عثمان ميرغني

عثمان ميرغني يكتب “اجعله يبدو كحادث عادي”


فيلم أمريكي اسمه ”غيبوبة“ يحكي عن فساد في إدارة مستشفى، تتعمد حقن بعض المرضى خلال العمليات الجراحية بمادة تؤدي إلى ”غيبوبة“ مستدامة، ثم بعد يأس أهل المريض من عودته للحياة، تبيع المستشفى أعضاءه بأثمان باهظة.

في الفيلم الأمريكي، يكتشف أحد الكوادر الطبية المؤامرة، فتقرر إدارة المستشفى تصفيته وتوكل المهمة لأحد العمال في غرفة الكهرباء..

وفي لحظة تنفيذ التصفية في غرفة المحولات الكهربائية، يدلق العامل سطلاً من الماء على الكادر المطلوبة تصفيته، ثم يقول له وهو يدفعه بقوة نحو محول كهربائي ضخم: ”لقد قالوا لي اجعله يبدو كحادث عادي“.
في السودان، وبالتحديد يوم الثلاثاء 26 أكتوبر 2021، بعد يوم واحد من سيطرة المكون العسكري على السلطة كاملة، عقد الفريق الأول عبدالفتاح البرهان مؤتمراً صحفياً ليشرح فيه دواعي التحرك العسكري..

وفي سياق حديثه المستفيض للإعلام، ألقى بجملة لم ينتبه إليها الصحفيون، هي أشبه بما قاله العامل في فيلم ”غيبوبة“ الأمريكي، قال البرهان للصحفيين: ”لن يحكم السودان بعد اليوم حزب عقائدي“.

عبارة ”حزب عقائدي“ يُقصد بها سياسياً أحزاب محددة، هي أحزاب الإسلام السياسي، والحزب الشيوعي، وحزب البعث. بقية الأحزاب إما أنها لا تصنف ”عقائدية“، أو كحزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي لاستنادهما إلى طائفتين دينيتين هما الأنصار والختمية، لكونهما طرقا صوفية أقرب إلى المكونات المجتمعية غير المسيسة.

لم يكن خافياً أن الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والمجموعة الأوروبية، وضعت ثقلها خلف الثورة السودانية، فهي من جهة خلصتها من نظام متطرف معاد متسلط، ومن جهة أخرى فتحت لها أبواباً واسعة للتعاون..

لكن هذه الدول لم تكن سعيدة بأن يتحول نظام الحكم من أقصى اليمين الإسلامي إلى أقصى اليسار، خاصة بعد نمو نفوذ الحزبين الشيوعي والبعث في السودان.

أدرك الحزب الشيوعي هواجس تلك الدول الكبرى، فأخرج نفسه مبكرا تُقية من التحالف الحاكم (الحرية والتغيير) رغم احتفاظه بكوادره في مفاصل الحكومة الرئيسية لضمان التأثير على مستقبل الدولة السودانية.

لكن في المقابل، لم ينتبه حزب البعث للمأزق السياسي، فاستثمر فارق الخبرة السياسية والقدرات التنظيمية والتكتيكية التي تتميز بها كوادره عن بقية الأحزاب الشابة، مثل المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي، فأوغل في السلطة حتى بات الحزب الحاكم إلا قليلا..

وأصبح بذلك الأستاذ على الريح السنهوري، أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي، العقل المدبر والمحرك الأساسي للدولة كلها من وراء حجاب.

ووصلت طموحات حزب البعث في تسنم المشهد السياسي السوداني أن تَطلّع للدفع بالبروفسيور صديق تاور، عضو مجلس السيادة الانتقالي، ليكون خليفة محتملا للفريق الأول عبدالفتاح البرهان في رئاسة مجلس السيادة.

لكن الدول الأكثر تأثرا وتأثيرا بالأوضاع في السودان، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، كانت تنظر لدماء آلاف الجنود الذين فقدتهم في العراق ومئات المليارات من الدولارات التي دفعتها ثمنا للإطاحة بحزب البعث، ثم ترى بأم عينها كيف أن بذرة جديدة تنمو لدولة يصعد فيها حزب البعث إلى سنام السلطة.. مشهد أشبه أن تحارب أمريكا لعشرين سنة طالبان في أفغانستان ثم تدعمها في السودان.

الرسالة كانت واضحة من المجتمع الدولي للسودان ”اجعلوه يبدو كتحرك عسكري عادي“، أشبه بعبارة فيلم ”غيبوبة“: ”قالوا لي اجعله يبدو كحادث عادي“.

في المشهد السوداني، أنجز الشق الأول بمباركة دولية، وهو إزاحة الأحزاب المقصودة من المشهد، ثم يكتمل الجزء الثاني بالدعوة لانتخابات معلوم أنها لن تأتي بالأحزاب العقائدية من اليمين واليسار، فتكون النتيجة استبعاد الأحزاب العقائدية يمينا ويسارا ومنعها من الاقتراب من السلطة في السودان.

صحيفة السوداني


‫2 تعليقات

  1. تحليلك هذه المرة سطحي ولا يسنده الواقع الذي يقول ان اليسار هو عميل الغرب وقد اتفق معهم لازاحة الاسلام تحت لافتة ازاحة الاسلاميين و هذه المرة وجد دعم كامل من الخليج الذي انتهز الفرصة ليحارب الاسلام السياسي خارج حدوده وقد افشل تجربته باسقاطه البشير ولا يهمه الاسلام .والان يعمل كل هؤلاء علي افشال التجربة السودانية واغراق الدول في فتن اليسار .. الدليل الواضح الاول هو بيان اللجنة الرباعية الذي يحدثنا عن الديمقراطية وهي المرة الاولي في تاريخ السعودية والامارات التي تذكر فيها هذه الكلمة .. الدليل الثاني هو التناول الاعلامي المكثف والموجه صوب البلبلة واحداث فوضي شاملة يقود ذلك للنظر في طريقة تغطية المظاهرات في اعلامهم حيث تتاح الفرصة للدعوة لها في قنوات العربية واسكاي نيوز اكثر من وسائل الاعلام والميديا المحلية والدليل الثالث بمجرد دخول الامارات مجلس الأمن دعت لجلسات ضد السودان وتريد قرارات لصالح حشد الحرب … نسال الله ان يكفينا شر حكام الخليج واعلامهم

  2. لا أدري لماذا الإصرار على صفة (إسلامي) .. (شيوعي) .. (بعثي) في تكوين الأحزاب السياسية !!!؟
    فهذا أمر يدل على انغلاق العقل وانعدام البصيرة .

    * فعن صفة إسلامي .. ليس في السودان مشكلة دينية على الإطلاق وليس هناك صراع بين مسلمين وغير مسلمين .. وكل هذا الجدال حول العلمانية والدينية هو جدال عقيم وفي أساسه أمر مختلق يتم إهدار الوقت فيه عبثا .

    * عن صفة شيوعي .. ليس في السودان صراع طبقي بين برجوازية ثرية تحتكر رأس المال ووسائل الإنتاج وبين طبقة فقيرة كادحة يتم استغلال جهدها من الطبقة الثرية مقابل أجر زهيد . فالصفة الغالبة على أهل السودان عموما هي الفقر .

    * وعن صفة بعثي .. بعث ماذا !؟ بعث العروبة !؟ .. وهل بعث العروبة يكون من السودان هذا البلد الأفريقي !؟ وماهو النموذج الذي يحتذى لتجربة حزب البعث في الحكم !؟ النموذج السوري/حافظ الأسد .. أم النموذج العراقي/صدام حسين؟ .. وكلاهما نظام ديكتاتوري شمولي دموي باطش عدو للحرية والديمقراطية .