مقالات متنوعة

أيوب صديق: نَـعـــــيُ العَــــدالة

أبكِ العدالةَ إذ نعــاها ثُـقــــاتُ

قومٌ لهمْ فـي سُوحــها صَوَلاتُ

نفرٌ مُحامونَ ارتضَواْ سُبلَ التُقى

ومحققونَ على تُـقى وقُضــاةُ

قالوا هناكَ وقد تَقاصرَ ظِلُهـا

بل نُكستْ في ســوحِها الـراياتُ

باتتْ ذُلولا تُمتَطى صَهـــواتُهـــا

ليســودَ أربابُ الهـوى وطُـغاةُ

وغدتْ لأربابِ السياسةِ مَـــركبــاً

تؤتى به الأغــراضُ والرَغـباتُ

ذيَّاكَ قاضٍ في السياسةِ غــارقٌ

تُصغي لبغضِ هتافهِ الساحاتُ

متوعدَ الكيزانِ (دَوساً) عـازمـاً

تعلـو بكامـنِ حِقـدِه النَبـراتُ

***

مَنْ يا تُرى الكيزانُ رُبَّ تساؤلٍ

هم عِندَهُ الإخــوانُ ولأخـــواتُ

ما الدينُ للكــيزانِ مملوكٌ وذا

قــولُ لأقوامٍ لهــم دَعـــواتُ

لتُـنَـفــرَ الدهـماءُ مــنه ويَفـتَري

كَذبَ المقالِ مِن اليسارِ غــواةُ

للنأي عــنه عـقــيدةً وشـــــريعةً

ويسودُ بالكفرِ الصُراحِ دعاةُ

وتلوذَ بالصمتِ الكئيبِ مـآذنٌ

ومساجدٌ تُلغى بهــا الصـلواتُ

وتظلُ من حِلَقِ التلاوةِ عُـــطَّلاً والفِقهُ ما انداحت بهِ الحلـقاتُ

ومراكزُ التحفيظِ يغزوها الــخَنا

واللهوُ والألحانُ والـــرَقَصــاتُ

وتُبَدَّلُ الأحــياءُ بعــدَ طهـارةٍ

وتُقامُ في أنحائها الحــاناتُ

وتفوحُ ريحُ الخمرِ من أرجائها

ويجــولُ ندمانُ بها وسُـــقاةُ

ويجوس مخذولُ الشبابِ ترنُّحاً

سَكرى وقد طاشتْ لهم خُطواتُ

ويَشقُ صمتَ الليلِ من قطعــانِهم صخبٌ دعاهُ السكرُ والصَـرَخاتُ

***

عصفتْ بنا غِــيرٌ وغُــيِّــرَ حـالُنا

وتبدلتْ مُـثُــلٌ لنا وصِـفاتُ

فإذا الفضــيلةُ والعَــفـــافُ تَخـلُّــفٌ

وكذا الرُقيُّ اللهـوُ والسـَهـراتُ

ورنينُ كاساتٍ يَضِجُّ بها الدُجَى

والسُكرُ والأخــدانُ والآهــاتُ

والخمرُ والأنسُ المحرَّمُ والخَــنا

ومخادعٌ تُقضى بها الشَهــواتُ

وإذا الحـَـــرائرُ والكِــرامُ تَوافـــهٌ

والخــيرونَ عـَــواهـــرٌ وزنــاةُ

وسواقط ٌ ينشـرنَ كـــلَ رذيلــةٍ

شُوهُ الوجـوهِ سَـوافـرٌ قــَذِراتُ

عُهْــراً يُحسِّنَ السِــفاحَ تَراضــياً

لِــيرودَه الـفــتيانُ والــفــتـياتُ

مَسخٌ على مَسخٍ خَلونَ من التقـى

وبهنَّ من قـُـبحِ الفجـورِ سِـماتُ

ولهُنَ في نشـــــــرِ الفسـادِ طـرائقٌ

ولــفـعـلِـهـن نـواقـِــــــــلٌ ورواتُ

كي يُصبحَ السودانُ محض حظيرةٍ

هوجاءَ لا تُرعى بها الحُـرُماتُ

ويُباع في سُوقِ البِغـاءِ ويُشترى

للـناسِ أولادٌ لـهــمْ وبـنـاتُ

فلكـلِ مَفســــــدةٍ هنالـك بـِـذرةٌ

ولِكلِّ إفســــادٍ هناك نــَـواةُ

وجِماعُ ما نَلقى فقــد وَصَّـــى بـه

يا صاحِ من خَلفِ البحار وُلاةُ

وهنا، وحيث الأمــرُ مـوكـولٌ بـه

خُصَّتْ قـــوانينٌ لهُ ورُعـــــاةُ

مقـتاً لشــــرعِ الله كُـــفراناً بـه

قومٌ لِـركــبِ الهالكـينَ حُــــداةُ

***

وهنالك القاضي الهَتوفُ وقـد رأى

ما الدِينُ إلا أنفـــــسٌ وذواتُ

متلمِّظاً لِيشطَ فـي أحكــامــــه

وتـؤزُّهُ الأحــقـــــادُ والـــنــَزواتُ

بالغيظِ رامِقُهم حَــفيظَ تَـوعُـــدٍ

تُنبي بكامـنِ غيظـــه النَظــراتُ

في عَــهــدِ (نِعماتٍ) أتى متوعداً

فتذكـــري الجَــــبارَ يا نعمــــاتُ

ورجْوكِ خوفَ الحَيْفِ باستبدالـــه

لتخيبَ آمالٌ لــهـمْ وشَــكاةُ

نعماتُ ويحَكِ والحوادثُ جَمةٌ

ولهـُنَ في دنيا الأنامِ عِــظـاتُ

بالأمسِ كمْ مدحوا رئاسَتكِ القَضــا

واليومَ تَحتَك للقَضـــاءِ نُعــــاةُ

لعصابةِ التمكــينِ كـــنتِ مَهينةً

وانفضَ عـنكِ الحـزمُ والسُلـطاتُ

عــبثتْ بدارك ما استطابَ لها الهـــوى

لتُرى لأحـــياءِ القُضــاة ِ رُفــــاتُ

إن المئاتِ قـد ارتضيتِ زوالَـهم لتذيبَهم في جوفِها الطُـــرُقاتُ

فتذكري الموتَ الذي رِدفُ الـورى

والموتُ إن حَمّ القَضا لحظـــاتُ

بَـل ذَكــري (حـــبرَ) الـنيابةِ أنـــه

بعدَ النيابةِ في الحـياةِ مَمــاتُ

وعذابُ قبرٍ مُوحشٍ في بلقـعٍ

والحَشـرُ بَعدُ هناك والعَـرَصـاتُ

كم زَجَّ من نفرٍ بِحالِك غـيهبٍ

والظلمُ في يومِ الجَــزا ظُـلُمـاتُ

متوعــداً زعــمـــوا بألا يَخــرجــوا

ما لم يكنْ خَـَرفٌ قَضى ووفاةُ1

ومَضى قريرَ العينِ مُجتالَ الهــوى

وعليه في جَوفِ الدُجى دَعــواتُ

تُطوَى لها الحُجُبُ الطـِــباقُ لربها

فـــــورَ الاجابةِ أم بِهـنَّ أناةُ؟

فالأمــرُ عـندَ اللهِ ليـس بمُخَـلــفٍ

وعـــداً بذلك نصَّـــتِ الآياتُ

بل ذكِّروه فربما نَســـيَ الأولــى

سبقــوه في هذا المقام و(فاتوا)

إما لزُهدٍ فيه قد بلغ المـــدى

أو حَلَ محتوُمُ القضاءِ فماتوا

***

قولوا لها وله لكـي يتذكــــرا

ذا الكونُ ما دامتْ عليه حــياةُ

لو عشتُما ما عـاش نوحٌ فاعلما

يوماً هناك الموتُ والسَـكــَـراتُ

لتلاقيا من بات واسعُ علــمِه

تُحصى به الأنفـــاسُ والخَـطـــراتُ

و(إزالةُ التمكينِ) قــد سبقتكــما

بالهولِ قــد حاقتْ بهــا القَـتـراتُ

من كـلِ مظلومٍ يغالب غُصــةً

أو كلِ من انهــلَّتْ به العَــبراتُ

للهِ يشكــــو الظُلمَ مــن أفـعـــالهـا

فتصــــيبُها اللأواءُ واللعَـــناتُ

بالأمسِ كــم باتتْ تتيهُ تَشفِّياً

أين الخلاصُ من اللظى ونجاةُ؟

في كِــلِ سانحة تُخـططُ لــلأذى

ولكـل إضـــرارٍ لــهـا خُـــطـــواتُ

ظلمتْ لأطهارِ الذيولِ أكـارمِ

في الناس ما حامت بهم شُبهـاتُ

أو نالتِ الأيامُ من أخـــــلاقِهم

ولهم على السنن المبين

ثبات

لم يُعرفوا في الناسِ إلا بالتُقـى

طُهرُ النفوسِ وللحزينِ أُســـاةُ

فبظلمها صارت تبيتُ على الطَوى

أســــرٌ تَقــومُ بأمــرِها الصــدقاتُ

نَهبت بكفِ الظُلمِ كَســـبَ مَعيلهـا

من كلِ مَن شهـدتْ بهِ السـنواتُ

حتى الصحابةُ ما نجواْ مـن ظلمها

والتابعون خصـومُها وعُـــــداةُ2

فغداً يُرى في الناسِ كُلُ محمدٍ

كـــيداً تُلاحِــقُ اسمَه التُهُـماتُ

وبِشتْمِ دِينِ اللهِ يُـكـرمُ فاسقٌ

وتُصَــاغُ في أمجــادِه الكلمـاتُ

ويُزجُ قومٌ في السجونِ لأنهم

للحاكمينَ موحــِدونَ تقــاةُ

لم يَعرفِ الانصافَ قـطُّ رجالُها

وهمُ الحُفاةُ من التُقــى وعُـــراةُ3

ركبوا متونَ الحَـيْفِ نَهبَ سَخائمٍ

للحـقِ والســَننِ المبـينِ جُـفـاةُ

***

زعموا غدا (البرهانُ) حاميها وقد

طابتْ لها بخصــومِها النَكــباتُ

وإليه من ظُلموا اشتكوْا من ظلمها

وتبددتْ في ســمْعِهِ الشكواتُ

و بظلمِها حـلَّتْ بســوءِ فِعالها

في كلِ حَـيٍ فُــرقةٌ وشَــتاتُ

لم تخش رباً لا يحلُ به الكـــــرى

أو منه لو طال المدى إفـلاتُ

و غداً إذا نُشــر الكتابُ مفصِـلاً

وبربها تُستَـنطَـقُ الصفـحاتُ

وجهــــنمٌ برزت هناك وسُــعِرتْ وتهبُ مــن تلقائـــها اللفـحــاتُ

والله ما (البرهانُ) نافعُها ونافعُ نفســــــــــه

أو تنفعُ الاعـذارُ والحَـسَراتُ

لن يأتيَ (الجمعُ الظلومُ) مـدافعاً عنها ومن ذاك العذاب حماة4

————————-

معاني الكلمات:

1ـــ إشارةٌ إلى ما زعموا أنه قال: (إنهم لن يخرجوا من السِجنِ إلا بموتٍ أو بخرف).

2ــ إشارة إلى اعتزام لجنة إزالة التمكين، حذف أسماء الصحابة والتابعين، المُسمى بها مدارسُ المجلس الإفريقي للتعليم الخاص منذ سنوات، عقب مصادرتها.

3ــ إشارة إلى إقرار رئيسها الفريق ياسر العطا بوجود حالات تشفٍّ وانتقامٍ في عملها، مما دعاه إلى الاستقالة منها.

4ــ إشارة إلى ذلك الجمع الذي ينبري للدفاع كلما وجهت إليها سهام النقد.

صحيفة الانتباهة

تعليق واحد

  1. جزاك الله خيراً يا استاذ أيوب صديق ذاك الإذاعي الألمعي والأديب الأريب.
    صراحة قصيدة جميلة ومعبرة وبها كثير من العظات والعِبَر نسأل الله أن يجزل لك الثواب على هذه الكلمات الجريئة الجميلة وانتقادك ونعيك للعدالة الغائبة في السودان، نسأل الله أن يقويك وإيانا على قول الحق وأن يوفقك لكل خير ومكرمة ودمت أيها الغيور على دينه والنصوح لأمته والمناصر للحق في كل الأوقات والأحوال.