مقالات متنوعة

يوسف السندي يكتب: انقلاب تونس

تعطيل البرلمان المنتخب من الشعب لا يمكن أن يكون له إسم آخر غير الانقلاب، مهما حاول البعض تجميل الحقيقة فما حدث في تونس هو (انقلاب).

حركة النهضة وصلت إلى البرلمان عبر الانتخابات، نتيجة الانتخابات الديمقراطية لا يمكن هزيمتها بالقرارات الفوقية، وإنما بالقرارات الدستورية او بالديمقراطية الانتخابية نفسها.

إن كان هناك من يريدون تحجيم دور حركة النهضة السياسي، فعليهم ان يستخدموا الاساليب الديمقراطية والدستورية السليمة والعمل على تحجيمها من داخل البرلمان. وهذا ما فعلته العديد من الكيانات السياسية التونسية التي عارضت حركة النهضة وحكومتها في السنوات الماضية، ولكنها فشلت عبر الوسائل البرلمانية والدستورية السليمة من إقصاء حزب النهضة ورئيسه، فلماذا لا تسلم هذه الأحزاب بقواعد اللعبة الديمقراطية؟

للحفاظ على ديمقراطية تونس كان على هذه الكيانات ان تواصل معركتها البرلمانية مع حركة النهضة، وفي نفس الوقت تنتظر مجيء الانتخابات القادمة لكي يقول الشعب كلمته في حركة النهصة، أم أنها تخاف ان يعيد الشعب انتخاب هذه الحركة؟ وماذا في ذلك، أليس الشعب هو سيد السلطة في الديمقراطية يعطيها من يشاء؟ ام انهم يريدون أن يكونوا اوصياء على الشعب نفسه!!

لا أدافع هنا عن جماعة الإسلام السياسي التونسية، وإنما أدافع عن المباديء الديمقراطية العليا التي يجب أن يحترمها جميع المنشغلين بالسياسة، والمتطلعين لبناء اوطان ديمقراطية تحكمها التعددية والتبادل السلمي للسلطة.

كانت تونس هي نقطة الضوء الوحيدة في المنطقة بعد ثورات الربيع العربي، والآن ها هي يد الغدر بالديمقراطية تمتد لاغتيال الحلم الديمقراطي التونسي.

الكثيرون لم يتعاطفوا مع الإخوان المسلمين المنتخبين ديمقراطيا في مصر بعد انقلاب السيسي عليهم، وظنوا أن السيسي سيعيد الأمر للديمقراطية مرة اخرى، ولكن ما حدث كان العكس تماما حيث غرقت مصر في شمولية جديدة، ويعض الآن كل ثوار مصر أيادي الندم على مباركتهم الإطاحة باسلامي مصر عبر الطرق غير الديمقراطية.

من الخبل ان نظن أن ما يحدث في تونس الآن هو سيناريو مختلف عن ما حدث في مصر، من الجنون ان يلدغ الديمقراطيون من الجحر مرتين.

ما حدث في تونس غير المسار السياسي للثورة التونسية وجعل الانحراف عن الديمقراطية والاقتراب من الانقلابات واقعا حقيقيا بعد أن كان مجرد افتراض بعيد.

أهم المباديء الديمقراطية على الإطلاق هي احترام نتيجة الانتخابات العامة. مهما فعل الأعضاء الذين انتخبهم الشعب بكامل حريته، لا يجب إقصائهم بطريقة غير شرعية قبل إكمال فترتهم الانتخابية، إقصائهم غير الشرعي يعني إعدام المباديء الديمقراطية، نحر حكم الشعب، وفتح الابواب على مصرعيها للدكتاتورية.

الذين يقولون ان الشعب خرج للشوارع ضدهم، فإن خروج البعض لا يعني خروج الشعب، يخرج الناس للحكام الشموليين بالملايين فهل هذا دليل على حبهم للدكتاتور؟ الطريقة الوحيدة التي تعبر بها الجماهير في العهود الديمقراطية هي اصواتها الانتخابية.

الصوت الانتخابي هو الضمانة المقدسة في الديمقراطية والتي لا ينتزعها الا صوت انتخابي مشابه في الانتخابات اللاحقة.

أمريكا حافظت على الديمقراطية في بلادها لأكثر من ٢٠٠ سنة ليس لأن الرؤساء والبرلمانات المنتخبة كانت دوما جيدة، وإنما لأنها حافظت على قدسية الصوت الانتخابي، ولم تتدخل بطرق غير شرعية لاقصاء من انتخبهم الشعب.

البعض هنا في السودان هلل وفرح لما حدث في تونس فقط لأن الذين تم اقصاءهم هم جماعة الكيزان التونسية، وهؤلاء مثيرين للشفقة، وأمثال هؤلاء ومناهجهم التفكيرية خطر داهم على الديمقراطية القادمة في السودان.

تتمثل صعوبة الدينقراطية في انها تجبرك على تحمل خيارات لا تحبها ولا تأتمنها ولكنها خيارات الشعب، فإذا تحملت ذلك فأنت ديمقراطي حتى النخاع، وإذا رفضت ذلك ولجأت إلى وسائل الاقصاء والانقلابات فأنت لا علاقة لك بالديمقراطية اطلاقا.

يوسف السندي
صحيفة التحرير

تعليق واحد

  1. يا السندي الديمقراطيه التي تتحدث عنها لابد ان تعرف ان الكيزان اقصائيون وخير مثال ما كان يحدث من انتخابات الخج التي كانت علي رؤوس الاشهاد لهم القدره علي الخج بصوره يعجز الشيطان عن استيعابها فهذا السرطان الكيزاني لا ينفع معه دستور ولا يحزنون طالما ما الشعب ثار ضدهم وبهدلوا البلد اقتصاديا وصحيا فاليذهبوا غير ماسوف عليهم.