تحقيقات وتقارير

أديب: تحقيق العدالة الانتقالية يجعل أسر الضحايا يتناسون كل ماحدث لهم !!

الصادق سمل: يجب أن نقتص من الدولة بإجراء إصلاح مؤسسي للمؤسسات العدلية !!

محمد فاروق سليمان: نحن نتحدث عن مفهوم أسمى من العدالة الإجرائية!!

الصادق سمل: الرسالة الأولى للثورة هي العدالة لكل الناس !!

محمد فاروق: العدالة الانتقالية واحدة من المنقذات الرئيسية للانتقال!!

نبيل أديب: العدالة الانتقالية تأخرت في السودان وتحقيقها مهم للخروج من المستنقع الاجرامي!!

أديب: تحقيق العدالة الانتقالية يجعل أسر الضحايا يتناسون كل ماحدث لهم !!

أديب: اصلاح المؤسسات العدلية يحقق العدالة الانتقالية!!

أديب: الدولة لم ترتكب الجرائم بل أرتكبها من سيطروا على أجهزتها!!

أديب: تطبيق العدالة الانتقالية يحقق نظام ديمقراطي وإزدهار إقتصادي!!

إبراهيم أحمد تبيدي والد الشهيد أحمد: مشكلة السودان ليس قانونية بل ترجع إلى الاحزاب الفكرية والعقائدية متهماً اياها بأنها تماهت مع العسكر ، مشددا على ضرورة عزلها إجتماعيا ، ونوه إلى ضرورة الرجوع إلى جذور المشكلة والذي قال إنها سببها الاحزاب السياسية، وأصفا اياهم بالدكتاتوريين المدنيين ،

استضافت (الجريدة) في فاتحة منبرها التداولي والذي يحاكي المائدة المستديرة، استضافت أصحاب الشأن والمصلحة والخبرة في واحدة من أهم قضايا الانتقال وتحدياته، ألا وهي قضية العدالة الانتقالية، والتي تطرح في الساحة السياسية من مناظير مختلفة، وتمثل الحضور في والد الشهيد عبدالرحمن، أبونا الاستاذ الصادق سمل، أو كما يحلو للثوار تسميته، والسياسي المهندس محمد فاروق، والخبير القانوني الاستاذ المحامي نبيل أديب، وابراهيم تبيدي والد الشهيد احمد وعدد من الحضور من الصحفيين، وقد أدار المنبر، رئيس التحرير الأستاذ أشرف عبد العزيز والذي أوضح في مستهله أن الهدف الأساسي لـ(الجريدة) من هذا المنبر هو فتح نقاش جدي وثر، حول أبرز قضايا الفترة الانتقالية مع أصحاب الرؤى المختلفة، وتوثيق هذا النقاش ونشره للرأي العام، لتساهم في الحوارات التي تجري حالياً للعبور بالمرحلة الانتقالية إلى آفاق جديدة.

ويمثل هذا المنبر المتميز نوعاً من أصحاب الخبرة والرأي في قضية العدالة الانتقالية، خطوة أولى لحلقات نقاش قادمة، وقد ناقش الحضور الرؤية التي يطرحها الصادق سمل للعدالة الانتقالية، ويتفق معه إلى حد كبير المهندس محمد فاروق، الذي ابتدر العرض والنقاش وطرح الرؤية الجديدة لمسألة العدالة الانتقالية وضرورتها بالشكل الذي يتصورانه، هو والصادق سمل.

عجز أجهزة الدولة
يرى محمد فاروق أن طرح موضوع العدالة الانتقالية ابتداءً يعبر عن عجز أجهزة الدولة في تحقيق العدالة وأن عليها أن تقر بذلك، وكذلك يعبر عن عدم ثقة الناس في أجهزة العدالة وتطبيقها للقانون، ويضيف فاروق بأن ممارسة الدولة خلال الستين عاما الماضية منذ استقلال البلاد لم تكن برشد ولا رضا من الناس، ما أدى إلى انتهاكات جسيمة، ولذلك يرى فاروق بأننا في حوجة للإقرار بأن المؤسسات تحتاج إلى إصلاح وأن بها إشكال كبير، وأن هذا يعيق العدالة الانتقالية، ونوه محمد فاروق إلى ضرورة فهم أنهم لا يتحدثون عن شيء أقل من العدالة، بل يتحدثون عن شيء أسمى من العدالة، لأن العدالة الانتقالية هي تأسيس لقواعد مقبولة من الجميع، وليس عدالة جنائية بتصورها الحالي، وأن على الناس أن يفهموا أنهم يتحدثون عن ماهو اسمى من العدالة الاجرائية، ويرى فاروق بأن الذي يطرحون ليس شيئا قانونيا وإنما مشروعا مجتمعيا، وأن رافعاته وحاملاته مختلف حولها.
وينظر فاروق للثورة كعملية سياسية منذ ما بعد 11 أبريل وان ما حدث من تغييرات يشابه تلك التي حدثت سابقا في أكتوبر وأبريل، في أنها كانت عملية سلطوية محضة، ولذلك كان خطاب الصادق سمل في بداياتها مرفوضا وغير مرحب به، فالرجل كان يتحدث عن ضرورة إصلاح أجهزة الدولة وليس معنيا بالأفراد الذين ارتكبوا الجريمة بقدر ما هو معنيا بالحد من عنف الدولة وإصلاح أجهزتها.

ويستشهد محمد فاروق بالانتهاكات المستمرة والتي ما تزال تحدث في أرجاء مختلفة من البلاد، في ظل وجود سلطة مدينة، ويضيف بأن هذا الإرث إذا لم يواجه سيظل مستمرا، ولذلك تأتي الحوجة لمثل هذا المشروع الذي هو أسمى من مجرد الإجراء العدلي الذي يمكن أن يجري في المحاكم العادية.
و(تابع) فاروق: هذا النموذج الذي يتحدث عنه سمل، يقدمه الضحايا وأسرهم، فنتيجة لأحداث كثيرة حدثت خلال السنتين الماضيتين، أصبح هناك تهديدا حقيقيا للعدالة، وواحدة من مهام العدالة الانتقالية هي التأسيس للعدالة نفسها، والتي هي واحدة من المنقذات الضرورية للانتقال، ويواصل فاروق، ويضيف في (نقطة مهمة) لا توجد مجتمعات استطاعت تزييف العدالة الانتقالية، بخلاف العدالة الإجرائية التي تعتمد على عرض البينات في المحكمة، من قبل الادعاء والمحامي، وعادة ما يكون هناك ثغرات وحيل في القانون للهروب من العدالة الإجرائية.

وأكد فاروق على تقديم نموذج حقيقي لعدالة تأسيسية وانتقالية، وأنه يجب أن يكون المشروح حركة مجتمع، وتعريف السلطة كسلطة لديها مرجعية سياسية أمر صعب جدا في ظل الوضع الحالي، ويوضح فاروق بأننا الآن لا نملك منظومة سياسية لديها رؤية او منطلقات فكرية واحدة، ولا حتى مشروع سياسي واحد للحديث عن سلطة، ويرى بأن مهام الانتقال هي تأسيس للمضي نحو عملية تداول سلمي للسلطة ، وأنه حتى هذه القضايا، قضايا الحكم، بها كثير من التعقيدات ما يهدد عملية الانتقال، وكما يردد سمل كثيراً، فإن الشعب السوداني دائما (يسد فرقة) الحكومة في الظروف العادية، منذ مدارس مؤتمر الخريجين ومواجهة الكوارث من نفير وشارع الحوادث وغيرها من المجموعات التي صنعت الثورة، واردف المجتمع يجب أن يشكل السلطة في المجتمعات الديموقراطية، وأن هذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يعبر بالانتقال إذا ما فهم الجميع بأن الدولة والسلطة لا تصنع المجتمع بل العكس، وأننا أمام نموذج مختلف، وإذا لم نواجه أنفسنا بشجاعة سنعيد انتاج ما يحدث سابقا وسندور في حلقة مفرغة حتى لو حققنا القصاص، لأن ذلك لا يؤسس لمشروع دولة ومشروعية ممارسة هذه الدولة لسلطاتها.

الصادق سمل: العدالة هي الرسالة الأولى للثورة
يبتدر أبونا الصادق سمل، والد الشهيد عبدالرحمن حديثه في منبر (الجريدة) بقوله بأن هناك قضايا لا يمكن تجاوزها، خاصة ونحن في بلد نظامه العدلي به اخفاقات كبيرة جدا ويحتاج لإصلاح، ويرى الصادق سمل بأن الثورة عند قيامها نادت بالاصلاح العدلي في واحدة من أهم أهدافها، وقد كانت العدالة هي الرسالة الأولى للثورة، وخلال الثورة فقدنا دماء كثيرة بدأت في الحراك إلى فض الاعتصام، وإلى أن جاءت الحكومة المدنية لم يتوقف القتل واستشهد أناس، وما زال القتل مستمرا في السودان، سواء كان في المدن أو في مناطق الحروب المفتوحة، ويضيف سمل بأن الوضع الآن أشبه بالوضع قبل سقوط النظام، وأنه إذا عقدنا مقارنة لعدد القتلى بعد سقوط النظام وما قبله سنجد الأعداد متقاربة، ويكرر ما زال القتل مستمراً ولم يحدث الاصلاح العدلي في السودان، ويؤكد سمل بأنه إذا وضعنا قضايا الانتهاك كلها ووضعناها في النظام العدلي الحالي، نكون قد ارتكبنا جريمة في حق من ارتكبت بحقهم انتهاكات، لأن هذا النظام العدلي لا يستطيع أن يعطي حلولا لهذه المشكلات كما يقول سمل، وبالتالي يرى بأن مهمتم الأولى هي إصلاح النظام العدلي، ويضيف سمل بأن الدم السوداني مقدس، ويجب أن يوضع في مكان مقدس، قاضي نزيه ونيابات محترمة، وأنه لابد أن تكون المؤسسة على قدر قداسة الدم، ويرى أنه من الخطأ وضع القضايا أمام أنظمة فاقدة للقداسة، ومن ناحية أخرى يرى سمل بأن القانون الجنائي إذا وجد بينات وأدلة وشهود في حادثة قتل، ومضت الإجراءات بصورة صحيحة ورفعت الحصانة، سيحكم القاضي بالإدانة ويطلب من ولي الدم الاختيار بين العفو أو القصاص أو الدية، لكن سمل يقول بأنه إذا قال للقاضي: ” يا مولانا، أنا هنا حدث لي تشافي، وأخذت دم ولدي، أريد رسالة ولدي، ولدي لم يخرج في شكلة، بل يطالب بالعدالة للسودان كله، أنا أريد حق ولدي ومطلبه في العدالة” . يواصل سمل بأن القاضي سيقول له إنه بموجب القضية أنه ليس له صلة بذلك، وأن دوره يحاكم الفرد في مسؤوليته فقط، اما ما تقوله فهو ” ما شغلي” ويواصل سمل: ” إذا قلت له إنني أريد أن أرفع الخصومة لدرجة أعلى، بأن ولدي تم قتله بناء على أوامر صدرت جهة موجودة في البلد، سيقول لي أنا لست معنيا بمحاكمة المؤسسات، وسيشطب القضية، وإذا عملت غلبة، سيعتبرني ناكفت المحكمة وأدخل السجن، سيقول القاضي إنه غير معني بتغيير القوانيين في السودان، وأنت أطلع بره” .

يرى سمل بأننا إذا وضعنا قضايا الانتهاكات هذه في القانون الجنائي السوداني، ذلك يعني أننا أيضا نرتكب انتهاك، لأن القانون الجنائي معمول لمخاطبة نوع من القضايا ليس هو الانتهاكات الجسيمة ولا هي القضايا ضد الانسانية، وبالتالي سنأخذ حق أولادنا لكن لن نمنع تكرار الجرائم على الشعب السوداني كله، ستظل تتكرر وموجودة كما نرى الآن، ويؤكد سمل قائلاً: ” نحن معنيين بتكملة رسالة أولادنا” وأننا نتحدث عن اصلاح عدلي مؤسسي وهو موجود في واحدة من أهم مبادئ العدالة الانتقالية، لأنها تستهدف مجموعة من الأشياء منه الاصلاح العدلي، ويريد سمل نقل القضية لمستوى أكبر لمنع تكرار الانتهاكات، وأنه ليس الغرض من العدالة الانتقالية حماية الأنظمة والقتلة، ويقول سمل إن العدالة الانتقالية أقسى على الدولة من العدالة الجنائية، لأن العدالة الجنائية لا تلزم الدولة بالإصلاحات، لكن الانتقالية تلزمها بالاصلاح المؤسسي، لذلك لديها القدرة بأن نـأخذ حق أولادنا ونضمن الاصلاح المؤسسي.

المسؤولية الفردية للجناة
وبالرغم من رؤيته في الاصلاح العدلي، يقول سمل بأنه أيضا مع المسؤولية الفردية في محاكمة الجناة، لكنه مع إجراء إصلاحات مؤسسية في البلد، ويرى بأن العدالة الانتقالية تكفل لمن يريد العدالة الجنائية، ويرجع سمل اهتمامه بالعدالة الانتقالية في أنها غابت عن الفضاء السياسي ولم تتم بالصورة المطلوبة، ويؤكد بأنه لو تم الاصلاح العدلي في اكتوبر 1964 عندما قتل الشهيد القرشي ورفاقه، يقول بأن ابنه عبدالرحمن لم يكن ليقتل، وأنه إذا حدث إصلاح مؤسسي بعد حادثة عنبر جودة، لم يكن القرشي نفسه قد قتل، وهذه القضية يرى سمل بأنها أهملت كثيرا، قضية تحييد الدولة عن عنفها، وأن القضاء الجنائي لا يستطيع أن يفعل ذلك ولا من حدود صلاحياته.

كيف يمكن إجراء عدالة انتقالية ؟
يقول سمل بأن مفوضية العدالة الانتقالية إذا تكونت بعد شهر من سقوط الحكومة سيكون ذلك أمرا جيداً، لكن الحكومة سقطت منذ عامين، وحتى الآن لم تجر العدالة الانتقالية، ما يطرح اسئلة حول لماذا لم تتم وقتها، ويشير إلى أنه غير مقتنع بالدفوعات التي يمكن أن تطرح كأسباب لعدم قيام العدالة الانتقالية، ويرى بأن ذلك يدخل في باب عدم الرغبة والارادة السياسية، لأن النموذج هو شراكة بين العسكر والمدنيين، وبالتالي هناك حرص في ذلك الوقت، أن هؤلاء الناس الذين كانوا جزء من الانتهاكات، أصبحوا شركاء وحدث اتفاق على أن تعطل العدالة، وبعد عامين أصبح الذين تعرضوا للانتهاك فاقدين للثقة تماماً في أن تحقق الحكومة العدالة، ومن ناحية أخرى يقول سمل بأن العدالة الانتقالية عندما تأتي من خلال مفوضية ومفوض يتم اعلانه من وزير العدل ويجاز بواسطة رئيس الوزراء، وتكون الحاكمية عند المجلس التشريعي الذي لم يتشكل بعد، والطريقة التي سيتم تكوينه بها، والأحزاب التي يتشكل منها حريصة على عدم قيام إصلاح عدلي حقيقي، وبالتالي وفقا لنموذجهم ستكون العدالة الانتقالية مجرد تسوية سياسية وتنازل عن الدماء بلا قيمة، وأن التنازل عن الدماء بدون قيمة وإصلاحات يشبه إنزال عقوبة القصاص بدون إصلاحات في البناء المؤسسي، والإثنين نتيجتهم واحدة.

يرى الصادق سمل بأن العقوبة وفقا للقانون الجنائي الحالي لم تذهب إلى مدى يسهم في إصلاح سلوك القوات وعملها، وأن القانون الجنائي بلا إصلاح هو نفسه مثل العفو بلا مقابل، ولذلك يؤكد بأن العدالة الانتقالية لديها دور في إحداث تغيير في الإنسان، ويرى أننا في السودان أحوج ما نكون أن نجرى إصلاحات في الإنسان نفسه.

يتبنى الصادق سمل رؤية تهدف إلى القصاص من الدولة، ومحاكمة مؤسساتها، وليس من أفرادها فقط، ويرى بأن القاتل على مر تاريخ البلاد هي الدولة، وأننا لابد من الاقتصاص من الدولة التي تصنع القتل وتصنع القتلة، ويكون الاقتصاص من الدولة عبر إجراء إصلاحات عدلية مؤسسية، لضمان عدم تكرار الانتهاكات، وأن على الدولة أن تعترف بارتكابها لهذه الانتهاكات، وإن لم تفعل، يرى سمل بأنه علينا أن نضيق الخناق عليها حتى تعترف، وتتحول لدولة مستعدة للإصلاح بدلا من أن تقتل الناس، تصبح هي الدولة التي تحفظ حياة الناس.

لجنة وطنية مستقلة
وتتلخص رؤية العدالة الانتقالية وفقا لما يتبناه أبونا الصادق سمل ومؤيديه، بأن تتكون لجنة وطنية مستقلة عن الحكومة وحاضنتها السياسية، ومستقلة عن المؤسسة العسكرية، تقود وتلعب هذا الدور، ويضرب أمثلة ونماذج قادت فيها مثل هذه اللجان الوطنية المستقلة قضية العدالة الانتقالية والاصلاحات العدلية، ويشكك سمل كثيرا في إمكانية تحقيق عدالة انتقالية تحت تأثير وسلطة المكونات الانتقالية الحالية، وحول التوفيق القانوني، يقول سمل بأن الوثيقة الدستورية فتحت أكثر من مرة، وأن على الحكومة إن كانت جادة في تحقيق إصلاح حقيقي أن تفتحها من جديد، وتجد توفيقاً دستورياً وقانونياً للجنة الوطنية المستقلة.

نبيل أديب ..العدالة الانتقالية مهمة:
شدد رئيس لجنة فض الاعتصام د. نبيل أديب على ضرورة تحقيق العدالة الانتقالية باعتبارها مهمة ، كما قال إنها ترضي أسر الضحايا ، وقال أديب إنهم يحتاجون إلى نوعين من العدالة ، عدالة انتقالية وأخرى تقليدية ، موضحا أن العدالة الإنتقالية يحتاجها السودان لجهة أنه خرج من نظام دموي وصاحبته نزاعات أهلية لافتا إلى أنها – اي الحروب الاهلية – لم تكن في عهد النظام السابق بل كانت منذ الاستقلال حينما قامت الحرب في توريت ١٩٩٥ والتي- بحسب أديب- لم تقف على الاطلاق حتى بعد سقوط نظام البشير ، كما شدد أديب على ضرورة تحقيق العدالة التقليدية لجهة أنها تحقق معاقبة المجرمين ، وقال أديب إنه لا يجب تحقيق العدالة التقليدية من جانب وأحد بل من الجانبين (وضرب مثلاً بأن احد الأطراف قد لا يقر بجريمته امام العدالة الانتقالية المكونة من عدة أطراف) ، مشددا على ضرورة أن يعترف المجرم بإرتكابه للجرائم وزاد ، يقول ارتكبت كذا وفعلت كذا” .

ويرى أديب أن العدالة الإنتقالية ضرورية في السودان لا سيما أنه شهد حروبا أهلية ، معتبرا تحقيق العدالة يجعل أسر الضحايا ينسون كل ماجرى لهم ، متسائلا ، في حال عدم تطبيق العدالة الانتقالية هل يمكن للناس أن تعيش مع بعضها البعض ؟ مؤكدا أن تطبيق العدالة الانتقالية من شأنه أن يحقق نظام ديمقراطي وإزدهار إقتصادي ، مستشهدا في هذا الصدد ببعض الدول التي قالها إنها طبقت العدالة الانتقالية ( رواندا – جنوب أفريقيا )، موضحاً بأن البلاد تحتاج إلى معالجة النزاعات الاثنية التي صاحبت الفترة الأخيرة .

في سياق أخر ، برأ أديب الدولة من أرتكابها للجرائم ، مؤكدا أن كل الجرائم التي أرتكبت كانت تتم عبر أشخاص سيطروا على أجهزة الدولة ، مشيرا الى انهم ارتكبوا جرائم واسعة تصل حدة الجرائم ضد الانسانية ، مستدلا بالحرب في دارفور والذي وصف جرائمها بأنها ترتقي للإبادة الجماعية طالما أنها كانت تمارس ضد نوع معين وجنس محدد ، مشيرا إلى أن اي محالة لإرتكاب جريمة تصل مرحلة الابادة ، وأضاف ، الجرائم ضد الانسانية لاترتكبها المؤسسة بشكل مباشر بل افرادها ، وزاد “مثلا الجيش إذ هاجم مدنيين فهنا نتهم كل من شارك في هذا الهجوم بيد إنه لايمكن أن نتهم المؤسسة العسكرية اوالجيش ، والعقاب يطال الافراد الذين شاركوا في الجرائم وليس المؤسسة ” وأوضح أن ذات الأفراد يمكن أن يكونوا مسيطرين على أنظمة عسكرية وارتكبوا جرائم مستدلا بالرئيس المخلوع والذي قال إنه كان قائدا للجيش ، وامر الجنود بالقتل ، وأضاف ، حتى لو فقد السيطرة على الجنود يعد مرتكبا للجريمة ، واردف في إطار تحقيق العدالة الانتقالية لا توجد حصانة حتى رئيس الجمهوريه.

ويقول أديب إنه من المفيد استخدام العدالة التقليدية والانتقالية معاً ورأى أن الأخيرة تأخرت كثيرا ، مشددا على ضرورة عدم التخلي عنها حتى لو تأخرت ، واردف أن تأتي متأخرا خيراً من لا تأتي ، مشيرا إلى أن العدالة التقليدية مهمة لجهة أنه من خلالها يتم تنفيذ العقاب ، وأوضح أن العدالة الإنتقالية أبطأ من التقليدية لأن النظام السابق أنتهك الاجهزة العدلية ، وأكد أن إيجاد عدالة انتقالية يساهم في الاسراع في تحقيق العدالة التقليدية ، بجانب انها تعالج المشكلة ، مشيرا إلى أنها ضرورية للخروج من المستنقع الاجرامي ، فضلا عن أنها تجد قبول من أسر الضحايا .

وشدد أديب على ضرورة المساهمة في أصلاح المؤسسات العدلية لجهة أنها تساعد في تحقيق العدالة الانتقالية ، معتبرا أن عملية اصلاح المؤسسات العدلية ضرورية ومهمة ، واردف ، لايمكن أن تحقيق العدالة إلا بقانون عادل وإذ كان سيئاً فإن العدالة ستكون سئية ، وتابع ، الشباب الذين خرجوا في الشارع ما كانوا يبحثون عن قصاص بل كانوا يبحثون عن إصلاح قانوني . كما أعتبر أديب أن شعار السلام الذي رفع في ثورة ديسمبر جزء من العدالة الانتقالية.
من جهته اعتبر ، إبراهيم أحمد تبيدي والد الشهيد أحمد ، أن مشكلة السودان ليس قانونية بل ترجع إلى الاحزاب الفكرية والعقائدية متهماً اياها بأنها تماهت مع العسكر ، مشددا على ضرورة عزلها إجتماعيا ، ونوه إلى ضرورة الرجوع إلى جذور المشكلة والذي قال إنها سببها الاحزاب السياسية، وأصفا اياهم بالدكتاتوريين المدنيين ، وقال إنهم فشلوا في تحقيق تحالفات خارجية وحل المشكلات القومية ، مستدلا بالسد العالي والذي قال إنه تضرر منه الاهالي في حلفا ، بجانب فشلهم في تحقيق دستور دائم للبلاد ، مؤكدا أن مشاكل السودان ترجع ايضا لعدم توفر الارادة السياسية ،مشيرا إلى أن القصاص لم يكن هدفهم الاول بل الهدف هو القصاص من الانظمة السياسية الفكرية التي ضيعت البلاد وما زالت تفعل وهذا يعني قيام ثورات أخرى .

محمد فاروق مرة أخرى
وعن شرط الاصلاح السياسي كمدخل للعدالة الانتقالية، يقول المهندس محمد فاروق إن رؤية الأحزاب وتصورها للسودان كحد أعلى يجب على السودانيين الالتزام به، وأشار فاروق إلى هذه واحدة من اسباب الفساد السياسي التي أتاحت توالد القهر، وأنه لابد لنا كسودانيين أن يكون الحزب لدينا هو الحد الأدني للمشروع الوطني الذي يفترض أن نتفق عليه في تعريف حقوقنا في السودان، ويرى فاروق بأنه إذا كانت الجبهة الإسلامية القومية نظرت لمشروعها الحضاري كوجهة لكل السودانيين لابد أن يذهبوا تجاهها، وأنها تريد إنتاج السودانيين، وتنتج وتستثمر في أداة قهر لم تخلقها، بل هي موجودة في طبيعة الدولة، لأن الذين سبقوها أيضاً عملوا بنفس الطريقة، ويواصل فاروق بدلاً عن أن يكون الحد الأعلى لاحزابنا هو أسس تعايشنا وقبولنا ببعض كسودانيين اصبح الحد الاعلى هو رؤيتنا الحزبية وليست الحزبية، يجب ان يكون الحد الاعلى هو المشروع الذي يمكن في اطار خدمته أن نقدم رؤى وبرامج لصالح الوطن، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يوطن الديموقراطية في السودان، بأن لا يكون مشروعي الحزبي أدنى من المشروع الوطني السوداني، لابد أن نعيد صياغة العقل السياسي للنظر لمشروعنا الحزبي كحد أدنى من المشروع والمشتركات الوطنية، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها تفكيك العقلية السلطوية للمنظومات السياسية بأن يكون الترقي في السلطة أدنى من الحد الأدنى في مجموعة الأعضاء، ويصف فاروق الصراع داخل المنظومات السياسية بأنه أشد عنفا وإقصاءً من خارجها، وأن المؤسسات نفسها غير قادرة على خلق ديموقراطية داخلها حتى تنتجها على المستوى السوداني، ويرى محمد فاروق بأن الدولة مركبة تركيب، وخلقت نتيجة لحظة حضارية أتاحها الاستعمار، وخلقت اشكالات أكثر مما حلت، وأن الصراع البسيط تكون المجتمعات أقدر على إدارته سياسيا من إدارته في اطار مشروع الدولة، وهذا أوضح ما يكون في كسلا، وأشار إلى التداخل الاقليمي المتجاوز للحدود، وأن المجتمع أقدر على صيانة وجوده، وأن الدولة عندما تتدخل تكون واحدة من أدوات الانتهاكات، ويتحول العنف إلى المجتمعات، بدلا أن توظف حكمة المجتمع في السياسة بشكل رشيد، بالعكس تخلق شيئاً مختلفاً.

يقول فاروق إن علينا أن ننظر لمجموعاتنا السياسية في إطار تقديم الممارسة السياسية كدور تكليف أكثر منه امتياز، وطالما أننا موجودين في ظل نظام به خطأ كبير، سنكون دائما عرضة لإعادة انتاج الأخطاء نفسها ولن يكون لدينا القدرة للخروج منها، والشباب الذين خرجوا، عقلهم التأسيسي متجاوز للعقل السياسي القديم.

الخرطوم: حافظ كبير
صحيفة الجريدة