صلاح قوش والحركة الإسلامية ٤
علاقة صلاح قوش بالحركة الإسلامية بدأت عندما تم تجنيده في عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري الذي دخل معه الإسلاميون في مصالحة وطنية شاملة استفادوا من ثمراتها في بناء مؤسسات الحزب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبناء المؤسسي التنظيمي وكانت الحركة الإسلامية أشبه بوردةٍ كالدهان في حدائق العمل السياسي بنجومها الزواهر أمثال الدكتور حسن الترابي والدكتور حسن مكي والدكتور محمد أحمد مكي والدكتور الطيب زين العابدين والدكتور غازي صلاح الدين والدكتور بهاء الدين حنفي والدكتور التجاني عبدالقادر والشيخ إبراهيم السنوسي والباشمهندس الصافي جعفر وثلة من رموز الفكر الإسلامي.
في تلك الأيام الجميلة انضم الطالب صلاح عبدالله قوش إلى الحركة الإسلامية وكان يتميز بالذكاء الشديد والأناقة والتهذيب وكل قيم الخير والجمال والحق التي جاء بها من أهله، وفي جامعة الخرطوم كان أحد أبرز الطلاب الإسلاميين ما دفع قادة التنظيم باختياره بالمكتب الفني السري الخاص للعمل التنظيمي وهو الذراع الأمني للحركة الإسلامية وقد أتاح له عمله في المكتب الخاص أن يطلع على معلومات وأسرار وخفايا عن قيادات الحركة الإسلامية وقيادات الأحزاب السياسية والملفات الحمراء التي تشبه خيط الدخان.!
وبعد أن قرر المكتب السياسي للجبهة الإسلامية الاستيلاء على السلطة قبل انقلاب عسكري تم تنفيذه في ليلة 30 يونيو 1989م وبموجبه تم استيعاب المكتب السري الخاص بالجبهة الإسلامية ليكون نواة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني وعلى ذلك وجد صلاح قوش نفسه في رتبة عسكرية رفيعة في الجهاز الجديد الذي كان يسميه الدكتور عبدالوهاب الأفندي في كتابه الثورة والإصلاح السياسي (بالسوبر تنظيم) وبعد أن استلم الإسلاميون مقاليد السلطة في السودان فإن الدكتور الترابي الذي كان مفوضاً تفويضاً كاملاً من التنظيم لاتخاذ القرارات المصيرية السياسية التي تحفظ الحكم وبيضة السلطة، وعلى ذلك أصدر الدكتور الترابي قراراً بحل التنظيم حتى لا يحدث تصادم ما بين العسكريين والإسلاميين خوفاً من تكرار تجربة الحزب الشيوعي الذي جاء بالرئيس جعفر نميري في 25 مايو 1969م كسيف الفداء المسلول الذي تحول ناحراً للحزب في عام 1971م بعد انقلاب هاشم العطا وتم قتل وإعدام كل قادة الحزب السياسيين والعسكريين حتى تساءل أحد كبار الكتاب المصريين (الحزب الشيوعي انتحر أم نحروه؟!)، وعلى ضوء ذلك اتخذ الترابي قراراً بحل التنظيم على أن يكون السوبر تنظيم وهو جهاز الأمن التابع للجبهة الإسلامية هو المسؤول عن متابعة إدارة الدولة.
ومن هنا بدأت مشكلات الإسلاميين لأن جهاز الأمن والمعلومات كان يقوم بدور بعيد عن أعين الناس وتحت إشراف مباشر من مكتب الأمين العام وتداخلت السلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة وأصبح السوبر تنظيم هو الذي يحرك الدولة.
ووقعت الواقعة عندما قرر الأمين العام للحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي بزيارة خارجية الى الولايات المتحدة الأمريكية لمخاطبة الكونغرس وإزالة الشكوك والأوهام الغربية عن النظام الجديد الذي تعرض لحملات تشويه كبيرة من خصوم الإنقاذ في التجمع الوطني الديمقراطي.
وحدثت مفاجأة غير سعيدة وبعيدة عن أخلاق السودانيين عندما هاجم بطل الكراتيه السوداني هاشم بدر الدين الشيخ حسن الترابي وضربه بيده في رأسه بمطار أوتاوا بكندا الأمر الذي أدخل العقل المفكر للإنقاذ في غيبوبة وخضع الدكتور الترابي لعلاج طويل حتى استرد عافيته، واكتشف أن هنالك مياه كثيرة جرت تحت الجسر وأن نائبه الأستاذ علي عثمان محمد طه مدّ جسور التعاون الكامل مع الرئيس عمر البشير وأن مجموعة علي عثمان محمد طه أصبحت تدير الدولة بعيداً عن سلطة ورقابة الحركة الإسلامية والأمين العام، وكان صلاح قوش بعيداً عن ذلك الصراع الذي ظهر ما بين مجموعة الرئيس البشير وعلي عثمان ومجموعة الشيخ حسن الترابي والقيادات التاريخية للحركة الإسلامية وتطور الخلاف ما بين المجموعتين حتى وصل إلى تقديم مذكرة العشرة الذين طالبوا بتكريس سلطة الرئيس البشير الذي حضر الاجتماع وهو يلبس الزي العسكري كدلالة على أنه لن يتقيد أبداً بسلطة الأمين العام، والغريب في الأمر أن الأستاذ علي عثمان محمد طه كان في تلك الليلة يستمع للمدائح النبوية في إحدى المناسبات وهنالك من ينقل له تفاصيل اللقاء ومذكرة العشرة التي ضمت كل الرجال الذين كان يعتمد عليهم الدكتور الترابي في يوم كريهةٍ وسد ثغر، وعلى ذلك فإن صلاح قوش لم يخن الحركة الإسلامية وإنما خان الحركة الإسلامية الإسلاميون، كما قال الدكتور الترابي إن الإسلاميين تعرضوا لفتنة السلطة والمال ونقضوا العهود والمواثيق ويمكن حصر ذلك في الآتي:
أولاً: صراع البشير والترابي أو فيما عرف بصراع القصر والمنشية.
ثانياً: مذكرة العشرة التي طالبت بتقليص سلطات الدكتور الترابي.
ثالثاً: مؤتمر الخمسة آلاف عضو بالمؤتمر الوطني الذي أبعد فيه الترابي خصومه
رابعاً: الانشقاق في صفوف الحركة الإسلامية وتكوين الترابي للمؤتمر الشعبي.
خامساً: هجوم الدكتور خليل إبراهيم على أمدرمان.
سادساً: الصراع بين علي عثمان محمد طه والدكتور نافع علي نافع.
سابعاً: انشقاقات تيارات إصلاحية يقودها الدكتور غازي صلاح الدين والأستاذ حسن عثمان رزق.
ثامناً: انشقاقات في صفوف الشباب وتقديم مذكرة الألف.
وكل ذلك يبرهن أن الإسلاميين انقسموا فذهبت ريحهم ولم يكن صلاح قوش هو الذي يهوي بالحركة الإسلامية من مكانٍ سحيق لأنه اين الحركة الإسلامية البار.
نواصل
بقلم: عبدالرازق الحارث إبراهيم
صحيفة اليوم التالي
صحيفة اليوم التالي
ما اشبه الليلة بالبارحة والبرهان يعيد الكرة وبسااعده القضاء بارجاع المفصولين لاسترداد الدولة من بقايا المؤتمر الشعبى وجبرين وزير يايدو