تحقيقات وتقارير

تبقى لهم جولة واحدة في “ديسمبر” .. “المقاومة” تفتح جداول “يناير” التصعيدية وتُغلق أبواب الدخول في “حوار” !!


في عيد “الكريسماس” لم يكن أحد يتوقع نجاحاً لتصعيد ثوري في مثل هكذا مواقيت، خصوصاً وأن العاصمة الخرطوم تحديداً من المدن السودانية التي عُرفت على مر التاريخ بأن أعياد الكريسماس فيها تجد متسعاً حميماً بتقاليده ومظاهره الأليفة التي تحتشد بها الكنائس والحدائق والساحات العامة، إلا أن هذه المرة صادفت الاحتفالية الدينية العظيمة مشهداً مُغايراً في الساحة “الخرطومية” تحديداً، وهو أن الثوار في لجان المقاومة كان لديهم استحقاق ثوري خاص بجداولهم التصعيدية التي دخل ضمنها يوم الـ25 من ديسمبر وبعد حراكٍ ثوري مُدهش أنجزوه في الجولة السابقة في 19 ديسمبر يوم ذكرى الثورة السودانية، واستطاعوا أن يصلوا محيط القصر الجمهوري رغم كل الاحترازات الأمنية التي سبقت ذلك اليوم، وفي يوم “الكريسماس” كانت هناك معركة ثورية أخرى تتبرج في شارع القصر بالخرطوم، جعلت مظاهر الاحتفاء بالأعياد تذوب بداخل ذلك الهدير الثوري الذي سجل حضوراً بطولياً بداخل ساحة القصر للمرة الثانية على التوالي رغم الإغلاق الكامل للخرطوم براً وبحراً و(أثيراً) !!.

(1) بعد معارك ثورية شاهقة..
الثوار يستعدون للجولة الأخيرة من ديسمبر وعيونهم تترقب “يناير”
منذ عاد الثوار في لجان المقاومة والقوى الثورية الحية من محيط القصر الرئاسي إلى منازلهم أعقاب مليونية الـ19 من ديسمبر والتي شهدت مواجهات ضارية من قبل القوات الأمنية باستخدامها للغاز المُسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص الحي والمطاطي، أضحى الشغل الشاغل هو كيفية إنجاح مليونية الـ25 من ديسمبر والتي تصادف أعياد الكريسماس كما أنها تصادف يوم عطلة الأسبوع، فضلاً عن أن مليونية الـ19 من ديسمبر بالتأكيد جعلت المنظومة العسكرية الأمنية تفكر جيداً في إغلاق كل الثغرات التي مكنت الثوار من الوصول للقصر، وبهذا الافتراض تفاجأ الثوار بأن اللجنة الأمنية للولاية اتخذت تدابير أمنية هي الأشد قسوة في تاريخ الدولة السودانية، حيث تم إغلاق الكباري التي تقود إلى العاصمة الخرطوم إغلاقا شاملاً ودقيقاً بوضع الحاويات الضخمة عليها مما يصعب على الثوار إزاحتها، وكذلك تم إغلاق كل الشوارع الرئيسية التي تقود إلى القصر، فضلاً عن قطع خدمة الانترنت والاتصال، وبالرغم من كل هذه الاجراءات التي اتخذتها السلطات منذ مساء الجمعة، إلا أن نهار السبت الماضي كان مختلفاً، وكانت حشود المواكب في الخرطوم كبيرة للدرجة التي وجد صعوبة بالغة عند القوات الأمنية لإعاقة تقدمها ووصولها للقصر، وشهد شارع القصر في الخرطوم عمليات كر وفر بين الثوار والقوات الأمنية التي استخدمت الغاز المُسيل للدموع بكثافة لم تشهدها الخرطوم من قبل، واستخدمت كذلك خراطيم المياه الآسنة والنتنة لتفريق الثوار، وعلى الرغم من كل ذلك واصل الثوار تقدمهم نحو القصر وبلوغه للمرة الثانية خلال أسبوع واحد، وفي تمام الخامسة عصراً قرر الثوار الخروج من محيط القصر والتوجه إلى منازلهم، وارتفعت هتافاتهم التي تدعو لموكب الـ30 من ديسمبر الموضوع على الجدول في الأساس، ولكن القوات الأمنية تمكنت من مطاردة الثوار في شوارع الخرطوم مستخدمة كل أنواع العنف الناتج من استخدام عبوات الغاز المُسيل للدموع، إلا أن تم تفريق التجمعات تماماً. وفي مساء السبت وحين عودة خدمة الانترنت اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بعدد كبير من الصور ومقاطع الفيديو التي توثق لتظاهرات يوم الكريسماس وما صاحبها من عنف وقمع، وبالمقابل تداول رواد هذه المنصات جداول الحراك الثوري لشهر يناير القادم، ومما يعني بأن لجان المقاومة قررت المُضي في خطة التصعيد الثوري وغير آبهة لأية محاولات تجري على الأرض لتخليق تسوية سياسية جديدة .

(2) مبادرات كثيفة..
الشارع المنتفض يُغلق منافذ الدخول
وبحسب ما تتداوله الأخبار الرسمية وغير الرسمية، هناك العديد من المبادرات لحل الأزمة السياسية في السودان الناتجة عن المتغيرات التي صاحبت انقلاب الـ25 من أكتوبر، وهناك الكثير من الإعلانات السياسية التي تحاول إعادة صياغة المسار الانتقالي الديمقراطي على الأرض، ولكن كل هذه المواثيق والإعلانات تجابه بموجة من الرفض من قبل قوى الميدان وتنسيقيات المقاومة المختلفة. إلا أن مراقبون يرون بأن الأحداث التي تُصاحب كل تصعيد ثوري، بدأت تُخلف عند نفوس الثوار شئ من المرارة التي يصعب تجاوزها، كما أن الخطاب الإعلامي الذي يبثه أنصار ومؤيدي انقلاب الـ25 من أكتوبر عبر شاشات الفضائيات، لم يستطع الخروج من خانة المغالطات العبثية ويفتقر إلى روح الوفاق، وظل خطاباً استعلائياً يقوم على فكرة تجهيل الثوار ووصفهم بأنهم مجرد أدوات في أيادي القوى السياسية المناهضة للانقلاب، بات خطاباً مستفزاً يُصعد من عزيمة الثوار لإثبات ذواتهم المستقلة في الحراك ولتثبيت أنهم أصحاب الثورة الحقيقية التي وصل على أكفها كل المسؤولين الذي يحكمون الآن وأؤلئك الذين ينتظرون أن يحكموا هم. هذا بجانب انصراف الإعلام الرسمي الصادر من الحكومة للتعليق على الانتهاكات التي ظلت تصاحب المواكب وصمته الطويل اتجاهها، وبالأمس القريب تحدثت وكالات إخبارية مرموقة عن تسجيل حالات اغتصاب لعدد من الثائرات خلال موكب الـ19 من ديسمبر، ولم يصدر من الجهات الحكومية الرسمية ما ينفي أو يؤكد رغم أن الموضوع تمت مناقشته في منظمة عالمية خاصة بحقوق الانسان في جنيف، ورغم أن هذه المزاعم أكدتها جهة حكومية ولم يقلها نشطاء أو ثوار، وهو ذات الأمر الذي ساهم في تغيير كبير ونوعي في حجم المواكب الذي بات ملحوظاً تزايده وانضمام قطاعات كبيرة من المجتمع السوداني فيه، وبالأمس قالت اللجنة المركزية لأطباء السودان أعلنت إصابة 178 من المتظاهرين في مواكب أمس، بينهم 8 حالات بالرصاص و3 منها في حالة غير مستقرة، فيما أعلنت وزارة الداخلية السودانية إلقاء القبض على 15 ممن وصفتهم بالمتفلتين الذين اعتدوا بحسب البيان على 32 من أفراد الشرطة، وقاموا بالاعتداء على عدد من الأقسام الشرطية بالزجاجات الحارقة وبالحجارة. ويرى مراقبون أن ارتفاع حصيلة الشهداء والمصابين أعقاب كل موكب تساهم فعلياً في اتساع الشُقة بين الشارع والسلطات الحاكمة، بل تساهم في اتساع رقعة التظاهرات وانضمام مجموعات نسائية ورجال وشيوخ وأطفال لصفوفها يوماً بعد يوم، وللدرجة التي بات أبسط مواطن يتساءل عن جداول التصعيد الثوري وعن أزمانها ومواقيتها ووجهتها القادمة، ويضيف مراقبون بأن حصيلة المبادرات التي تجري على الأرض ينعدم فيها التنسيق المباشر من الكتلة الثورية التي تقود التظاهرات ضد الحكومة على الأرض، وبهذا التصور يصبح من الصعب جداً الوصول إلى حالة وفاق وطني قائم على أية تسوية سياسية مع ذات الوجوه التي تحكم الفترة الانتقالية الراهنة، عسكريين كانوا أم مدنيين.

(3) الحرية والتغيير تبتعد..
تحالف الصمت مع الرصاص وقنابل الغاز
مع كل انتصارات تحققها حركة الجماهير في تصعيدها الثوري المناهض لاتفاق البرهان حمدوك، تجد الحرية والتغيير المجلس المركزي نفسها في دائرة الفعل الثوري المقاوم ولا سبيل لها غير البقاء فيه وعدم الالتفات إلى أية دعاوي خاصة بفتح الحوار مع السلطات لأجل تقريب الهوة بينها وبين الحكومة، ومنذ خروج الحرية والتغيير من الشراكة قسراً ، ودخول قياداتها للسجون خلال الفترة الأولى لإجراءات البرهان، بدأ واضحاً بأن الحرية والتغيير اتخذت موقفها الداعم للحراك الثوري، على الرغم من أن عدد من قياداتها يعملون بعيداً عن مؤسسات أحزابهم في حوار مع البرهان وحمدوك، وعلى ما يبدو من آخر مؤتمر صحفي للحرية والتغيير بأنها مؤسسياً اتخذت منهج المقاومة السلمية للانقلاب وباتت أكثر تمسكاً بالدعوة إلى تكوين جبهة شعبية عريضة تقود هذا الحراك الثوري المناهض وتتفق على قواسم مشتركة فيما بينها لتشكيل إعلان سياسي موحد يجمع كل قوى الثورة المؤمنة بالتحول المدني الكامل وخروج المؤسسة العسكرية من السياسة. ووصف القيادي بالحرية والتغيير ، عمر الدقير، صمت الحكومة على الانتهاكات التي تصاحب المواكب الجماهيرية الرافضة لاتفاق البرهان حمدوك، بأنه هو تحالف الصمت مع الرصاص وقنابل الغاز، وقال الدقير في تدوينة تناقلتها مواقع الأخبار وعدد من منصات التواصل الاجتماعي، : المؤسف أنه رغم القمع المفرط التي قوبلت به مواكب يومي ١٩ و٢٥ ديسمبر السلمية، ورغم عديد الانتهاكات الجسيمة وأساليب الإذلال والمهانة التي مُورست ضد المشاركين فيها، لم تصدر أية إدانة أو تعليق من رئيس الوزراء أو مكتبه، ولا حتى من شاكلة تلك الجملة التي لم تَعْد تعني أكثر من حبرٍ على ورق لفرط تكرارها العقيم دون نتيجة: “تكوين لجنة تحقيق للكشف عن المتورطين في الانتهاكات ومحاسبتهم”.. أمّا البعثة الأممية فاكتفت بالتحذير المُسبق، ولكنها سكتت حتى عن “الإعراب عن القلق” إزاء الانتهاكات التي طالت أهم واجبات تفويضها وهو حماية حقوق الإنسان، مضيفاً إن محاولة التحليق عالياً وبعيداً عن أقْدَس وأغلى سائلَيْن – وهما الدّم والدّمع – والتغافل عن كلِّ ما وقع من انتهاكات، يعني تحالف الصّمت مع الرُّصَاص وقنابل الغاز ضد الثوار السلميين العُزّل.

الخرطوم: عبد الناصر الحاج
صحيفة الجريدة


تعليق واحد

  1. البلد تحتاج حوار وليس مظاهرات… علي العسكر الصبر علي هؤلاء الجهلة ليكملوا التظاهر ثم ينتظرون خطوتهم الصفرية القادمة