حوارات ولقاءات

نبيل أديب: البنوك قامت على السرية وعدم كشف المعلومات إلا بناءً على أوامر من الأجهزة القضائية

* غياب التشريعي بسبب خلافات ‘‘قحت’’ وكذا غياب المحكمة الدستورية
* الجرائم المالية وغسل الأموال أسهمت في خرق خصوصية العلاقة بين العميل والمصارف
* عمل لجنة إزالة التمكين قانوني والشك في إنه ‘‘دستوري’’
* حريصون على أن نقدم قضية متماسكة تؤدي لإدانة الجناة في ‘‘فض الاعتصام’’

حاوره – عبدالله عبدالرحيم

‘‘لم يسلم القانون من الإخلال الذي حدث خلال الثلاثين عاماً الماضية، فقد لازمه خراب أدى إلى تعطيل أوجه العدالة بصورة كبيرة، والآن نحن بصدد معالجته من خلال العمل في إصلاح العمل القانوني والدستوري بالبلاد’’ بهذه الإفادات أشار الأستاذ نبيل أديب، رئيس اللجنة القانونية للحرية والتغيير- رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام، في حواره مع (اليوم التالي) إلى العواصف الكبيرة التي ظلت المؤسسات القانونية والدستورية تواجهها بالبلاد. وأكد أديب أن ما تقوم به لجنة إزالة التمكين قانوني ولكنه ليس دستورياً، مشيراً إلى أن الكشف عن الأرصدة والحسابات بالبنوك لعملاء المصارف يعتبر خرقاً وفق العلاقة التي ينظمها قانون المصارف بين البنك والعميل بيد أنه أشار إلى أن الجرائم المالية وغسل الأموال أسهمت بقدر كبير في حدوث هذا الخرق. هذا وغيره الكثير من الإفادات عبر هذا الحوار:-
مرور عامين على الثورة وعلى (حرية وسلام وعدالة)، هل تحقق هذا الشعار وتحديداً الضلع الثالث منه؟
العدالة تقدمت كثيراً. الآن لا يوجد تدخل في القضاء ولا توجد محاكمات مزيفة أو مرسومة ولكن أيضاً يجب أن نقر بأننا لم نقم بالإصلاحات المطلوبة.
لماذا؟
أولاً الإصلاح القانوني لم نتحرك في إجرائه، ويجب أن نتولاه عاجلاً، و نصدر من القوانين ما هو مرغوب ونلغي منها ما هو غير مرغوب فيه. يعني أبسط حاجة أن الثورة قامت على أساس المواكب السلمية ورغم هذا لا زلنا نحكم بقانون عمر البشير فيما يتعلق بهذه المواد. فيجب أن يحمي القانون المواكب السلمية ويحرسها. هناك تخلف في هذه المسألة . أيضاً أجهزة العدالة لا زالت ما عندنا محكمة دستورية.
ما المسببات التي حالت دون عملية الإصلاح القانوني ومن المسؤول؟
كلنا مخطئون، إذ كان يجب علينا أن يُبتدر منا في الحرية والتغيير أمر تكوين القانون وأن يمر بوزارة العدل ويمضى لمجلس الوزراء ولمجلس السيادة ليتحول لقانون، لكن ما أسهم في عدم حدوث ذلك هو الظلم الواقع على الناس، يجب إصلاح المؤسسات قبل أن تبدأ الجلسات والأمر الأخير عدم تكوين المجلس التشريعي أثر تأثيراً سلبياً في غياب القانون.
البعض يشير إلى أن قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري فصلوا الوثيقة الدستورية على أنفسهم و حرمت الآخرين من المشاركة؟
قوى الحرية والتغيير لم تلتزم بالوثيقة الدستورية خرقناها وعدلنا موادها. والمكون العسكري المفروض أن يكون في حماية أمن البلاد ولكن ما حصل غير ذلك وهذا هو الوضع الآن.
من المسؤول عن غياب المجلس التشريعي؟
المجلس التشريعي غيابه مسؤول منه المكون المدني، والمكون العسكري ليس له صلة بهياكل السلطة وليس له صلة بالمحكمة الدستورية ولا بالمجلس التشريعي ولا بمجلس القضاء العالي. والآن القوانين تصدر من مجلس الدفاع المشترك وأغلبية عضويته هي من مجلس الوزراء وحتى في مجلس السيادة فإن أعضاء المكون العسكري (5) فقط والأغلبية من المكون المدني وهذا يدل على أنهم السبب في غياب تشكيل التشريعي ويدل على أن كل العمل التشريعي يقوم به المدنيون .
هل قيام المجلس التشريعي ينسف وجود الحاضنة السياسية؟
ليس له علاقة بالحاضنة السياسية التي ليس من مهامها أمر التشريع، وإنما مهمتها هي العمل في اتجاه تحويل البلد للحكم الديمقراطي ولذلك سيكون هذا الأمر مستمراً سواء يوجد مجلس تشريعي أو لا يوجد . ولكن التشريعي هو من يصدر القوانين بإشراك الناس في صناعة القانون . الآن تصحو وتجد عندك قانوناً وهذا غير صحيح ويفترض أن يشارك الشعب في صياغة القوانين والتشريع يتم بقراءات ثلاث والشعب كله يعرف به ويناقشه من خلال القراءات الثلاث مناقشة وعرضاً وتعديلاً وإجازة.
هل يأخذ المجلس التشريعي من مكانة الحرية والتغيير كحاضنة سياسية؟
لا أبداً، ولكن المسألة كلها اختلاف في الأرقام فقط هذا الحزب يأخذ كذا مقعد وذاك كذا وهذا ما أدى إلى تعطيل قيام التشريعي، خلافات الحرية والتغيير الداخلية هي التي أدت لتعطيل قيام المجلس التشريعي وليس سواها.
ماذا بشأن عدم قيام الهياكل الأخرى الدستورية والنائب العام ورئيس القضاء؟
هذا عيب علينا، فغياب المحكمة الدستورية معناها أن الدستور ليس محمياً وأحكام الإعدام لا تنفذ طالما لا توجد محكمة دستورية وأيضاً المحكومون في السجن محكومون بقوانين غير دستورية فالنظام الدستوري الديموقراطي لا يمكن أن يعيش بدون رقابة قضائية على دستورية القوانين والقرارات التنفيذية.
تعطيل قيام هذه الهياكل ناتج عن الخرق الذي حدث بالوثيقة الدستورية نفسها؟
لا أعتقد أن الوثيقة الدستورية هي السبب في عدم التعيين، ولكن السبب أننا تأخرنا في عمل مجلس القضاء العالي ومجلس القضاء العالي لا يمكن أن يتكون إلا بعد أن نتفق على طريقة تكوينه ولم نتفق على ذلك حتى تمت إقالة رئيسة القضاء العالي.
رأيك في إقالة رئيسة القضاء العالي؟
طبعا خطأ كبير جداً لأن مجلس السيادة لا يملك السلطة التي تؤهله لإقالة رئيسة القضاء وهذا تغول لأن أهم حاجة استقلال القضاء وعدم استقلاله يعني إننا لن نستطيع الاستقلال أبداً.
أين وصلت الآن مساعيكم لاختيار رئيس القضاء؟
الوثيقة الدستورية تتحدث عن أن مجلس السيادة يعتمد ترشيح الرئيس الذي يقوم به مجلس القضاء العالي وبما أن المجلس لا يوجد ولا المجلس الأعلى للنيابة، فقد تم الاتفاق على أن يتم تعيين رئيس القضاء أولاً والنائب العام عن طريق الترشيح من الحرية والتغيير وكان يجب أن يتم ذلك في الفترة الانتقالية أو إلى حين تعيين الأجهزة التي ترشحهما ولم يحصل. وبالتالي قلنا يجب أن نمضي حسب السابقة الدستورية أن ترشح الحرية والتغيير ومجلس السيادة يوافق على ذلك ورشحنا رئيس القضاء وتأخر تعيينه وقلنا لابد من ان نلتقي بالمجلس السيادي ونتفاهم معه في هذا الموضوع.
الغرض من الاجتماع كان هو الاسراع في التعيين لأن هنالك فراغاً فعدم وجود رئيس القضاء يمنع تكوين باقي الأجهزة العدلية وهذا ما تم ووجدنا استجابة تامة من الذين قابلناهم. وقريبا سيتم التعيين.
عقب الجدل الكبير الذي لاحق غيابه متى يصاغ الدستور ؟
مشكلة هذا البلد أنه تكاد تكون جميع الدساتير يتم فرضها بواسطة فصيل واحد حتى الدساتير الديمقراطية فالأنظمة ما كانت تستجيب للتنوع وحقوق الاقليات والآن نحن بصدد الدخول في نظام ديمقراطي خلينا نؤكد طريقة العمل الدستوري يجب طرحه على جميع المكونات وهذا يتم عن طريق المؤتمر الدستوري .
لماذا لم ينعقد المؤتمرالدستوري ؟
قبله كان يجب أن تقوم مفوضية الدستور وهي لم تقم لذلك لم يتسن قيامه وهو من منغصات الحكومة الانتقالية الآن.
كيف تنظر للجدل الدائر بشأن عمل لجنة إزالة التمكين هل هو قانوني أم مخالف للقانون؟
هو قانوني واللجنة قائمة بموجب القانون لكن هناك شك في إنه دستوري. ويجب ان نتحدث عن أن لجنة إزالة التمكين تؤدي دوراً هاماً للثورة ولا يوجد خلاف حول هذا، ولكن الخلاف يوجد حول السبيل وأعضاء لجنة إزالة التمكين رفاق نضال وهم أناس عصيون على الفساد وهم لا مفسدين و فاسدين وهم جادون في محاربة الفساد. ونحن في الأساس لم نتسلم السلطة بموجب الشرعية القانونية ولكن تسلمناها بموجب الشرعية الدستورية ويجب علينا التقيد بالدستور وهذا ليس عيباً في الثورة، كما يشير بذلك بعض الناس، ولكن هو تأكيد على أن الثورة جاءت بشعار حرية سلام وعدالة والعدالة لا تأتي بالشرعية الثورية وإنما تأتي بالشرعية الدستورية ويجب ان نصل مع رفاقنا هؤلاء إلى كيف السبيل إلى وصول لجنة التمكين إلى المراد دون أن تكون هناك أي خروق دستروية.
كشف الأرصدة والحسابات لأشخاص والطريقة الإجرائية التي تم من خلالها هل هو قانوني؟
هذه مسألة حساسة ولا أملك معلومات وافية لكني أقول مسائل عامة، أساساً البنوك قامت على السرية وعدم كشف المعلومات إلا بناءً على أوامر من الأجهزة القضائية وهذا سببه أن الجميع يعرف أن العرض المطلوب من الأجهزة المصرفية لأجهزة عدلية وليس في الشارع العام وهذا مهم للاقتصاد لأن تجمع الأموال داخل البنوك يؤدي لتمويل المشاريع الإنتاجية وفق خطط واضحة. هناك جرائم بدأت تظهر مثل غسل الأموال وغيرها من الجرائم المالية ساعدت في أن يتم خرق خصوصية العلاقة بين العميل والمصرف، لكن هذا الخرق يجب أن يظل في حدوده القانونية بواسطة الأجهزة العدلية لآننا ما زلنا نحتاج إلى تجميع الأموال داخل المصارف والسماح لها بتمويل المشاريع وهذا يحتاج للتوازن ويجب أن يحفظ من قبل القاضي.
كشف مثل هذه المعلومات البعض يشير إلى أنها تفقد الثقة في المنظومة المالية وتبعد المستثمرين من الاستثمار في البلد؟
الفساد يجب كشفه لكن الخوف إنك تكشف علاقات بريئة لأنها تحاط بسرية أيضاً، فأصحاب رؤوس الأموال لا يريدون ان يكشفوا عن أموالهم وكيفية جمعها، لكن أيضاً هناك كشف مطلوب إزاء مرحلة الفساد وهذه المسألة يجب أن تحكمها قوانين دقيقة.
ماذا بشأن ما يدور حول العدالة الانتقالية؟
تعني بوضوح قبول الجاني والضحية التوصل لحقيقة ما تم ولإدانته والكشف عن كل الجرائم عبر الجاني والضحية يقبل بالتعويض وهذه المسألة سميت بالعدالة الانتقالية لأنها يجب أن تتم في مرحلة الانتقال من النظام الديكتاتوري إلى الديمقراطي. والمبادرة التي تجرى الآن مطلوبة.
تسليم البشير للجنائية وتأثيرات ذلك؟
العدالة الانتقالية لا تمنع ذلك فالبشير لم يحمل بندقية وقتل بها (زول) لكن الادعاء أن نظامه ارتكب هذه الجرائم بموافقته وبعلمه. وهناك كمية كبيرة جداً من الجرائم ارتكبت هناك والضحايا كثيرون والعدالة الانتقالية تشير إلى أنه لابد أن يتم هذا الإجراء.
تسليم البشير للجنائية ألا يضر بالمنظومة العدلية السودانية؟
أبداً، لأن التحويل للمحكمة الجنائية تم بواسطة مجلس الأمن وظهر أن الحكام ضالعون بواسطة تحقيق المدعي العام والنظام كان يمنع التحقيق ولم يستطع القضاء السوداني محاكمتهم والنيابة كانت ممتنعة ولا توجد تحقيقات ونحن على بعد (16) سنة والتحقيق بالنسبة لنا صعب وفي العدالة الانتقالية ما كل الناس سينفذون بالخروج من قاعات المحاكم فالذين لا يعترفون ولا يكشفون ما فعلوا والحقيقة والناكرون هم من يمشون للمحاكم.
القانون هل يحتاج لإعادة بناء أم لإصلاح ؟
يحتاج لإصلاح يرقى لإعادة البناء لأننا بعد 30 سنة من الهجوم على هذه الأجهزة لن تستمر كما هي ، فيجب إعطاؤها كمية من ترقية الأداء وهذا لا يتم بين يوم وليلة. فالأجهزة تم الإخلال بقدراتها ويجب أن يتم الإصلاح على وجه السرعة.
لكن هذا سيؤثر على إحقاق العدالة؟
التأخير متوقع ، في سنة 99 كان هناك مؤتمر في أوغندا حول العدالة في فترة الانتقال وتوقع الناس ذلك لكنهم اختاروا أن يتوجهوا للأجهزة العدلية دون تدخل سياسي .
أسر ضحايا فض الاعتصام، يعولون عليكم كثيراً في إبراز العدالة؟
نحن نعمل ما نستطيع ونحن نعتقد أن يكون أسر الضحايا أكبر معين لنا ونحن حريصون على أن نقدم قضية متماسكة تؤدي لإدانة الجناة وهذا من مصلحة العدالة ومصلحتهم أيضاً.
ولم يتبقَّ كثيراً من الوقت على إظهار النتائج؟
نعم فنحن في انتظار الدعم اللوجستي لنقدم تقريرنا.

حاوره – عبدالله عبدالرحيم
اليوم التالي