مقالات متنوعة

لا حل بالوساطات ولا كثرة المبادرات


نصف راي

بقلم: خالد التيجاني النور
(1)
إن كانت ثمة عبرة واحدة من مسارات التفاوض المتطاولة تحت لافتات مختلفة بشأن سد النهضة، والطريق المسدود الذي انتهت إليه بعد عقد من المفاوضات غير المنتجة، فهي خطل توقع أن يسفر أي تفاوض مقبل على النمط ذاته وبالمعطيات نفسها عن اختراق ذي جدوى في هذه القضية بالغة الحيوية لمصالح الأطراف الثلاثة بأوزانها المختلفة والمتقاطعة، ولقد بلغت مساعي البحث عن وسيط قادر على حلحلة تناقض المصالح بين الأطراف المعنية منتهاها، فقد كانت الوساطة الأمريكية هي ذات الحظ الأوفر والقدرة الفعلية على إحداث اختراق، بحكم ثقل الوزن الأمريكي المعلوم، ولكن مع ذلك لم تنجح في مهمتها، وما تلاها من محاولات تحت لافتة الاتحاد الأفريقي، والذهاب مرتين إلى مجلس الأمن والعودة مرة أخرى لإحياء الدور الإفريقي العاجز بامتياز، أثبتت أنها لا تعدو أن تكون تعلقاً بسراب.
(2)
وآخر تلك المحاولات لاستدعاء دور لمجلس الأمن مرّ عليها نحو شهر دون صدور أي موقف منه من أي نوع، لا قرار ولا بيان رئاسي ولا حتى بيان صحافي، مع ملاحظة أنه في هذا الأثناء حدث الخرق الإثيوبي الثاني بالشروع في الملء الثاني دون اتفاق، وهذا الموقف السلبي للمجلس الأممي لا يحتاج لتحليل فهو يعكس بديهياً أن تناقض المصالح بين عواصم القرار الدولي في شأن علاقتها بإثيوبيا هو ما يمنع اتخاذ موقف ذي جدوى سواء للسودان الداعي لهذه الخطوة أو لمصر المؤيدة لها، يتجاوز في أحسن الأحوال الدعوة لمنصة الاتحاد الأفريقي المكتفي بالفرجة على هذه التطورات مع كل الثقة غير المستحقة الممنوحة له.
(3)
ومن المفترض أن تكون هذه المعطيات الدّالة على تأثير حجم الأوزان والمصالح التي تتحكم في هذه القضية كافية لأن تصل الحكومة السودانية إلى خلاصات منطقية فيما يتعلق بمعادلات سد النهضة، كما يحدث فعلاً على أرض الواقع وليس بناءً على حسابات افتراضية مأمولة ، وهو ما يكشف عن الحاجة الملحة لإعادة قراءة جذرية للمواقف وسياسات التفاوض السودانية ومردودها في ظل هذه الوقائع السائدة، والعمل بالتالي على رسم رؤية كلية واستراتيجية جديدة لا تقتصر على مسألة سد النهضة فحسب، وإن كانت بالطبع جزءاً منها، بل تمتد لتعريف أوسع للمصالح السودانية، وهو ما يسهم بالضروة في ضوء ذلك على معرفة محدّادتها ومهدداتها، وإعادة ترتيب العلاقات الخارجية على أساسها على المدى الاستراتيجي.
(4)
ولكن الملاحظ أنه على الرغم من هذه التطورات الكاشفة لحجم التحديات التي لا تخلو من خطورة تجابه المصالح السودانية، فإن الحكومة لا تزال تتعامل مع هذه القضية بكثير من القصور في التفكير الاستراتيجي ومواكبة التطورات الأخيرة، إذ لا تزال متمسكة بالنهج غير المنتج نفسه في مقاربة هذه القضية، ولا يعني ذلك أن هذا النهج خاطئ ابتداءً ولكنه قد يكون مناسباً للمرحلة السابقة في ظل المعطيات الموضوعية التي كانت متوفرة آنذاك، ولكن ذلك لا يعني على الإطلاق أنه يصلح لإدارة التفاوض في المرحلة المقبلة على ضوء التطورات والحجج التي أشرنا إليها آنفاً، وهو ما يجعل على الحكومة لزاماً أن تعيد النظر في مقاربة المسألة برمتها. ولذلك فإن المطلوب حقاً أن تكف عن دعوتها لتغيير منهجية التفاوض تحت لافتة الاتحاد الأفريقي وتعزيزها بوسطاء دوليين، والتي لن تغير المعادلة الراهنة، إلى القيام بمراجعة جذرية لاستراتيجية ومنهجية وسياسات التفاوض السودانية.
(5)
ويقتضي ذلك أولاً مراجعة الفرضية الأساسية التي يستند عليها منهج التفاوض السوداني الذي يقصر التعامل مع قضية السد باعتبارها مسألة فنية تتعلق بمسائل تقنية حول شروط الملء والتشغيل، ومع أهميتها بلا شك، فإنها لا تشكّل جوهر المعضلة الراهنة التي تعيق التوصل لاتفاق قانوني ملزم المرفض أثيوبياً، خاصة وأن المفاوض السوداني ظل يؤكد أن 90% من المسائل الفنية تم الاتفاق حولها منذ مفاوضات واشنطن قبل عام ونصف العام، ويرى أن الأمر يحتاج إلى “إرادة سياسية”، تُلقى هكذا دون سبر أغوار السؤال عن لماذا لا تتحقق، في الوقع هنا تكمن العقدة، فالإرادة السياسية ليست مجرد رغبة ذاتية أو تعبيراً عن توفر النية الحسنة لدى القادة، فالدول لا تتصرف مثل الأفراد، بل تأتي قراراتها تجسيداً لما يخدم مصالحها الاستراتيجية، ولذلك فإن وصف الموقف الأثيوبي بأنه مجرد تعنّت يبعد النجعة عن فهم دينامية الصراع الحالي، فالسد ليس مجرد قضية تقنية متعلقة بالتنمية، بل أعلنت صراحة عن لسان وزير خارجيتها السابق عند الملء الأولى بأنها باتت تملك الوسيلة لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة، وهو يعني بوضوح أن الأمر في حساباتها الاستراتيجية تجاوز المسال الفنية إلى قضية جيوسياسية بامتياز تستخدمها لإعادة رسم خارطة التوازنات السياسية بكل تبعاتها، ولذلك فإن أي محاولة لمواصلة التعاطي السوداني مع مسألة سد النهضة باعتبارها قضية تقنية بحتة ستجعل البلاد تدفع ثمن خطأ استراتيجي باهظ التكلفة على المصالح السودانية.
(6)
لا أدري ما الذي يضطر الحكومة للمسارعة بإعلان قبول مبادرة جديدة، للمفارقة لا يراها أصحابها كذلك، فالجزائر تريد تلعب دوراً وهي لا تزال تلتمس الطريق إليه كما أعلن ذلك صراحة وزير خارجيتها رمضان العمامرة في القاهرة، وأخشى أن تنصرف الحكومة عن واجب مراجعة سياساتها التفاوضية بالانشغال وراء وساطات ومبادرات لن تغير قواعد اللعبة الراهنة، فضلاً عن تقديم المزيد من الفرص لاستراتيجية التفاوض الإثيوبية.

خالد التيجاني
صحيفة السوداني


تعليق واحد

  1. ور ينا يا ابو الفهم الحكومه تعمل شنو ؟ ١/ ٢ / ٣ بدل الانشا دي كلها !!