مقالات متنوعة

الباز في قصر السلطة

محمد عثمان ابراهيم
تعتاش السلطة دائماً على المديح وتضيق بالرأي المساند فهو يضمر قدراً من الانتقاص من سلطتها وعلمها. السلطة لا تقبل القسمة لا بالعدل ولا بالظلم ولا بأي شكل آخر لأن السلطة لا تقبل القسمة إلا على واحد فقط وهذا لعناية من يهرفون بين الناس ترويجاً لما يسمى بالنموذج السوداني (الفريد) للشراكة بين العسكريين والمدنيين.
بهذا المعنى فإن السلطة تكره، بل تحارب بكل ما وسعتها القوة والحيلة، الرأي المخالف. السلطة السياسية على وجه الخصوص تحارب الرأي المخالف بوسائل شتى من بينها القهر، والقوانين المقيدة، والرشوة والترهيب، والترغيب، والابتزاز وهذا عين ما تفعله إزاء أي سلطة مستقلة عنها. هكذا نرى في السودان كيف تعطل السلطة التنفيذية السلطتين القضائية والتشريعية، لأنهما مستقلان عنها. في هذا المناخ فقد الشعب سلطتين أساسيتين له لمواجهة عسف السلطة التنفيذية وجهلها وجنونها ولم يبق له إلا ملاذ واحد هو السلطة الرابعة!
الصحافة فقط هي حائط السد في هذه المرحلة ودرع الحماية وقد بذلت السلطة التنفيذية كل ما في وسعها من حيلة وقوة، وما تحت يديها من موارد وأموال، ووظائف لهدمها وتطويع ما تبقى من حطامها. هكذا تغض السلطات الطرف عن التمويل المخابراتي الأجنبي لصحف مختلفة، ومنصات إلكترونية لأنها فقط مؤيدة لها، لكن جميع هذه الصحف والمنصات لم تنجح كلها في توفير منتج يجد من يقرأه ناهيك عمن يصدقه أو يتناوله بالحوار أو الجدل.
استقطبت السلطة العشرات ممن لم يحققوا نجاحاً في المهنة لصياغة حاضر ومستقبل الإعلام، وتصميم المشهد على مقاس الحاكم، لكن الحائك المتواضع لا يحسن إلا التفصيل بالقماش الرخيص، والنتيجة امامكم في الصحف ومؤسسات الإعلام الرسمية وشبه الرسمية والسرية.
*
في هذا المناخ غير المواتي أجد نفسي فخوراً بتجربة صحيفة اليوم التالي، والتزامها، واستقلاليتها، وصناعتها لمعايير الصحافة الجديدة في عهد ما بعد المصادرات. تصنع صحيفتنا هذه حضورها من اهتمامها بالتقصي والضبط والتجويد وانفتاحها على النقد (راجع تجربتها مع الدكتور محمد جلال هاشم الذي انتقدها بعيداً فنشرت انتقاداته على صفحاتها وتركت الحكم للقاري الكريم).
مع كامل التقدير لجميع الزملاء الصحفيين والكتاب فإنني وجدت في مقالات الأستاذ عادل الباز الأخيرة مجهوداً كبيراً نجح في إعادة الصحافة – ورقية وإلكترونية – إلى قصر السلطة الرابعة من جديد بعد أن ظلت سنوات مختطفة ما بين سلطة حكومة المصادرات الباطشة، وسلطة معارضة التظاهر والتهريج. تعود الصحافة سلطة كاملة غير منقوصة تعيد ترتيب المشهد الآن برمته فهي التي تقاوم فساد (لجنة التمكين) السياسي، وتكشف فساد بعض منسوبيها (أقول بعض للدقة التي يتطلبها القانون هنا) وتسرب ماء بارداً إلى شقوق الحوائط فيخرج بعض أعضاء اللجنة ممن يشاركون في فساد صنائعها ويختبئون عن الضوء خلف تهريج الفكي ومناع ووجدي.
هذه البلاد تحكم الآن بسلطة تنفيذية واحدة باطشة لكن سلطة الصحافة أقوى وهي قادرة في المرحلة الحالية على الإشارة بأصبعها إلى الفاسد فيرتجف، ويهرع إلى المؤتمرات الصحفية فيكذب، ويزيد من حجم فضيحته حتى يحين موعد الحساب حين تنشأ السلطات الأخرى.
أهلاً بالصحافة الراقية النظيفة فقد بايعناك سلطة رابعة متوجة!

صحيفة اليوم التالي

تعليق واحد

  1. كل المقال ده ضرب في لجنة التمكين .والباز التكلم عنه ده اكبر ارزقي ومازول مبادئ .سيصرخوون معناها اللجنة شغالة صاح وحتي لو فيها مفسدين هات الدليل ويتحاكموا ،زي قضية الشرطيين الفي لجنة التمكين الاتجمدت حساباتهم .