تحقيقات وتقارير

مليونية 19 ديسمبر .. عبور جسور الخرطوم المغلقة وصولاً إلى القصر الجمهوري بارادة الشعب!!


أصدرت السلطات في ساعة متأخرة من ليلة أمس قرارها باغلاق جسور الخرطوم عدا جسري (الحلفايا – سوبا شرق) ، فيما توعد ثوار أمدرمان بعبور جسر النيل الأبيض مهما كلفهم ذلك من تكاليف وتضحيات جسام ، واستعداداً لهذه الملحمة حمل ثوار أكفانهم في أيديهم في رحلة وصولهم إلى القصر الرئاسي في تطبيق حرفي لشعار: “يا أنت يا وطنك، جهز عديل كفنك”.

ومنذ ساعات الصباح الأولى، أغلقت قوات الجيش والشرطة الجسور الرئيسية التي تربط وسط الخرطوم بأم درمان وبحري لمنع المتظاهرين من الوصول الى مقر القيادة العامة للجيش والقصر الجمهوري ، ووضعت كتلاً اسمنتية على الجسور كما تمركزت بجانب الجسور سيارات نصبت على بعضها مدافع رشاشة، وبجانبها جنود مسلحون.
واغلق الجيش كل الطرق المحيطة بمقر قيادته بسيارات مسلحة واسلاك شائكة وحواجز أسمنتية. واغلق شارع المطار، بسيارات عسكرية مسلحة.

هدوء وعاصفة
بدت الخرطوم هادئة صباح اليوم وتكاد تكون خالية من المارة عدا بعد السيارات الخاصة والمركبات العامة ، وما أن اقترب (فريق الجريدة) من (صينية) بانت بأمدرمان حتى وبدأ الانتشار الكثيف للعسكر بادي للعيان وكذلك الاسلاك الشائكة التي أحاطوا بها المكان وأغلقوا بها الطريق المؤدي الى جسر النيل الابيض والى جسر (الفتيحاب) ، وبالرغم من إلحاح أحد المواطنين واصراره على العبور لأنه يحمل مريضاً يحتاج للإسعاف بمستشفى الخرطوم إلا أن ردود أفراد القوة المتمركزة كانت قاسية تجدد الرفض دون رأفة لتحذره من التقدم، وهذا كان الحال معنا كصحفيين منعنا أيضاً من العبور ، فقررنا العبور الى الخرطوم عبر جسر الحلفايا مروراً بجسر سوبا شرق ، وطوال هذه الرحلة الطويلة التي بدت منذ الثامنة صباحاً وحتى الحادية عشر ظهراً لم نر أي بوادر للمواكب ، وما أن وصلنا شارع (الستين) حتى وعلت أبواق السيارات واصطف المارة في الطريق يرددون (حرية ، سلام ، عدالة) ، وكان هذا هو الموكب الأول الذي نراه ، وكلنا يترقب ويتابع عبر هاتفه الجوال انطلاقة الصافرة .

موكب (الجزيرة – جبره – الصحافة – الديم – شروني)
في شارع السيد عبدالرحمن 4 (شابات) يحملن حقائب صغيرة على ظهورهن ويرتدين الكمامات بادر بسؤالهن إلا أين ذاهبات ؟ أجبن على الفور أنهن في طريقهن الى موقف (شروني) نقطة التجمع ، وعلى ذات النحو تجمع الصحفيون بالقرب من المركز الثقافي البريطاني وتوجهوا صوب شروني .
أول المواكب التي تحركت نحو القصر هو موكب الديم – الصحافات – جبرا – الشجرة والحماداب – لتلتحم مع موكب قادم من ولاية الجزيرة في محطة الغالي بالديم ، فيما تقدمت مواكب الخرطوم 2 والخرطوم 3 نحو شروني ، وفي الاثناء تحرك موكب جاكسون نحو القصر وكذلك موكب شروني ، لتبدأ ملحمة الصمود في شارع القصر وبقدر ما كان دخان قنابل الغاز المسيل للدموع كثيفاً كانت أيضاً السيول البشرية تتقاطر من كل حدب وصوب غير آبهة بما يحدث بالرغم من أن (البمبان) أصاب ثوار في الرأس فضلاً عن وقوع اختناقات في صفوف المتظاهرين.

العبور بارادة الشعب
وفي المقابل وفيما كانت الجماهير الهادرة تزحف نحو القصر مرددة (الشارع للمكنات والعسكر للثكنات) وغيرها من الهتافات الرافضة لانقلاب الـ(25) من إكتوبر ، كان ثوار أمدرمان يحاصرون القوات الامنية بموكبهم السلمي في جسر النيل الأبيض وفاءً لما قطعوه من وعد للشعب السوداني بأن العبور قادم لامحالة ، في الوقت الذي التحم فيه موكب شمال كردفان بموكب أمبده ليتوجها نحو ذات الجسر ، وتحت الضغوط استجاب القوات وأجهش أحد أفرادها بالبكاء ومنهم من لوح باشارة النصر ليعبر الثوار جسر النيل الابيض متوجهين نحو القصر لتدور ملحمة صمود أخرى بينهم والشرطة التي اطلقت عليهم الغاز مرتكزة في موقع يتاخم (فندق كورنثيا) ، وفي الاثناء كانت عبوات (البمبان) تتساقط على الثوار القادمين من بحري في جسر المك نمر ولكنهم يتقدمون بعزيمة واصرار كبيرين ليتجاوزا الطوق الامني ويلامسون جدران وزارة الخارجية ، ليكتسح موكب بري كل من يقف أمامه ويدعم الموكب المتوجه نحو القصر لينفتح بعدها الطريق أمام موكب شرق النيل ليعبر كبري المنشية، فيما تمكن موكبا الحاج يوسف وبحري من عبور كبري النيل الأزرق ، ويتواصل المد الجماهيري والتلاحم الشعبي والزحف الثوري وصولاً إلى القصر الجمهوري ، ليعتلي الثوار النصب التذكاري للشهداء (الجندي المجهول) أمام بوابة القصر الجمهوري معلنين وصولهم وبلوغ تظاهراتهم مداها ، ومن المشاهد اللافتة التي تبدت لنا هي أن أحد الثوار حمل في كتفه (مرتبة) إيذاناً بأن ساعة الخلاص قد دنت وأن الثوار سيعتصمون في القصر الى حين تحقيق هدفهم المنشود (حكومة مدنية كاملة الدسم).

وشارك في الاجتحاجات ثوار من مناطق في ولاية الجزيرة وشمال كردفان، وصلوا إلى العاصمة الخرطوم سيرًا على الأقدام ليلة السبت ونجح متظاهرين في الوصول إلى مقر الحكومات المحلية في ولايات البحر الأحمر والجزيرة وشمال كردفان، وسط دعوات بإقامة اعتصامات تتزامن مع اعتصام القصر الرئاسي.

أسوار القصر
وفي أسوار القصر أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع بصورة كثيفة على الحشود غير المسبوقة ومن ثم تراجعت الشرطة، فأقام الثوار حاجزاً بينهم والشرطة غرب حدائق القصر بالقرب من وزارة المالية ،وواصلت الشرطة اطلاق قنابل الغاز مرة أخرى على المتظاهرين الذين استطاعوا الوصول إلى داخل حرم القصر ، وأقاموا حائطاً بشرياً لمنع الاحتكاك مع قوات الحرس الجمهوري ، وخاطب الثوار ضباط وجنود القوات المسلحة الذي يتواجدون بالقصر بهتاف (الجيش ما جيش البرهان الجيش جيش السودان) ، وكذلك أقام عدد المتظاهرين مخاطبات جماهيرية استخدمت فيها مكبرات الصوت، وقالوا إن مطالبهم تتمثل في الحكم المدني الكامل وابعاد (البرهان ، حميدتي) من قيادة الفترة الانتقالية، وأن يعود الجيش إلى ثكناته حاميا وحارسا للفترة الانتقالية ، ومن خلال الاستطلاعات التي أجرتها (الجريدة) اكد عدد من المتظاهرين بأن لجان المقاومة تمثلهم وسيعملون تحت قيادتها حتى تحقيق اهداف الثورة ووجهوا نقدا لقوى الحرية والتغيير لقبولها للشراكة مع العسكر وعدم تحقيقها للعدالة والقصاص للشهداء.

مدني والفاشر ونيالا والقضارف
خرج الالاف من المتظاهرين في مدينة ودمدني حاضرة ولاية في ذكرى التاسع عشر من ديسمبر من نقطة الانطلاقة الرئيسية جنوب الموقف العام بالقرب من صيدلية الخير ، وانطلق الموكب في تمام الواحدة وعشرة دقائق ظهرا بشارع المستشفى مروراً بشارع الدكاترة ثم اتجه شمالا بشارع الجمهورية الى شارع النيل بودمدني حيث كان الموكب متوجها غربا ناحية محلية مدني الكبرى الا ان الاجهزة النظامية حالت دون ذلك ليتجه شرقا ناحية مباني حكومة ولاية الجزيرة
واطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين باحياء المدنيين والقسم الاول بودمدني امس ، واستمر اطلاق الغاز المسيل للدموع حتى المساء وشهدت الاحياء حالة كر وفر بين المتظاهرين والقوات النظامية.
وشهدت مدينة ودمدني امس حالة من الترقب والانتظار لم تشهدها المدينة من قبل تحسبا لاي تفلتات قد تحدث، وشهدت قبيل انطلاقة مواكب ذكرى ديسمبر انتشار واسع للاجهزة النظامية في اجزاء واسعة ، وبالمقابل بدأت جموع المتظاهرين فى التجمع امام برج العمال بودمدني حيث اكتظ المكان بالثوار يتقدمهم تجمع المهنيين ولجنة المعلمين وقوى ودمدني الثورية الحية ، وظلت الجموع تردد شعارات الثورة الرافضة لحكم العسكر والانقلابيين.

وحمل المشاركون في الموكب لافتات ثورية تؤكد على الرفض القاطع لاي شراكة او تفاوض مع العسكر ، بجانب الانتشار الواسع لعلم السودان رمزية البلاد حيث حملت جموع المتظاهرين علم السودان الذي غطى عرض الطريق الاسفلت طيلة مرور الموكب ، وكان من ابرز الشعارات التى اطلقها الثوار ( ام الشهيد امي ودم الشهيد دمي- الشعب اقوى اقوى والردة مستحيلة – حرية سلام وعدالة مدنية خيار الشعب – الشعب يريد اسقاط البرهان – دارفور بتنزف دم وينو السلام وينو).

واعلن ثوار ودمدني امس عن رفضهم لاى شراكة مع العسكر واكدوا على استمرار هدير الثورة للوصول لمدينة كاملة الدسم حيث أكد شارع الدكاترة الذى امتلأ عن بكرة ابيه بثوار المدينة تلاحقهم دعوات مرافقي المرضى وسط دوي هادر(حرية سلام وعدالة مدنية خيار الشعب).
ونفذ الثوار احتفالية امام مباني حكومة ولاية الجزيرة بشارع النيل بودمدني استخدموا فيها مكبرات الصوت وابواق السيارات استمرت حتى المساء حيث اغلقت السلطات المنطقة ما بين قصر الثقافة شرقا حتى مبنى امانة الحكومة غربا .
وشهدت احياء القسم الاول والمدنيين اطلاق كثيف للغاز المسيل للدموع من قبل قوات الشرطة لتفريق المتظاهرين الذين ظلوا فى حالة كر وفر حتى مساء الامس .

قمع متواصل
وفي تطور لافت قامت القوات المتواجدة شرق جامعة الخرطوم بالاعتداء على المواطنين ، وقال شاهد عيان لـ(الجريدة) أن القوات المشتركة اعترضت بعض الثوار والمواطنين وهم في طريقهم الى منازلهم بضواحي شرق الخرطوم وكشف شاهد العيان أن القوات قامت بانزال المواطنين من سياراتهم وأمطرتهم بوابل من السياط وكذلك الراجلين ، وسمحت فقط لمن يوجد لوحده بالعربة بالمرور دون ضرب.

الدهس بالتاتشرات
بينما كانت دعوات الاعتصام تتداول بين الثوار أمام القصر الجمهوري إذا بهم يتفاجأون بأن هناك عربات مدججة بالسلاح والجنود (تاتشرات) تبدأ في اقتحامهم وتحاول دهسهم ممارسة قمع وحشي لتطلق قوات (أبوطيرة) في ذات الوقت قنابل الغاز ، وتتم ملاحقة الثوار في الشوارع الجانبية ويعتقل عدد من الثوار.
رصد أولي للاصابات
وبحسب لجنة الاطباء لا تزال اللجنة تقوم بعمليات الرصد لتصدر بياناً بعد اكتمالها.

بيان حزب الأمة
وفي السياق ذاته قال حزب الأمة إن الجموع الغفيرة التي خرجت في 19 ديسمبر من كل ربوع الوطن الحبيب تؤكد بجلاء أن الديمقراطية عائدة وراجحة حتماً، وأن عهد الديكتاتورية والانقلابات قد ولى الي غير رجعة وحيا بسألة الثائرات والثوار وجدد إعجابه بالصمود والاقدام ويأكد أن مسيرة التحرر الوطني بالغة أمرها ولو بعد حين ، وناشد الحزب الشرفاء من أبناء القوات المسلحة والأجهزة الأخرى بأن يعملوا على حماية الجماهير المحشدة الآن أمام القصر الجمهور وفي كافة مدن السودان المختلفة، كما ناشد المكون العسكري بأن يستجيب لتطلعات الشعب المشروعة بتسليم السلطة المدنية للشعب وإعادة المسار الانتقالي الديمقراطي ، وكشف الحزب ان قيادته كلفت غرفة لمتابعة الموقف من كل قياداته للتواصل مع كافة قوى الثورة والتغيير للتعامل من الراهن بصورة تحقق تطلعات الشعب السوداني في إسترداد حقوقه المغتصبة وتحقق الأمن والإستقرار بصورة آمنة.

الحزب الشيوعي
عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كمال كرار قال لـ(الجريدة) إن موكب اليوم بعث رسالة قوية للانقلابيين بأنه لا تراجع عن الأهداف حتى الانتصار، ورسالة أيضاً للقوى السياسية بأن الشارع قال كلمته ويستطيع أن يحدث التغيير، ورسالة أبلغ للقوى السياسية التي تحالفت مع الانقلابيين بأنهم غير مرحب بهم ، ويضيف كرار بأن الحزب الشيوعي إستبق كل القوى السياسية في تشخيصه للأزمة، ووصف ما يجري منذ وقت طويل بأنه انحراف عن مسار التحول الديمقراطي، وناشد القوى السياسية بأن تتوحد وتنفذ ما يقرره الشارع الثوري…!!

المؤتمر السوداني
رئيس القطاع القانوني بحزب المؤتمر السوداني كمال الأمين قال لـ(الجريدة) إن الثورة أبلغت رسالتها وأهدافها النضالية عبر المواكب ، وأن وصول المواكب الى القصر يعد انتصاراً كبيراً، ورسالة قوية للعسكر والقوى السياسية ، وأضاف نحن في حزب المؤتمر السوداني حددنا موقفنا بوضوح وعبرنا عنه بأنه لا شراكة ولا تفاوض، وعلى القوى السياسية ان تتوحد ولا تختلف مرة أخرى، وعن رؤيتنا السياسية لادارة المرحلة القادمة فهي تتطابق مع إعلان الحرية والتغيير الأخير ، والذي حدد موقفها بوضوح من الإنقلاب !!

انتصار كبير
القيادية بالقوى المدنية ميرفت حمد النيل أكدت لـ(الجريدة) أن الشعب الثوري ولجان المقاومة لن يتراجعان أو يتزحزحان ، وما حدث اليوم في موكب الذكرى الثالثة لثورة ديسمبر، وما قبله من مواكب يعتبر انتصاراً كبيراً يشبه ثورة الشعب السوداني ، ونهديه لأرواح الشهداء التي صعدت طاهرة ونقية، وأكدت ميرفت بأن هذا الحراك الثوري المستمر سيسقط اللجنة الأمنية والانقلابيين جميعاً ، وسيفرض الشعب السوداني سلطته، وستتكون المؤسسات الامنية التي تحمي الانتقال المدني الديمقراطي بواسطة اجسام من الشعب نفسه، وسيستطيع الشعب تكوين اجسامه الثورية ومجلسه التشريعي الذي يمثل كل القواعد من كل المناطق، وندعو كل القوى السياسية بان تدعم البناء القاعدي للجان المقاومة في هذه اللحظة التاريخية…!!

صحيفة الجريدة