سياسة رفع الدعم التى تبنتها حكومة السودان هي عملية جراحية ضرورية لتخليص عضد الاقتصاد السوداني من سرطان الدعم
النظام الاقتصادي المطبق في غالبية دول العالم في الوقت الحاضر هو اقتصاد مختلط بين الاقتصاد الراسمالي المعتمد على آليات السوق لتوزيع الموارد وتحديد الأسعار والاقتصاد الموجه planned economy والمعتمد على التخطيط المركزي والاجهزة الحكومية المختلفة في توظيف الموارد وتحديد الأسعار. تختلف نسبة الاختلاط بين الراسمالي والمخطط بين الدول ولكن في الغالب قد طغت نكهة الراسمالية ومبادئها على نسبة الاقتصاد المخطط.
بالنسبة لحالة السودان قد تارجح بين النظامين منذ فترة حكم نميري لكنه ظل اقتصادا مختلطا تختلف فيه نسبة الخلطة من فترة إلى أخرى.
اتسمت الفترة الأولى من حكم نميري بازدياد نسبة الاقتصاد المخطط عن نظام السوق والذي وضعت اسسه الخطة الستية او السداسية التي وضعها مجموعة من الخبراء الروس في اوائل السبعينات والتى تزامن تطبيقها مع سياسة التاميم والمصادرات. نجم عن تطبيق الخطط السياسات قطاع عام مترهل وعجز كبير في الموازنة العامة التى ارهقها دعم السلع ودعم المؤسسات العامة الخاسرة. تحول نظام نميري في أواخر السبعينات تجاه اقتصاد السوق وذلك بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. فطبق ما يعرف ببرامج الإصلاح الهيكلي structural adjustment
Program s
فقام على اثر ذلك برفع تدريجي للدعم عن بعض السلع الأساسية، لكن تطبيق هذه البرامج لم يؤدي لتحقيق أهدافه فادي في نهاية المطاف لانهيار نظام نميري. استمر الحال على ما هو عليه خلال الفترة الانتقالية وحكومات الصادق المهدي الديمقراطية حيث استمر الدعم وحدث نقص حاد في السلع الأساسية. قامت حكومة عمر البشير في بداية عهدها بتبني سياسات التحرير الاقتصادي والتى نجم عنها تخصيص كثير من مؤسسات القطاع العام نجم عن ذلك عائدات كبيرة لدعم الموزانة العامة مكنها من استعادة التوازن الاقتصادي وتحقيق الاستقرار في الأسعار وسوق النقد الأجنبي في المدى المتوسط والبعيد. لا شك أن سياسات رفع الدعم وتحرير الأسعار والخصصة قد وفرت للدولة موارد مكنتها من استعادة التوازن الاقتصادي في أواخر التسعينات. زاد في استمرارية الاستقرار الاقتصادي إنتاج وتصدير البترول في أواخر التسعينات والعشرة سنوات الاولى من الالفينات. إنتاج البترول خلال هذه الفترة قد وفر موارد للدولة ضخمة للدولة مكنها من توفير السلع الأساسية بسعر مماثل لسعر السوق الحر فاستمر الدعم دون أن تتاثر به الموازنة العامة تاثيرا كبيرا. لكن انتاج البترول قد اصاب الاقتصاد السوداني بما يعرف بالمرض الهولندي dutch disease والذي تسبب في توقف العديد الاقتصادية لا سيما القطاعات الزراعية.
انفصال الجنوب وذهاب البترول قد نجم عنه عجز في الموازنة العامة وشكل ضغط على الحكومة لتوفير الأموال الكافية لدعم السلع الأساسية. سياسة رفع الدعم التى تبنتها الحكومة الحالية هي عملية جراحية ضرورية لتخليص عضد الاقتصاد السوداني من سرطان الدعم. ستتسبب هذه العملية في معاناة كبيرة ستثقل كاهل المواطنين السودانين، لكن لا خيار غير ذلك.رفع الدعم سيخفف الضغط على الموازنة العامة للدولة وسيوفر موارد اذا تم توظيفها لتهيئة البيئة الاقتصادية ودعم القطاعات الإنتاجية سيكون لها أثر إيجابي على الاقتصاد في المدى المتوسط سنتان إلى خمس سنوات. لكن فيما أراه من توجهات اقتصادية للحكومة وانعدام للخطط المستقبلية فالامل في الانفراج الاقتصادي ضعيف.
دكتور يعقوب علي جانقي