جائحة كورونا… الحكومة غائبة والموت في كل مكان..

محمد عبد القادر
الإرادة وضعتني هذه الأيام متنقلاً ما بين مراكز عزل الكورونا بالخرطوم وأم درمان، مرافقاً لشقيقتي سارة التي افترسها كوفيد 19 قبل أيام من عيد الفطر المبارك ومازالت تتلقى العلاج.
الاستعدادات الموجودة داخل عنابر العزل الحكومية لا تتناسب إطلاقاً مع عدد الحالات التي تصل المستشفيات، كثير من المرضى يصلون المستشفى في حالة متأخرة بسبب دوامة البحث عن اكسجين وسرير.
علمت أن السعة الاستيعابية لمشافي الخرطوم مجتمعة 150 سريراً، بينما تصيب الكرونا أكثر من هذا العدد يومياً، الأمر الذي يتطلب مضاعفة الاستعدادات وإيلاء هذا المرض حظه من الاهتمام الذي يليق بخطورته وبآدمية المواطن السوداني.
مازالت الدولة بعيدة عن احتياجات وهموم المواطن خاصة في المستشفيات التي تعايش أوضاعاً صحية مزرية وكئيبة، أسوأ مكان في المستشفيات متاح لمرضى الكورونا الذين يذهبون إلى عنابر ليس بها حياة ولايمكن ان تعينك على البقاء وفي جسدك شريان ينبض في أغلب الأحوال .
كنت أظن أن الدولة قادرة على مواجهة التزامها تجاه المرضى الذين يصلون مستشفياتها في ظل ندرة العقاقير وغلائها، ولكن خاب فألي، فكل ما يلزم مريضك تأتي به من الصيدليات الخارجية، مع أن هنالك أدوية ينبغي أن يكون مكانها المستشفيات وصيدليات التأمين الصحي، ولكنها تباع للأسف و(على عينك يا تاجر) .
الأدوية والفحوصات غالية جداً، البعض يموت لأنه لا يملك حق العلاج، لاقبل لهذا الشعب المسكين بالفواتير المليونية التي يحررها الأطباء في المستشفيات..
الوضع أخطر مما يتصور كثيرون.
الكورونا هي المرض الأول الذي يصيب الناس هذه الأيام وهي ليست بعيدة بعد أن أحكمت خناقها بتلابيب الجميع حتى الذين استجابوا لشعار ( خليك في البيت).
عنابر العزل .. الداخل إليها مفقود إلا من رحم ربي… ووصل في حالة تسمح بعلاجه…البعض يصل حتى يدرك دوره في (التكفين) بالقدر الذي يسمح لمرافقيه بتشييعه إلى مرقده الأخير …
الإسعافات تفرغ هذه الأيام محتواها في مراكز العزل وتنقل الجثامين بأعداد مخيفة، والدولة تراقب مستشفيات خالية من الخدمة وتتهاون مع المشافي الخاصة التي جعلت من ( النفس الطالع ونازل) استثماراً يضخ المليارات على أصحابه، وقد وصل سعر السرير لليوم الواحد إلى 300 ألف جنيه.
(الامكانات زيرو) في مراكز العزل بالخرطوم وام درمان لايوجد شيء سوى اسطوانات الأكسجين، الفحوصات والعلاجات المليونية يتحمل فاتورتها المواطن المغلوب على أمره و الذي لا تسمح مداخيله بكل هذا الإنفاق مهما عظمت وتعددت.
الجثامين تخرج على كل راس ساعة، ساحات المستشفيات تحولت إلى مآتم، الموت هو الخيار الأرجح، سعر تكفين الموتى وصل إلى عشرين ألفاً، الدواء غالٍ جداً وغير موجود في غالب الصيدليات..
كان ينبغي على الدولة أن تعالج أي مريض (كورونا) مجاناً خاصة وأنها رفعت يدها عن كل شيء، الكوادر الصحية تعمل في ظروف سيئة..
مراكز العزل تفتقر لأبسط المقومات الآدمية بعضها لايوجد به حمامات،
الكوادر تفتقر لأدوات الوقاية والسلامة.
لا أعتقد أن مهمة الدولة تنحصر فقط في الإغلاق وايراد الإحصاءات والترحم على الموتى ..علاج الكورونا أكبر من إمكانية أي مواطن سوداني، لذا فقط اختار كثيرون الرحيل حينما عز العلاج، وضاقت بهم حيلة الحصول على المال اللازم…
حتى وإن ظفرت بسرير في عناية تابعة لوزارة الصحة فأنت بحاجة إلى ما يتراوح بين (خمسين) إلى ( مئة) ألف جنيه يومياً … أما اذا طرقت أبواب المشافي الخاصة فإن اليوم يصل إلى 300 ألف جنيه..
كان الله في عون المواطن المسكين..
محمد عبد القادر
صحيفة اليوم التالي
لا حول ولا قوة الا بالله .. نسال الله السلامة