سهير عبدالرحيم تتحدث عن الطيب مصطفى وتكتب زفرات حرى
أسوأ ما أفرزته الألوان السياسية والنعرات العنصرية والتحزب للقبيلة والمعتقد واللون والفكر ، وأكبر تشوه و أعظم مصيبة هو ما أصاب نسيجنا الإجتماعي و ثقافتنا و هويتنا وعاداتنا و تقاليدتنا .
على مر التاريخ و طوال الحقب الزمنية لم يكن أحد يجرؤ على الشماتة في الموت ، بل أنك وأنت طفل صغير لو ظهرت نواجزك أو بدا شبح إبتسامة في وجهك بمنزل عزاء كان ذلك كافياً ليتم زجرك و توبيخك ، فالمقام أن لم يكن مقام حزن فهو مقام عظة وكفى بالموت واعظاً .
يوم أمس الأول إنتابتني حالة من الذهول و أنا أتابع خيام الأفراح تنصب والزغاريد تعلو جنياً إلى جنب مع سرادق العزاء في وفاة الكاتب الصحفي و جاري في هذه الصحيفة والصفحة الأخيرة الطيب مصطفى عليه رحمة من الله و غفرانه .
ذهلت جداً رغم علمي التام أن للرجل عشرات الخصوم والكارهين و المختلفين سياسياً والذين يعزون فصل جنوبنا الحبيب إليه ، والذين يعتقدون أنه واحد من دعائم الحركة الإسلامية و أسباب بقاء النظام البائد .
نعم.. نعلم كل ذلك و أكثر ، ولكن ماحدث أن الرجل قد مات..هذا يعني أمراً واحداً فقط ، يعني نقطة سطر جديد ، يعني التعريض و المهاترة و التراشق و الشتائم قف ، يعني تصفية الحسابات و الأذى و المغالاة في الكره أيضاً قف .
الرجل بين يدي عزيز مقتدر هو وحده القادر و الرحيم و العفو والعليم و الظاهر و الباطن على أن يجعل للرجل متكئاً في الجنة أو مقعداً في النار ، هو وحده الذي بيده الحكم و الفصل والقضاء .
نحن كبشر لا نملك أمام الموت إلا أن نتعظ ، العظة و العبرة وحدها هي أكبر رسالة للموت وليس الشماتة ، و ما أغبى أن يلازمك أحساس شماتة بحدث سيمر عليك بعد عام أو شهر أو قد يمر عليك و أنت تقرأ في هذه السطور ، فتصاب بذبحة أو جلطة أو هبوط مفاجيء و حاد في الدورة الدموية ، النتيجة واحدة الموت .
قد تشعر عزيزي القاريء أن هنالك إلفة و مودة بيني والراحل الطيب مصطفى ، والحقيقة أن الرجل سبق و أن تعرض لي في أكثر من مقال بالكثير من السوء ، كما و أنه إشترط ليكتب بالصحيفة ألا أكتب أنا .
ولكني أشهد الله أني عفوت عنه ظاهراً و باطناً ولم يحدث هذا الآن و بعد موته ، كلا بل منذ عرفت ذلك تجاوزت الأمر و لم أناقشه .
الآن لا يسعنا الا أن نقول ليشمله الله بعفوه و مغفرته وليرحمه و يجعل قبره روضة من رياض الجنة ..إنا لله وإنا إليه راجعون .
خارج السور :
تذكر لاشماتة في الموت فقد يأتيك بعد ساعة.
الانتباهة
سهير عبدالرحيم
صحيفة السوداني
قمة النبل والاخلاق وتعكس البيئه الطيبه التى تربيت فيها وتسلم البطن الجابتك
لم يألف الناس في السودان الشماته في الموت قط إلا في عهد حكم الكيزان .. والراحل الطيب مصطفى هو من غلاة الكيزان .. وكان يطلق _كما يفعل الكيزان_ على من مات من خصومه السياسيين كلمة (الهالك) .. فيقول مثلاً: الهالك محمود محمد طه .. الهالك جون قرنق .
فالراحل الطيب مصطفى ومن هم على شاكلته وبذات عقليته هم من أضعفوا روح التسامح والتراحم التي كانت سائدة بين أهل السودان بمختلف أعراقهم وجهاتهم .. فأيقظوا النعرات العنصرية .. وعملوا على تأجيج العداوة وتعميق مشاعر الكراهية والبغض بتغذية روح العصبية عرقياً وجهوياً .