تحقيقات وتقارير

ديون السودان .. معضلة أمام انتعاش الاقتصاد!


تبدو أن مسألة الديون الخارجية ما زالت هاجساً كبيراً ومعضلة حقيقية أمام انتعاش الاقتصاد الوطني الذي تتخلله أزمات كبيرة ومتجددة من وقت لآخر، وبرز ذلك من خلال التراجع الملحوظ الذي طال معظم القطاعات الاقتصادية والخدمية في البلاد، وحول ديون السودان الخارجية تلك المعضلة الاقتصادية التي أقعدت البلاد بدلاً من النهوض بها أفصح عدد من الخبراء الاقتصاديين لـ(اليوم التالي) أن اتخاذ القرار يعتبر الانطلاق الحقيقي لتخفيف أعباء الديون، بل يعني الموافقة المبدئية على منح السودان مساعدات مالية جزئية بموجب عملية الهيبك، ويرى البعض أن نقطة بدء القرار لإعفاء الديون الخارجية هو قرار ممتاز جداً ومبشر ويعطي أملاً للاقتصاد السوداني في إمكانية العبور خارج حالة الأزمة.

يروي الخبير الاقتصادي فاروق كمبريسي عن مسار ديون السودان وإعفائها، معتبراً أن عملية إعفاء الدين بأنها عملية انتقالية عبر خطوتين (يونيو 2021 – يونيو 2024)، وانتقالية تعني الفترة بين النقطقتين المذكورتين، بدءاً منذ نقطة اتخاذ القرار وهذه نقطة الانطلاق الحقيقي لتخفيف أعباء الديون (أول خطوة رسمية في عملية الهيبك)، وبلوغ النقطة هذه يعني الموافقة المبدئية على منح السودان مساعدات مالية جزئية بموجب عملية الهيبك، وبعد الوصول ستقوم مؤسسة التمويل الدولية وبنك التنمية الأفريقي بتقديم موارد مالية مقدرة للسودان ومن ثم نقطة الإنجاز هذه النقطة تعني الحصول على إعفاء كامل ونهائي للدين القائم، وتشترط استمرار السودان في جميع الإصلاحات المتفق عليها، وقال: هذه مسألة فنية وعملية الهيبك ستعمل على الموافقة على نقطة مهمة وهي تخفيض الدين (وفق القيمة الحالية)، ويبلغ 26.3 مليار دولار، وهذا يمثل 495% من إجمالي الصادرات السودانية، وطالب بتخفض الدين إلى مبلغ 18.4 مليار دولار حتى يكون مستداماً ويصل نسبة 150% بعد تطبيق آليات تخفيف الديون في إطار الهيبك، وعن كيفية تحمل هذا المبلغ هناك مساعدات من “آيدا، وبنك التنمية والصندوق 3.9 مليار دولار، دول نادي باريس 13 مليار، الدائنون التجاريون 1.4 مليار دولار.

إعفاء كامل
وأشار فاروف: من ثم إلى نقطة الإنجاز، موضحاً أن هذه النقطة تعني الحصول على إعفاء كامل ونهائي للدين القائم، وتشترط استمرار السودان في جميع الإصلاحات المتفق عليها بما في ذلك تعزيز تعبئة الإيرادات وولاية المالية على المال العام، وحسن إدارة الموارد، والشفافية وتطبيق استراتيجية محددة لخفض الفقر يمر على تنفيذها عام وغيرها وقال: في حال تحققت مجمل الشروط سيتم الشروع في إعفاء جميع فوائد الدين التعاقدية والمتأخرات (الفوائد الجزائية) والتي تمثل حوالي 86% من أصل الدين (أي إعفاء 42.7 مليار دولار)، وأفاد بالقول إن الشروط أعلاه تسمى المحفزات المعيارية للوصول لنقطة الإنجاز العائمة بالإضافة للمحفزات القطاعية.

قرار الإعفاء
يقول المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان محجوب إن خبر موافقة مجلس إدارتي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على وضع السودان في نقطة بدء القرار لإعفاء الديون الخارجية هو قرار ممتاز جداً ومبشر ويعطي أملاً للاقتصاد السوداني في إمكانية العبور خارج حالة الأزمة، وقال في إفادة لـ(اليوم التالي) إن التحديات التي تواجه السودان هي التفاوض مع الجهات الدائنة للوصول لنقطة إكمال عملية إعفاء الديون، وحث بضرورة إطلاق دعوة للاستثمار العالمي.

إدارة التنوع
يقول الخبير الاستراتيجي أزهري بشير: لقد شهد السودان العديد من الحكومات المتعاقبة على إدارة حكمه بعد استقلاله في العام 1956م، ولسوء إدارة الحكومات المتعاقبة على إدارة التنوع السوداني الفريد والتوزيع العادل للسلطة والثروة، هذا ما قاد إلى خلق نوع من النزاع والحروب بالبلاد، يكفي ما قامت به حركات الكفاح المسلح من أخطاء في حق شعوبها في المناطق المهمشة والمقفولة (جبال النوبة، النيل الأزرق، دارفور) مشتركة في الجريمة مع الحكومة البائدة، وواصل حديثه قائلاً: للأسف كان المجتمع الدولي يشاهد ويسمع، بل عاقب الشعب السوداني 30 عاماً، ولم يعاقب حكومة البشير، ويأتي اليوم المجتمع الدولي يتمنى على السودان، ويمن عليه بفك الحصار الاقتصادي، على من كان الحصار، كان الشعب السوداني هو المحاصر من جهتين (من أمريكا والمجتمع الدولي، وحكومة البشير) ولأاسف استطاعت حكومة البشير الاستفادة من الحصار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي على الشعب السوداني المغلوب على أمره، فلقد كانت هنالك جرائم حرب وإبادة جماعية من الحكومة البائدة السبب هو الحركات المسلحة التي كانت تقاتل في مناطق المهمشين من سكان ومواطنين (دارفور، جبال النوبة، النيل الأزرق) واليوم يمارس عبدالعزيز الحلو أسلوباً جديداً في الحوار ولم يراعِ فيه المشردين من الأطفال والنساء والشباب من وهو أصلاً كان خروجه للمعارضة وترك منصب نائب والي جنوب كردفان نائباً للوالي أحمد هارون آنذاك وكان موضوع معارضته انتهى وزالت الأسباب منذ سقوط النظام البائد وانتصار ثورة ديسمبر الشبابية، وقال: كنت أتمنى من الحلو استصحاب أهل المنطقة وأصحاب الشأن والمصلحة من النوبة في جبال النوبة ليشاركوا في الحوار بجوبا وحتى القائد الحقيقي للنوبة (تلفون كوكو) لم يعار أي اهتمام.

أفقرت البلاد
وتابع أزهري قائلاً: السودان دولة غنية بمواردها ولكن الإدارة الحاكمة منذ الاستقلال هي التي أفقرت الشعب لأن الدولة تعمل بدون دستور موحد يشمل التنوع الثقافي والاجتماعي وهذا الدستور يحتاج إلى برلمان مشكل بعدالة ليعكس هذا التنوع الثقافي، وزاد في حديثه: السودان يمكنه أن يكون من أغنى دول المنطقة، بل يمكنه تمويل المشاريع الاستثمارية في القارة الأفريقية هذا في حال الاستفادة من استثمار الأراضي الزراعية التي تقدر بـ260 مليون فدان صالحة للزراعة وهي التي تكفي غذاء شعوب المنطقة العربية ويمكن إدخال مبلغ 160 مليار دولار إلى خزينة بنك السودان في حال زراعة مليون فدان برسيم فقط علماً بأن السودان أكبر دولة منتجة الصمغ في العالم وكذلك الثروة الحيوانية والذي يصل إلى 60 مليون رأس من الأبقار، وتساءل عبر إفادته لـ(اليوم التالي): فكيف للسودان أن يمد يده للبنك الدولي، وتابع قائلاَ: للعلم لا يمكن إعفاء الديون هكذا جزافاً، بل إنما هناك مصالح منتظرة للمدينين وهي فواتير ستدفعها الأجيال، وأضاف: الحلول لمعالجة هذه الكوارث الاقتصادية القادمة تحتاج إلى وضع خطط ودراسات جدوى عاجلة من جهات الاختصاص الاقتصادية، ولفت في الوقت نفسه إلى أن السودان بلد تنقصه مقومات النجاح وذلك لأسباب عديدة متمثلة في عدم التزام الدولة والحكومة من إدارة هذا التنوع بعدالة بجانب عدم التزام الحكومة الانتقالية بوضع خطة واضحة لحل مشاكل الزراعة لهذا الموسم الذي يقود إلى فشل الوسم الزراعي لعدم وجود (سماد وتقاوي) خطاب د. حمدوك السابق يحتاج إلى إشراك المذكورين أدناه في الخطة الاستراتيجية الوطنية العليا لإنقاذ السودان وهم الشباب والطلاب والمزارعين والمهنيين وأصحاب الأرض الحركات المسلحة الموقعة، القوات المسلحة والدعم السريع الشركات الوطنية، ورجال المال.. هؤلاء المذكورين هم الذين يمكنهم وضع الحل وإنقاذ السودان ومن ثم بعد ذلك وخلال ثلاثة شهور لابد من تكوين البرلمان من المكون والتنوع الثقافي حتى يتمكن البرلمان من إجازة برامج الدولة خلال الفترة الانتقالية ومن ثم وضع الدستور والإعداد للانتخابات حتى تتم عملية الانتقال السلمي بشكل صحيح.

تقرير: علي وقيع الله
صحيفة اليوم التالي