تحقيقات وتقارير

قطار الهمَّ :الخرطوم – وادي حلفا (40) ساعة من العذاب

الزمان – الاثنين. الساعة الثامنة صباحاً – المكان – محطة السكة الحديد صالة المغادرة والاستقبال.. عشرات المسافرين على القطار المتجه الى وادي حلفا يتناثرون على الارائك – وتتراكم امتعتهم بجوارهم.. الكل ينظر الى ساعته.. يترقبون وصول القطار وفي التاسعة إلاّ ربعاً تنامي الى الاسماع هدير عجلات القطار وصافرته معلناً وصوله.. المسافرون يهرولون على غير هدى نحو الدرجات الدنيا (الثانية والثالثة) والكل يريد وضع امتعته قرب مقعده بعشوائية ودون تنظيم، وبعد قليل ارتفعت اصوات المغادرين داخل القمرات يتشاجرون من أجل حجز مقاعدهم.
بالكاد استطعت الصعود الى الدرجة الثالثة وجلست على مقعد بجوار الباب. صافرة الاستعداد انطلقت في التاسعة والنصف وفي العاشرة إلا ربعاً تحرك القطار. في رحلة استغرقت (40) ساعة رصدت خلالها (الرأي العام) معاناة الركاب في القطار.

سجن متحرك
ساد الصمت بعد ضوضاء كادت تصم آذاننا واستعد كل الركاب لاخذ قسط من الراحة بعد ساعاتٍ من الانتظار جلوساً في الصالة.. وبعد مضي ساعتين من السير. والصمت.. ارتفعت همهمة المتضجرين من سخانة الجو. اذ تخلو قمرات القطار من المراوح ومع اشعة الشمس وهبوب السموم تحولت الكابينات الى غرف تغلي كالمرجل.
اعادني احدهم بذاكرته الى ايام عنفوان القطار ومتعة السفر عبره واخذ يسرد لي بأن هذه القطارات التي وأدتها مايو كانت في السابق بها خدمات تفوق (البصات السياحية) الآن في الالتزام بالمواعيد وفي التحرك والوصول وقال: والله زمان كان الشخص منا يضبط ساعته بمواعيد دخول القطار.. ولكن ما نراه الآن ليس سوى سجن متحرك.. ولولا حاجتنا وضيق ذات اليد لكنا سافرنا بالطائرة.
وعلى حد قول ذلك الشخص، فالقطار بالرغم من انه آمن – إلا انه لم يعد كما في السابق يرغبه المسافرون لرداءة خدماته وارتفاع أسعار تذاكره.. فالسنوات الاخيرة شهدت تراجعاً مريعاً في اداء السكة الحديد، حيث كثرت اعطال القطارات.. وتغيرت مواعيد التحرك.. وازدادت رداءة الخدمات. وقد حاولت هيئة السكة الحديد تحسين مستوى الاداء بخصخصة «الهيئة» وبيعها لشركة «سككيون» ولكن التغيير لم يحسن الاداء بل زاد الطين بلة وباتت الكابينات دون مراوح. وكذلك المياه غير صحية وساخنة وتوضع في (جركانات) ضخمة ومغلقة امام دورات المياه.
وبينما الحديث يدور حول خدمات القطار تدخل احد الاخوة المصريين قائلاً: ده قطر ايه يا عم دا عامل زي عربية النقل – قاطعه أحد الركاب: ما زي قطار الصعيد؟ فابتسم قائلاً لا يا عم نحن عندنا قطار فية ميه ساقعة. وتهوية جيدة وارضياتها «موكيت» وبعدين ما فيش قطر عندنا يقعد الناس فيهو على الارض، واضاف ضاحكاً: ربنا يوصلنا بالسلامة.
ومن غير العادة سار القطار كما اشتهينا فلم يصب بأي عطل حتى اعلنت الصافرة دخولنا مدينة عطبرة في السادسة والنصف مساءً.. توقفنا بها حوالي – ساعتين – وفي الساعة الثامنة تحرك القطار المظلم، حيث «تعطل مولد الكهرباء».. وطبعاً بعد صعود مزيد من المسافرين إلى القمرات لم يعد هناك موطيء قدم من الامتعة، والركاب الجالسين على مداخل الكابينة يستنشقون الهواء النقي بعد ان امتلأت رئاتهم بروائح العرق ودورات المياه، تساءلنا عن سبب انقطاع الكهرباء – المسؤولون لا يردون – والمواطنون يقولون ان هناك عطلاً في المولد.. وبدا المشهد أكثر سخونة مع سخانة الجو، حيث اختلط الحابل بالنابل والنساء بالرجال.. وتضيء مصابيح الموبايلات من حين الى آخر.. ويرتفع صراخ الجالسين على الممر كلما دُعست قدم أو بطن احد العابرين أو رأسه اذا كان نائماً.. وبعد مرور ساعة أو أقل تقريباً.. جاء الكماسرة والمتحصلون.
معاملة
كماسرة القطار يشتهرون بالحزم والمعاملة الغليظة منذ القدم وذلك ظناً منهم بأن الذي لم يقطع تذكرة فعل ذلك من ان أجل إلاَّ يدفع.. إلاّ ان معظم الذين يملكون التذاكر لا يتحصلون عليها لأمر غريب، وهو بأن نوافذ التذاكر تفتح قبل السفر بيوم وعدة ساعات.. وبالرغم من خلو المقاعد من الركاب إلاّ انهم يقولون بأن التذاكر نفدت. ويتعامل الكماسرة مع هذه الفئة بقساوة كأنهم لصوص، وقد علق الكثيرون على ذلك واشتكوا من سوء معاملة الكماسرة التي لا ترقى لمعاملة انسان – والاغرب من ذلك أن الذي يملك تذكرة يدفع غرامة (30%) من قيمة التذكرة زائداً قيمة التذكرة ولا يجدون مكاناً يجلسون فيه سوى الممرات أو مداخل الكابينات بجوار دورات المياه.
المشهد داخل القطار
مشهد الركاب داخل القطار حيث نجد الركاب يتمددون على الممرات وهذا أمر لا يمكن تقبله وكذلك آخرون يصعدون الى اسطح عربات القطار وقد يتعرضون لمخاطر جمة، وكل هذا لأنهم لا يجدون مكاناً يجلسون فيه بالرغم من انهم دفعوا الأجرة وكان لا بد للشركة المسؤولة من تخصيص قمرة للذين لا يحملون تذاكر.
الخدمات الصحية
وبما ان الرحلة عبر القطار الى وادي حلفا تستغرق (40) ساعة إذا لم يصب القطار بعطب كان لا بد من توفير وحدة اسعافية لاسعاف من يصاب بأية وعكة طارئة. وقد ايقنت ضرورة وجود وحدة طبية بعد ان كادت امرأة في العقد الثالث ان تموت لولا عناية الله لأنها لم تجد من يحقنها بعقار «أزمة الربو» التي داهمتها لسوء الطقس وارتفاع درجة الحرارة وعدم وجود مراوح تهوية داخل القطار وذرات الاتربة التي تملأ القمرات. وقد حدثني احدهم بأن هناك مواطناً مصرياً مات بسبب عدم وجود من يسعفه وهو مصاب بهبوط حاد وكذلك بأزمة «تنفس»، ومن الضروري لشركة سككيون عدم النظر الى الارباح فقط فيجب ان تولى اهتماماً بالركاب وبسلامتهم.
خدمة الطعام
تعاني خدمة الكافتيريا في القطار اهمالاً كبيراً حيث تقدم طعاماً رديئاً مقابل اسعار عالية وقد تحدث الىَّ متعهد الكافتيريا بأنهم يدفعون مبلغاً كبيراً للشركة ولذا يجب عليهم رفع قيمة الطعام، واضاف بأن العائد لا يغطي خسائرهم ولذا نحن ليس بيدنا شيء نغيره – وانتهى –
أخيراً
القطار الوسيلة الوحيدة للوصول لبعض المناطق مثل وادي حلفا ونيالا وذلك يستدعى ان تحسن خدماته وان ينظر المسؤولون في امر اسعار التذاكر.. فمن يسمع عن مستوى القطارت في دول الجوار التي يفوقها السودان من ناحية الامكانيات يتوارى خجلاً من مستوى قطارنا.. وكان يجب تأتي الخصخصة لمصلحة المواطنين وليس خصماً عليهم يا هيئة السكة الحديد بالسودان.
نبيل صالح :الراي العام

‫2 تعليقات

  1. ا لله يرحم الاكسبريس وشركاؤه على الخط
    وي
    رحم بلد الحديد والنار;(
    ;( ;( 😮 😮
    والبركه فى البترول

  2. هذه دعاية مغرضة من اعداء الله والوطن واوكامبو العميل..القطارات في السودان فل الفل.. حتي هي احسن من يوروستار والطلقة الفرنسي والياباني..الله اكبر الله اكبر سير سير يا بشير.. المويه لونها بني لانها مخلوطة بعسل…والكهرباء تقطع عشان الفواتير تكون معقولة…سودانير صارت رجوما للشياطين و الحمد لله… لكنا شعب جاحد ننكر جهود الانقاذ