مقالات متنوعة

التهافت العلماني

حتى لا ينفلت زمام الأمر وتغرق الثورة في مطبات لم تحسب من قبل، مهم ان يتحاور الجميع حول المفاهيم الأصيلة والمفاهيم المرنة القابلة للحركة.

الحكومة الانتقالية بما فيها من مجلس سيادي ومجلس وزراء تنفيذي مفوضة تفويض تكليف وليس تفويض شرعية، وبالتالي لا يمكن السماح بتجاوز المفوض لتفويضه، وإن كان ثمة باحث عن تنفيذ أجندة خاصة به، يؤمن بها، فلينتظر الانتخابات العامة، ويقدم اجندته هذه في شكل برنامج انتخابي لجماهير الشعب السوداني، فإن فاز، أصبح مفوضا شرعا من قبل الجماهير لتنفيذ برنامجه ذاك وما على مخالفيه سوى السمع والطاعة.

المفاهيم الأصيلة التي لا يجوز أن يقتحمها المفوض الانتقالي أولها مسألة الهوية، ثانيها قضية الدين والدولة، ثالثها العلاقة مع إسرائيل. هذه القضايا الثلاث تمثل أساس أزمة الحكم والحرب في السودان، وبالتالي لا يمكن التعامل معها بطريقة احادية كما ظلت تفعل الحكومات الشمولية، ولا يمكن اختطاف المواقف تجاهها ووضع الجميع أمام الأمر الواقع.
الخلاف حول الثلاثية أعلاه عميق ولكنه ليس مستحيل، عميق لجهة أن تعدد الاعراق والثقافات والاديان يعني تعدد المنطلقات وتعدد زوايا النظر، وهذا التعدد لا يمكن توحيده الا عبر منبر جامع يضم الجميع، يناقش فيه الجميع هذه الملفات بشفافية وموضوعية ويتم إصدار دستور دائم بناءا على المخرجات، ليكون هو الحاكم والمرجع.

نعلم أن سقوط نظام الحركة الإسلامية جعل البعض يتهافت على العلمانية التي طرحتها حركة الحلو، هذا التهافت بني على فرضية كاذبة مفادها أن سقوط الحركة الإسلامية التي أقامت حكما دينيا يجب أن يعقبه مباشرة إقامة حكم لا ديني، وهي فرضية متعجلة لا تصدر الا عن ذات علمانية النخاع، لا تتحرج ان تلغي بجرة قلم تاريخ كامل من النضال السوداني من أجل إقرار الحقوق الدينية وبناء وطن مدني تتعايش فيه الأديان في ظل احتكامها إلى شرائعها.

التهافت العلماني قاد إلى توقيع اعلانيين بواسطة رئيس مجلس الوزراء ثم رئيس مجلس السيادة مع الحلو، وهي توقيعات قادة مفوضين وليس قادة شرعيين، وتمثل تجاوزا صريحا وواضحا لصلاحيات الحكم الانتقالي، وقد أعلن ذلك عدد من الجهات في بيانات واضحة على رأسهم حزب الأمة القومي، مبينين ان قضايا الدين والدولة مكانها المؤتمر الجامع/ الدستوري وليس اتفاقيات السلام الثنائية، وهذا موقف منسجم مع طبيعة بناء الدولة الديمقراطية، ان يحتكم الناس إلى الشعب لا ان يفرضوا عليه ما يرون.

كذلك الحال بالنسبة لقضايا الهوية والعلاقة مع إسرائيل، لا مكان لفرضهما بقوة السلطة، وإنما مكانهما المؤتمر الدستوري والبرلمان المنتخب، على التوالي.

حكومة الثورة تغرق في قضايا معاش الناس، تغرق في الاقتصاد وفي الخدمات العامة، يكفيها هذا الغرق، لا داعي لفتح ملفات اضخم وأعقد، قد يتساير الناس مع قضايا الاقتصاد، ولكنهم لن يتسايرو مع فرض الأجندة الذاتية بقوة السلطة في قضية مثل العلمانية كما يفعل العلمانيون، الكيزان فعلوا ذلك حين فرضوا على الشعب ما يرون هم لا ما يستفتون الشعب عليه، فكانت النتيجة انتفاضة جماهيرية عظيمة أطاحت بهم من مقعد السلطة، والعاقل من اتعظ بغيره.

صحيفة التحرير

تعليق واحد

  1. هذا الجدال العقيم المصطنع حول الدولة علمانية/دينية .. يجب أن ينته تماما بعد زوال دولة الإخوان المسلمين (الدينية) في السودان .
    كل من (يلت ويعجن) في الموضوع دا بعد الثورة له جندة خاصة أبعد ما تكون عن تحقيق المصلحة الوطنية .