محمد عبد الماجد يكتب: أنس المسلمي نجم الكواليس الخفي الذي تفوق على نجوم الشاشة
(1)
ونحن أطفال كان (الموت) بالنسبة لنا شيئاً غريباً لا نسمع به إلا في كل (5) سنوات مرة – غير (الموت) هذه الايام الذي تسمع به في كل مكالمة (هاتفية) او كلما تصفحت مواقع التواصل الاجتماعي لتجد رحيل احد الاصدقاء او الاقارب او المشاهير.
رائحة الحنوط كنا عندما نشمها، تبقى في انفونا لمدة شهر كامل لغرابتها – وكان (عنقريب الجنازة) يمثل لنا (بعبعاً) مخيفاً – كنا نتحاشى الشارع الذي يوجد فيه (متوفى) او تضرب عليه خيام العزاء وننظر الى (شقيق الميت) بشيء من العطف الدهر كله.
بيوت الاموات تظل مفتوحة بالحزن ذاته لمدة عام كامل، كانت تظل بتضاريس غريبة، حيث يتواصل دخول المعزين والقادمين من الخارج للعزاء لمدة عام وهم يتوافدون يسألون عن (بيت البكاء) وحالتهم تصعب على الكافر.
عندما نشاهد مسلسلاً عربياً نتسمر في مقاعدنا اذا علمنا بوفاة احد الممثلين المشاركين في المسلسل، نظل نتابع حركاته وأنفاسه وضحكاته في العمل الدرامي وكأننا نشاهد في (شبح).
كتاب طه حسين (الايام) والذي كنا نقرأه في المرحلة المتوسطة، عشنا فيه لحظات عصيبة وطه حسين يحكي ويسرد قصة وفاة شقيقه، لنعيش معه ازمته وكأننا جزء من اسرته… عفنا (الغرف) التي كان يحكي عنها طه حسين وتوطر فينا (الحزن) حتى انعكس ذلك على صحتنا وأكلنا.
هكذا كان (الموت) امراً نادراً – لا يحدث كثيراً.
الموت الآن يحدث بكثرة غريبة ومتكررة، اذ ظللنا نفقد احباء لنا تركناهم بالأمس وهم في اتم الصحة والعافية وعلمنا برحيلهم اليوم، مما سبب لنا ذلك (صدمات) قوية، لم نعرف بعدها توازناً لحياتنا التي اضحت مقيدة بالأحزان والوجع على من فقدنا.
(2)
حقيقة الامر ان الدين والقرآن وضح هذا الامر وأكد ان الموت اقرب الينا من حبل الوريد وانه قدر لا بد منه، اذا جاء الاجل فهو لا يؤخر ساعة… ولكن نحن غافلون.
نحتاج الى ذلك اليقين والإيمان حتى نستعيد توازننا ونتعايش مع تلك الاحزان بواقعية وقبول.
في يوم الجمعة الماضي وبعد ان ادى المنتج بقناة الشروق الفضائية أنس المسلمي صلاة الجمعة وهو فرح بين اطفاله وأسرته ببشاشته المعهودة، شعر أنس بطعنة في صدره، انتقل بعدها الشاب أنس المسلمي الى الرفيق الاعلى بعد ان كان اخر ما قام به هو (صلاة الجمعة) ليرحل في هذا اليوم الكريم ويخلّف كل ذلك الحزن والوجع لأهله وكل من يعرفه.
أنس المسلمي من الشخصيات التي كانت تمتلك قدرة فائقة على التعامل مع الجميع والوصول لكل الناس – لا يعرف الازمات ولا يتوقف عند العقبات – متى ما زرت قناة الشروق سوف تجده في مدخل قناة الشروق في شارع عبدالله الطيب اما في استقبال (ضيف) او في وداعه بعد مشاركته في احدى برامج القناة.
أنس كان مؤسسة (تعارفية) ضخمة منحه الله القدرة على الوصول لكل قلوب من يتعامل معهم.
كان شعلة من النشاط والحماس والحب للآخرين، يبذل صحته وراحته ووقته وحياته لخدمة الناس. لم اشاهده يوماً غاضباً ولم اسمع صوته مرتفعاً – كان يتعامل بكل هدوء وأريحية.
كان انيقاً وكريماً متى ما قابلك حدثك عن امر يخصك، ليشاركك في همك ويقدم لك اطروحاته الجميلة.
أنس المسلمي وهو الذي يعمل خلف الكواليس تفوق على نجوم الشاشة وتقدم عليهم في البريق والنقاء والنجومية.
دائماً عندما يرحل امثال أنس المسلمي اقول في نفسي لماذا لم ندرك ذلك قبل رحيلهم؟ لماذا لم نعرف ان امثال أنس خلقوا ليعطروا هذه الحياة ويرحلوا هكذا سريعاً.
للأسف دائماً لا نكتشف معزة اولئك الناس وقيمتهم إلا بعد ان يرحلوا عن هذه الحياة ويتركونا لهذه الفراغات العريضة.
(3)
لا اعرف ماذا اكتب عن الاعلامي والصحفي عدلان يوسف الذي كان يطلق عليه لقب (الرادار) حينما كان (التلفون) الثابت اقصى درجات الاكتشافات وابعد مداها.
عدلان يوسف الذي رحل منّا في هذه الايام صنع لنفسه اسماً بعيداً عن مواد الرأي والأعمدة الصحفية – خلق اسمه وصنع شهرته من قدرته الفائقة على الحصول على (الاخبار) فقد كان عدلان يوسف (هدهد) الصحافة الرياضية الذي لا يهدأ، وكان يأتي لك بانفرادات (الاخبار) قبل ان يرتد لك بصرك، وقبل ان يحدث الخبر نفسه لشدة تعلقه به وبحثه الدائم عن سبقه الصحفي، فعلها مرة حرصاً على ان يلحق الصحيفة قبل طباعتها واتى بالخبر قبل ان يحدث حرصاً على السبق. عدلان يوسف هو من اوائل الصحفيين (المحررين) الذين كانوا اصحاب (الامتياز) اصدر صحيفة رياضية اعتماداً على نجوميته في (الاخبار) وهذا امر صعب في الصحافة الرياضية اذ تعتمد الصحف الرياضية على نجوم كتّاب الاعمدة. لا اظن ان هناك صحافياً فعلها كما فعلها عدلان يوسف وكان صاحب (الامتياز) غير (هساي) الصحفي الذي كانت وما زالت له قدرة فائقة على اكتشاف النجوم، بدأ ذلك من محمد حسين كسلا واستمر في هذا الدرب حتى الطيب عبدالرازق مدافع الهلال الحالي. كذلك كان هناك في هذا الجانب من الامتياز الراحل حسن عزالدين ومحمد احمد دسوقي. عدلان كان (مناضلاً)، دعم هذه الثورة ووقف معها حتى وهو في فراش المرض ظل مهموماً بها ويترقب انفراجاتها وعبورها وهو في اصعب اللحظات واشدها وجعاً.
(4)
أوجعني جداً رحيل الدرامي الممثل والمخرج والمرجعية الدرامية السر محجوب الذي كان اسطولاً (درامياً)، كان صومعة من المواهب وكتلة من الابداع وبحر من الثقافة لا ساحل له.
السر محجوب رائد مدرسة (التلقائية) في الدراما السودانية، ظل قادراً على صناعة (الدهشة) في كل الاعمال التي يشارك فيها. هو صاحب مدرسة تشعرك ان ما يقدمه ليس (تمثيلاً)– تنسى ذلك تماماً معه وان كنت تشاهده في خشبة مسرح مع درجة حرارة تصل لـ47 درجة.
الابداع كان السر محجوب.
(5)
في الايام الماضية رحل ايضاً الفريق المدهش عبدالرحمن سر الختم اخر (رئيس متفق عليه في الهلال) – الرئيس الذي بنى هلال 2007 وصنع اقوى نسخة للهلال في الالفية الثالثة.
ورحل الرياضي والاداري والشرطي المطبوع محمد احمد بحر احد المنارات (الشرطية) و (الرياضية) في السودان.
سوف اعود لأكتب (رياضياً) عن هذه الاسماء في مساحات اخرى بشيء من الافاضة.
اللهم ارحمهم جميعاً واغفر لهم وهم يرحلون في هذه الايام المباركة تباعاً – ويتركون لنا الاحزان تزاحمنا في الطرقات وتشاركنا في البيوت.
ولا حول ولا قوة إلّا بالله.
صحيفة الانتباهة
غريبه أن لا يكتب محمد عبدالماجد اليوم عن الكيزان والفلول والنظام البائد وهو الذى جعلهم موضوع راتب فى كل يوم يكتب فيه … لعل الداعى خير ؟!