللعنات والشماتة في الموت واهمون. هم ما زالوا يعانون من أمراض الفطام وما زالوا يعيشون في سبات (الحاضانات) وهم من دون شك يشكلون الخطر الاكبر على الثورة اكثر مما يمكن ان يشكله (الفلول).
الفلول لا حول ولا قوة لهم – فلا تجعلوا قوتكم أنتم في الشماتة من الموت.
الكثير من الناس ينتقدون الطيب مصطفى بدواعي اشاعته للكراهية والعنصرية وهم يفعلون نفس الشيء في الرد عليه ويبادلونه بكراهية اكبر!!
بعض الناس يعتقدون ان اضعف الايمان هو ان يشمتوا في الموتى إن كانوا من قيادات النظام البائد ليثبتوا (ثوريتهم) وليقدموا (سهمهم) في النضال من السباب والشتائم واللعنات… هذا هو كل نصيبهم من (الثورة) لم يقدموا لها اكثر من ذلك.
الثورات تبنى بالعمل والعطاء والجهد لا باللغو والتحدث عن اعراض الناس والتسابق على التجني والهجوم عليهم.
اختلفنا مع الطيب مصطفى وجادلناه وهو حي يزرق يمشي بيننا.
الآن بعد رحيل الطيب مصطفى رحمة الله عليه – سوف نشهد له بما نعلم ونحن نُسأل عن ذلك ولن يمنعنا احد ان نتحدث عن (مكارم) الطيب مصطفى و (محاسنه) وهو بين يدي المولى عز وجل حتى وان كان السواد الاعظم من الثوّار يريدون غير ذلك. نحن لا نكتب ما تطلبه (مواقع التواصل الاجتماعي) ولا نمشي تحت الحيط – قادرون ان نشهد بكلمة الحق حتى وان حسبت علينا.
الكتابات والآراء التى اخرجها الكثير من الناس للطيب مصطفى عن الانفصال والعنصرية والكراهية وشهداء المتاريس وعن الكورونا وفض الاعتصام وعن محجوب شريف والدوش كتبنا عنها وهاجمنا الطيب مصطفى وانتقدناه عليها بضراوة وهو حي يرزق، لذلك لن نتوقف عندها الآن بعد ان انتقل الطيب مصطفى للرفيق الاعلى… لن نصل هذه الدرجة من الضعف والخبث ان نحارب ونهاجم وننتقد (ميت). لا تحسبوا ان (الموت) عقاب او هو انتصار لأحد – لأننا كلنا سائرون في نفس الطريق (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ).
الموت ليس هو (نتيجة) مباراة ولا هو عرضة للتنابز والسخرية وقد قال المولى عز وجل لنبيه المصطفى صلوات الله عليه (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)، فماذا بعد ذلك؟
كفي ان تجعلوا (الموت) ملهاة للتنافس السياسي وهو امر للعظة والعبرة والإعداد ليوم الرحيل.
(2)
عندما بدأ الدكتور مزمل ابوالقاسم التجهيز لصحفيته (المجرة) صحيفة (الصدى) برؤية مختلفة وإمكانيات عالية وانفتاح كبير مع عبدالله دفع الله ، حرص الدكتور مزمل ابوالقاسم ان يتصل بنفسه من الامارات وينقل رغبته في ان اعمل معهم (كاتباً) في الصحيفة التي يمتلكها – وقتها كنت في بدايات الكتابة الرياضية – لم اكن اعرف بذلك حتى في نطاق اسرتي، اذ بدأت من الصحافة الاجتماعية والفنية والسياسية – مع ذلك كانت كل كتاباتي الرياضية وقتها هجوماً وانتقاداً للمريخ، وكان مزمل ابوالقاسم صاحب النصيب الاعلى من الهجوم والانتقاد – مع ذلك كان مزمل ابوالقاسم حريصاً ان اكتب معهم في صحيفة (الصدى) ذات الميول الحمراء الواضحة.
احترمت في مزمل ابوالقاسم هذه (الرغبة) وعملت معهم في صحيفة مصنفة على انها (مريخية) ووجدت منهم كل الدعم والسند وتعرفت من قرب على اسماعيل حسن ومأمون ابوشيبة ومعاوية دفع الله وعلي كورينا فوجدتهم نعم الناس، وقد كانت انطلاقتي الرياضية من صحيفة (الصدى) لأخرج منها وأنا احمل الكثير من الود والاحترام والتقدير للزملاء في القبيلة الحمراء دون مداهنة او رأفة بالمريخ او مزمل ابوالقاسم فالنزاع بيننا ما زال قائماً ولكن باحترام.
الباشمهندس الطيب مصطفى رئيس منبر السلام العادل – كنت امقته ولا احتمل حتى رؤية صورته في الصحف – وقد كنا (نشتمه) في الصحف ونهاجمه باستمرار ..اذكر اني كتبت مهاجماً صحيفة الطيب مصطفى وقتها (الانتباهة حمالة الحطب) ، مع ذلك عندما همّ الطيب مصطفى باصدار صحيفته (الصيحة) وجدت من يتصل بي ويخبرني عن رغبة الطيب مصطفى في الكتابة معهم في صحيفته الجديدة (الصيحة).
اذكر اني ذهبت لمقابلة الطيب مصطفى في مكتبه رغم ان كل المقربين مني رفضوا هذه الخطوة – غير اني كنت اعلم ان الطيب مصطفى سوف يصدر صحيفة (الصيحة) وهو على خلاف مع البشير ونظامه وقد كان ذلك الخلاف كافياً ليمنحنا مساحة كبيرة لمهاجمة النظام فيشفي ما بنا من شوق وقد صدرت (الصيحة) وانطلقت بقوة حتى انها اوقفت بعد اقل من (90) يوماً من صدورها بعد ان وجدنا في صفحاتها حريات لا يجدها حتى الذين يكتبون في مواقع اسفيرية من الخارج. للصيحة دور وسهم في كشف فساد النظام البائد، وقد كان لسهامها وقع مؤلم للنظام لأن سهامها تنطلق من منبر الخال الرئاسي الطيب مصطفى. جلست مع الطيب مصطفى ولم نتناقش في امر مادي – فقد كان همي وقتها اكتشاف الطيب مصطفى ومعرفة مدى قدرته على احتمالنا – وللأمانة ونحن في (الصيحة) وجدناه يسبقنا في الهجوم على النظام الذي كان يشعر نحوه بـ(مرارة) كبيرة. الطيب مصطفى فتح لنا صحيفته، ودفع ثمن ذلك غالياً وهو يرهن بيته وعربته ويشرد من صحيفته التي تم اغلاقها.
الطيب مصطفى ذهب ابعد من ذلك وطلب مني مفاوضة وترشيح كل من يمكن ان يشكل اضافة لصحيفة الصيحة وقد قمت بترشيح بعض الاسماء من الكتاب والصحفيين وأكمل الطيب مصطفى اتفاقه معهم رغم ميولهم اليسارية الواضحة.
العمل في صحيفة (الصدى) مع المريخي الصارخ مزمل ابوالقاسم الى جانب العمل في صحيفة (الصيحة) مع الاسلامي الحاد الطيب مصطفى جعلني اخرج بكثير من الدروس واعلم ان (الاختلاف) يجب ان يبنى على محبة ومودة واحترام وليس على عداوة وكراهية وبغض. خاصة اني لم اجد إلا كل دعم وعون من مزمل ابوالقاسم والطيب مصطفى رغم حدة (الاختلاف) بيننا والتي يمكن ان تصل لدرجة (السباب)، والأرشيف موجود يمكنكم الرجوع الى ما كان يحدث بيننا… لن يكلفكم ذلك غير الدخول لمحرك البحث في (غوغل).
حيث اني لم اهاجم (رياضياً) شخصاً اكثر من مهاجمتي للحبيب د. مزمل ابوالقاسم ولم اهاجم (سياسياً) احداً مثلما هاجمت الراحل الطيب مصطفى.
(3)
الطيب مصطفى عندما كان مؤمناً بالنظام ومقتنعاً به قدم ابنه (ابوبكر) شهيداً، وهذه اقصى غاية الجود، وعندما اختلف مع النظام البائد جاهر بانتقاده ووصل معهم لمرحلة ان اصبح (السلام) بينه وبين البشير ابن اخته ممنوعاً وهذا منتهى الصدق – حيث دفع الطيب مصطفى ثمن ذلك بان اخرج من صحيفة (الانتباهة) التي اسسها واجبر على ان يبيع صحيفة (الصيحة) بعد ان رهن بيته والسيارة التي يركبها، وبعد ان كان يستدين من اجل صرف مرتبات العاملين في صحيفته بسبب ايقافها ومصادرتها ونحن شهود على ذلك.
الطيب مصطفى انتقد نظام البشير حينما كان انتقاد النظام مسكوت عنه – كان لا سبيل الى ذلك والنظام في اوج مجده وقوته، وعاد ودافع عن النظام حينما اصبح الدفاع عن النظام امراً بالغ الخطورة بعد سقوط النظام وبعد انفضاض السمار من حوله.
كان الطيب مصطفى (صادقاً) في آرائه، لا يهادن عليها، مؤمناً بقناعاته وان كان فيها الكثير من الشطط… لا يبالي بالمخاطر حتى لو جعلته هدفاً لكل الناس.
الانسان لا تعرفه إلا عندما تقترب منه وتعاشره. احفظ للطيب مصطفى انني عندما كنت اكتب في صحيفة (الصيحة) تم حجب احد اعمدتي ومنع من النشر بواسطة الطيب مصطفى وإدارة التحرير لأسباب عرفت فيما بعد انها موضوعية – اذكر ان الطيب مصطفى زارني في اليوم التالي مساءً في منزلي بعد ان توقفت من الكتابة وقد اكبرت فيه ذلك لأن كل الصحف التي عملت فيها كان يمكن ان تحجب عمودي ولا تنشره دون ان توضح الاسباب فما بالك بالطيب مصطفى مع اختلاف توجهاتنا يأتي لمنزلي زائراً ليوضح الاسباب التي جعلتهم يحجبون العمود ويعتذر وقد تفهمت ذلك السبب وعدت للكتابة.
ولا انسى حينما زار الطيب مصطفى والي الخرطوم السابق عبدالرحمن الخضر مع بعض الزملاء في الصحيفة من اجل محاورته بعد احداث فساد مكتب الوالي فشكا عبدالرحمن الخضر من كتاباتي للطيب مصطفى وإحساسه برائحة الاستهداف فيها – فقال له الطيب مصطفى لن اوقفه عن ذلك، لأنك لو طالعت عدد اليوم من الصحيفة سوف تجده مهاجماً لشخصي ولمنبر السلام العادل… قال له لا امنعه من مهاجمتي في صحيفتي أأمنعه من مهاجمتك انت؟
هكذا كان الطيب مصطفى معنا – مع التأكيد على اختلافنا التام مع معظم اراء وكتابات الطيب مصطفى – غير ان عزاءنا انه كان يفعل ذلك بصدق وإيمان وشجاعة.
كثيرون كانوا مع (الانفصال) وفرحوا به – إلا ان الوحيد الذي عبر عن ذلك وأعلن عن فرحته هو الطيب مصطفى. لا تلموا احداً على شجاعته.
اللهم ارحمه واغفر له ولا تجعل (الموت) شماتة بيننا

صحيفة الانتباهة


‫2 تعليقات

  1. والانفصال كان قراراً صائباً صحيحاً وهو اهم انجاز للمؤتمر الوطني في الثلاثين عاما والطيب مصطفى كان لديه بعد نظر أكثر من مراكز البحث التي صرفت عليها ملايين الدولارات ، وليتهم فصلوا دارفور واكملوا جميلهم

    1. ومسمي نفسك وطني !!!؟

      وين الوطنية في كلامك دا .. وانت بتنادي بتقسيم الوطن !!!؟