مقالات متنوعة

محمد جميل أحمد يتحدث عن العصا والجزرة وسيناريوهات كارثية ويكتب المشهد السياسي في السودان بعد حمدوك


المشهد السياسي في السودان بعد حمدوك
مخاوف بشأن سيناريوهات تفضي جميعها إلى العنف والسلاح وعلى الأحزاب أن يجنبوا البلاد هذا المصير الكارثي

مع انسداد المشهد السياسي نتيجة للامتناع الذي بدا واضحاً كخلاف بين القوى السياسية السودانية، والذي أدى برئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك إلى إعلان استقالته يوم الأحد الماضي 2 يناير (كانون الثاني)، تأكد تماماً انفتاح المشهد السوداني على تدخل وساطات دولية لحمل القوى السياسية على العمل معاً. وهكذا رأينا مع بيان دول الترويكا (أميركا والنرويج وبريطانيا) إلى جانب الاتحاد الأوروبي، الذي صدر بعد إعلان استقالة حمدوك، داعياً بلهجة حازمة إلى ضرورة أن يقود المدنيون المرحلة الانتقالية، ثم صدر بيان وزارة الخارجية الأميركية في الاتجاه ذاته، محذراً المكون العسكري من الانفراد بتكوين حكومة، بعيداً من الشراكة مع المدنيين، الأمر الذي بدا واضحاً معه أن الوضع أصبح يحتاج إلى حوار تقوده الأمم المتحدة ممثلاً بالبعثة الأممية السياسية إلى السودان “يونيتامس” بقيادة فولكر بيرثيس، تزامناً مع دعوات صدرت من أعضاء عدة في مجلس السيادة إلى الحوار

وفي حين بدا واضحاً كذلك أن قوى الحرية والتغيير “قحت” اليوم أنها في وضع غريب عجيب جعلها متماهيةً مع حراك الشارع وولاءاته الجذرية، بل، في الوقت ذاته، بدت “قحت” تجري في ركاب الشارع ومن ورائه، بطريقة جعلتها تتحسس من أي تهمة لها بإدارة أي حوار، بحيث نفت أنها تعكف على حوار بخصوص التواصل مع المكون العسكري.

هذا المشهد الغريب للقوى السياسية، إلى جانب الإرادة الدولية بقيادة الولايات المتحدة وعزمها على إجراء حوارات بين القوى السياسية برعاية الأمم المتحدة يشي بمدى ما أضحت عليه تلك القوى من تشتت. فالمطلوب اليوم هو عين ما طلبه حمدوك من تلك القوى السياسية (لكن بإرادة إجماع سودانية وليس أممية) أي في دعوته بأن تجمع تلك القوى رأيها معه على الخوض في تفكيك الانقلاب من الداخل مع إسناد من مجتمع دولي على رأسه الولايات المتحدة.

وفيما يتحرك الشارع بزخم ثوري جذري وعنفوان حاد بدت معه القوى السياسية كما لو أنها تجاري تياراً عاتياً وجارفاً لا يجعلها إلا لاهثة الأنفاس من ورائه، يبدو هذا الشارع، في الوقت ذاته، عبر “لاءاته” الثلاث (لا مساومة، لا شراكة، لا تفاوض) باحثاً عن رهان يوازي حدث عزل البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019، مرةً أخرى، في وقت وظرف ربما كانا لا يعينان على إنتاج تلك اللحظة!

حتى الآن، هناك وعود من بعض القوى السياسية بإجراء حوارات، إلى جانب عدد من المبادرات الوطنية، مثل مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم وغيرها، لكن الاختلاف الذي يضرب قوى الثورة اليوم في اتجاهاتها كافة أكثر من واضح، بين لجان المقاومة وتجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير، هو اختلاف ربما كان غير قابل للطيّ في الوقت الحالي، كما أن جزءاً من قوى الثورة تبدو “لاءاته” الثلاث، الآن وهنا ربما عصيّة التحقق، في الوقت الذي وضع خروج حمدوك من المشهد السياسي المكون العسكري عرضةً لخيارات صفرية قد تدفعه إلى استثمار تفكك القوى السياسية لصالحه في اتصالاته مع المجتمع الدولي.
صحيح اليوم أن بيان وزارة الخارجية الأميركية بشأن الأوضاع السياسية في السودان إلى جانب بيان الترويكا كان قوياً في اصطفافه مع القوى المدنية للثورة وضرورة قيادتها للمرحلة الانتقالية المقبلة، وصحيح أن هناك فرصةً نادرةً لتلك القوى كي تجمع شملها وتستغل اللحظة التاريخية لتحالف المجتمع الدولي معها وترجمة ذلك إلى أوراق ومكاسب سياسية ملموسة (على الرغم من أن ذلك لم يحدث حتى الآن)!

لكن الصحيح أيضاً أن الولايات المتحدة ليست جمعيةً خيرية وأن المجتمع الدولي نفسه قصير وأن أي نظرة إلى أوضاع القرن الأفريقي الذي يشهد تداعيات جيوسياسية كبيرةً، سواءً لجهة الحرب الأهلية في إثيوبيا، أو لجهة بدايات صراع سياسي متجدد في الصومال، كما أن الصحيح أيضاً هو أن العسكر بطبيعتهم أكثر ميلاً إلى روسيا والصين، ما يعني أن تلك الفرصة التاريخية المتاحة لقوى الثورة السياسية السودانية من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لن تكون ممنوحةً لوقت طويل، لأن الاستقرار، الذي عادةً ما يُلّوح به العسكر، هو أيضاً مطلب مهم من مطالب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، ولأن منع الصين وروسيا من التدخل في السودان يعتبر رهاناً جيوسياسياً واستراتيجياً فائق الأهمية للولايات المتحدة في منطقة القرن الأفريقي.

هذا كله يعني أن على قوى الثورة السودانية: (الحرية والتغيير ولجان المقاومة، وتجمع المهنيين وقادة الرأي والفكر) أن يدركوا أنه إذا مضى وقت طويل من دون أي قدرة منهم على إعلان ميثاق سياسي يوحدهم جميعاً في منصة واحدة، ويجعلهم بالتعاون مع المجتمع الدولي قادرين على الضغط على العسكر، فإن المجتمع الدولي لن ينتظرهم طويلاً. وعند ذلك، ستكون دعاوى الحرص على الاستقرار هي البديل من دعاوى الحوار التي يطلقها المكون العسكري اليوم، بما يعنيه ذلك أيضاً من إمكانية ما لتعامل المجتمع الدولي مع العسكر حال تعذّر أي إجماع سياسي للقوى المدنية على طرح ميثاق سياسي واحد حيال تحديات الأزمة السودانية.

تكمن الخطورة اليوم في أن منصب رئيس الوزراء الذي تركه حمدوك شاغراً، سيصبح الآن (في ظل تحذيرات الولايات المتحدة والمجتمع الدولي حتى الآن للعسكر من الانفراد بتعيين الحكومة) سبباً لاحتراق كل سياسي يقترب منه، في ظل الأوضاع الانقلابية الراهنة، بالتالي سيعكس الفراغ الحكومي أزمةً دستورية (إذا ما تفاقمت عبر ضغط الشارع الثوري، من ناحية، وضغط المجتمع الدولي من ثانية، وامتناع القوى الحزبية والسياسية على صيغة إجماع وطني لانتشال صيغة الوطن ذاتها من خراب وفوضى محتملة، من ثالثة)، ستمثل خطورةً كبرى كلما طال الوقت بين مليونيات الشارع الثوري وقمع العسكر، الأمر الذي سينطوي على سيناريو سيترتب عليه وضعان خطيران حال قبول المجتمع الدولي على مضض بالميل نحو العسكر حفاظاً على الاستقرار، وخوفاً من التمددين الروسي والصيني (لا سيما أن بكين ستعيّن مبعوثاً خاصاً إلى القرن الأفريقي)، الأول هو إما أن يترك المجتمع الدولي يد العسكر طليقةً لقمع الشارع الثوري بحجة دعم الاستقرار، وهو وضع خطير قد ينذر بكارثة باتجاهين، إما أن يتم عبر العنف المفرط إخماد صوت الشارع السوداني، أو أن يتحول الحراك بين الطرفين إلى حراك مسلح، في ظل ساحة سودانية فيها جيوش مختلفة وحركات مسلحة لا يزال بعضها معارضاً للنظام مثل حركة عبد الواحد محمد (حركة جيش تحرير السودان) نور، وحركة عبد العزيز الحلو (الحركة الشعبية قطاع الشمال) وهذا هو السيناريو الأشد خطورة على المصير الوجودي للسودان.

إن عبرة استقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الحقيقية لا تتمثل في كونها انسحاباً من موقف “مُخزٍ” وضعه في مأزق حرج، كما توهم كثيرون، حين أعلن الاتفاق الإطاري مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وإنما تتمثل عبرة الاستقالة في أنها كانت كاشفةً عن هشاشة العقل السياسي للأحزاب السودانية في لحظة تاريخية حرجة، وافتقار ذلك العقل الرعوي إلى رؤية جادة لخطر المصير السياسي والوجودي المحدق بالسودان من خلال مفردات كثيرة وافرة دالة على ذلك المصير. لذا، فإنه يتعين اليوم على تلك الأحزاب بعد أن خرج حمدوك من المسرح السياسي، الاضطلاع بالاستحقاقات التي كان يحسب حمدوك حسابها، وهي استحقاقات تجنيب السودان السيناريوهات الأخطر كارثيةً على مصيره الوجودي من أي وقت مضى.

وإذ لا يزال التحدي ماثلاً اليوم حيال اختبار قدرة العقل السياسي للأحزاب السودانية على رؤية الأخطار المحدقة بالمصير الوجودي للبلاد بما يمكن أن يجعلها قادرة على الاضطلاع بمسؤوليتها التاريخية، يمكننا القول إنه إذا كان خيار حمدوك قد تطلّب إجماعاً سياسياً وطنياً مسؤولاً من تلك الأحزاب ليمضي قدماً في مسار لإنقاذ السودان من لحظة انهيار محتملة، فإن طلب المجتمع الدولي اليوم لتلك الأحزاب وللقوى الثورية ذاتها بمنصة إجماع وتوافق سياسي، ليس خياراً وحيداً، وإنما سيكون اختباراً مزدوجاً لطلب حمدوك ذاته، لكنه من جهة خارجية حين تطلب ذلك فإنها لا تطلبه لوجه الله، وإنما تطلبه وفي يدها “العصا والجزرة”.

صحيفة السوداني


‫3 تعليقات

  1. دايما المستعربين وخصوصا المتسودنين منهم بيميلوا للإطناب والكلام الكتير البيوجع العيون، قريت كتير بفنش على كلمة (الإخوان) البيحب يزين بيها الأخ الكاتب الأرتري المجنس مقالاته ويتقرب بيها للصحف الأجنبية على حساب أمن السودان وهو يعلم جيدا حجم الإخوان (بالمعنى المصري) الضئيل جدا في السودان، بيكتب عن السودان وكأن أرتريا أصبحت بلا قضية، وحسنا فعلت أرتريا أنو نفت أمثاله وإلا لكانت مافي. على العموم دعوتك لقحت بالتوحد والاستقواء بالأجنبي ضد الجيش دعوة نجسة عادية من حامل جنسيتين عميل مخرب واعلم أن الجيش يمثل كل الذين لم يخرجوا للشارع اليوم أما أنت فأرجوا نزع جنسيتك ورقمك الوطني غدا صباحا لتجد لك بلدا يؤيك وتحترمه.

  2. ههههة ابراهيم محمود الثاني اختفي دهرا وظهر ينظر ويحرض كان الشان شانه يريد الايحاء بتفكك الدولة السودانيه وسيطرة المجتمع الدولي عليه ولكنه نسي او تناسي بان ابناء قوات الشعب المسلحة
    الذين رضعوا ثدي الكرامة لم يسمحوا بتفكك البلد ولا حتي بوصول اغبياء الحريه والتغير والاجندة التي اتوا بها من المنظمات المشبوة
    ان تغير في المجتمع السوداني الاصيل الذي يراغب كل شي وبهدوء تام فهذا المارد ان خرج الي الشارع سوف يكنس شلة المغتربين تلك ومعها ما يسمي لجان المقاومة الذين يحرضون بامر من الشوعيين امثال المدعوا صديق وكمال وبقية الفجرة الكفرة
    حتي نظام المؤتمر الوطني لا عوده له مرة اخري ناهيك عن الاسلاميين الشرفاء الذين نعرفهم بالاسم ولا يزالوا وتعاركوا مع نظام البشير في كل شي مرورا بسياسة تجنيس الارتريين والتشاديين وبقية القتله واللصوص ما يقوم به السيد البرهان هو الصواب للتعامل مع هؤلاء المخربين الذين يتم تحريضهم وهم يخرجون الي الشوارع تحت تاثير المخدارات وحتي الذين يخرون معهم اوقفوا التظاهر بعد ان بام اعينهم كيف توزع عليهم المخدرات وما هي اجهزة المخابرات التي تصنع اصناف من تلك
    المواد المخدرة وكيف تدخل ومن هي الدول التي يقوم رعاياها في الداخل بالتجسس نحمد الله علي عودة جهاز الامن والمخابرات مرة اخري ومنحه الصلاحيات المطلقة ونثق ثقة كاملة في عناصره وكوادره التي استطاعت حتي تغير الانظمة سواء في ليبيا او تشاد
    وقريبا باذن الله الانظمة التي تحيك الكيد و الشر بالسودان وشبابه وابناءه وغدا سوف تجوع دول الجوار الاربعه التي تهرب اليها كل خيرات ومنتجات السودان ولا ننسي الذين طاب لهم المقام من اجانب مجنسين بطرق ملتويه تحت مسميات عدة منها حركات اسلاميه وحركات تحرر ومجموعات طالبي لجوء الذين استفادوا
    من التعليم المجان والتجنس والتملك وكبروا وترعرعوا واصبحوا يكيدون الشر بالبلد واهلها ويتدخلون حتي في امور الدولة وامنها القومي

  3. كلمات الباطل التي تبدو كأنها كلمات حق مثل ترديد اكذوبة قمع العساكر للشعب و الحاصل العكس تماما ..قمع المتظاهرين للعساكر و قذفهم بالحجارة و حتى قتلهم . غير الاساءات اللفظية و العساكر يمدون حبال الصبر التزاما بسودانيتهم اولا و مهنيتهم ثانيا . لا يمكن انكار انه قد تكون هناك حالات معزولة للتعسف في استعمال القوة ..لكن ايضا هل اغلاق الشوارع و تعطيل الحياة و اشغال العساكر و حرق اللساتك و تحطيم الشوارع و الاعمدة و ..و.. هو ما نريد تربية الشباب عليه و تزيينه لهم على انه من صلاح الوطن و من النضال انها الانتهازية الشيوعية المعهودة.