السودان.. معادلة الجيش والسلطة
أكثر من 33 انقلابا عسكريا شهدها السودان منذ استقلاله في عام 1956، منها 3 أمسكت بدفة الحكم لأكثر من 52 سنة، بينما استولى على السلطة انقلاب الرائد هاشم العطا لثلاثة أيام فقط في يوليو 1971.
لم تنحصر المحاولات الانقلابية على الرتب العسكرية الرفيعة بل حتى أدنى السلم؛ ففي عام 1967 كان قائد الانقلاب الفاشل الملازم خالد الكد الذي حاصر بقواته مقر مجلس الوزراء ليتفاجأ أن المجلس انتقل إلى موقع آخر قبل أسبوع.
تعدد المحاولات الانقلابية في السودان لا يدلّل على طموحات العسكريين بقدر ما يكشف خلل العلاقة بين الجيش والسياسة، فالثابت أن الغالبية العظمى من هذه المحاولات _ما نجح منها وما فشل_ لم يكن الجيش بصفته المؤسسية صانعا لها، بل اختراقات الأحزاب وتجنيدهم لعناصر عسكرية تستولي على السلطة لتفسح المجال للحزب في حال النجاح ليتولى إدارة البلاد، ولكن التجربة أكدت أن هذه الشراكة قصيرة العمر، فغالبا ما يستخدم العسكريون الغطاء السياسي والجماهيري الذي يوفره لهم الحزب الداعم، ثم ما يلبث أن يدب الخلاف حول السلطة بين الشريكين، ودائما تنتهي السلطة إلى يد الأقوى وهم العسكريون.
حدث ذلك بعد انقلاب العقيد جعفر محمد نميري في الـ25 من مايو 1969، الذي وقف خلفه الشيوعيون، ثم ما لبث أن نحَر الحزب الشيوعي وقادته بعد خلافات مستعصية انتهت بمحاولة انقلابية مضادة فاشلة.
ثم جاء انقلاب العميد عمر البشير في الـ30 من يونيو 1989 الذي دبره الإسلاميون بقيادة حسن الترابي، وما لبث أن انقلب عليهم وأطاح بهم وألقى بقياداتهم في غياهب السجون.
وحتى الثورات الشعبية التي تنجح في اقتلاع النظم العسكرية التي تأتي من رحم هذه الانقلابات كانت دائما تعتمد على الجيش لينحاز إلى الشعب وينهي النظام القائم، كما حدث في أكتوبر 1964 الذي انحاز فيه ما يعرف بالضباط الأحرار، وفي أبريل 1985 أطاح المشير سوار الذهب بنظام الرئيس نميري، وفي أبريل 2019 قرأ بيان الإطاحة بنظام البشير الفريق أول عوض بن عوف وانتهى إلى شراكة مدنية عسكرية في الحكم وفق وثيقة دستورية وقعت في أغسطس 2019.
بعد 65 سنة من عمر السودان المستقل يتوجب ترسيم العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسياسة لحفظ التوازن الذي يمنح السودان الاستقرار السياسي المحفز للاستثمار والنهضة الاقتصادية.
وهي علاقة ينص عليها الدستور الدائم للسودان تحفظ للجيش مساهمته في صنع القرار المصيري، خاصة إذا كان الأمن القومي للبلاد يتأثر به.
ويمنع ترسيم العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسياسة دستوريا التغول على صلاحيات المؤسسات المدنية ويحفظ للجيش خصوصياته التي يجب ألّا تتأثر بتقلبات الساسة وارتباطات أحزابهم الفكرية.
في تقديري أن الدستور يجب أن ينص صراحة على تشكيل مؤسسة ارتباط بين المؤسسة العسكرية والسياسة تتمثل في ”المجلس الأعلى للدفاع والأمن“ الذي يخول للجيش صلاحيات سياسية مشروطة، مثل: إعلان حالة الطوارئ، وإعلان الحرب ووقفها، وقطع العلاقات مع الدول الأخرى وإعادتها، وإبرام الاتفاقات ذات التأثير على الأمن القومي وإلغاؤها.
ولترفيع المستوى الهيكلي للمجلس الأعلى للدفاع والأمن يمكن اعتباره هيئة مستقلة تتبع مباشرة لرئيس الجمهورية، على أن يكون منصب النائب الثاني دائما للقائد العام للجيش.
وجود المؤسسات العسكرية دستوريا في السلطة السياسية بالسودان يمنحها المشاركة في صنع القرار خاصة المرتبط بكيانها ومستقبلها، ويساعد على منع القفز للاستيلاء على السلطة تحت أي مبرر وذريعة.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز
إرم نيوز
كتب عثمان ميرغني :
(في تقديري أن الدستور يجب أن ينص صراحة على تشكيل مؤسسة ارتباط بين المؤسسة العسكرية والسياسة تتمثل في ”المجلس الأعلى للدفاع والأمن“ الذي {يخول للجيش صلاحيات سياسية مشروطة، مثل: إعلان حالة الطوارئ، وإعلان الحرب ووقفها، وقطع العلاقات مع الدول الأخرى وإعادتها، وإبرام الاتفاقات ذات التأثير على الأمن القومي وإلغاؤها.})
كلام غريب !!! ومن الغريب جدا أن يصدر من صحفي يعتبره الكثيرون في السودان صاحب آراء سديدة .
فما كتبه هنا يعطي الجيش المبرر الكافي لأن يعلن استلامه للسلطة وفقا لما يكفله له الدستور .
مقال عقلاني جدا جدا ورصين ويستحق ان يدرس بجدية ويطبق لأنه سيحغظ للجيش حقه المعنوي من فشلة السياسة الذين حين يفشلون يشتمون الجيش ومعروف للجميع بأنه لا توجد دولة الا ويمنع قانونها التعرض للجيش حفاظا علي هيبته وحفظا لامن المجتمع