جامعة الخرطوم .. لم تعُد( جميلة ومستحيلة)
عميد الشؤون العلمية: بعض الطلاب هجروا الجامعة للنظام الأكاديمي المشدد والبعض تعلل بالإغلاق المتكرر
وكيل التعليم العالي السابق : تكدس الدفعات وطول العام الدراسي وأزمة الداخليات سبب الهجرة
طالب مقبول : فرحت لقبولي بجامعة الخرطوم إلا أنني صدمت
اختصاصي إدارة : بعض المؤسسات تدهورت نتيجة ظهور منافسين
والدة طالبة : جامعة الخرطوم كانت المنال، وما أصابها مؤلم حد الوجع..
والد طالب : تكدس الدفعات وتأخر التخرج ومنافسة الجامعات الأخرى سبب هروب الطلاب
جامعة الخرطوم عبق المكان وعراقة الإرث، وريادة الاسم وعلو القامة والهامة، كانت منتهى حلم الجميع من ابناء السودان وغير السودان، فالكل يمني نفسه بأن يكون أحد روادها طوعاً أو كرهاً .
شارع (المين) الميدان الشرقي.. الميدان الغربي.. قاعة البروف عبدالله الطيب.. مسجد الجامعة.. داخلية البركس.. عوالم ومشاهد ربما يوماً ما تكون ضمن قائمة التراث العالمي، فبدلاً من الانتماء لها ستصبح الجميلة المستحيلة مورداً أثرياً يتهافت الكل ليعرف سر التفوق والانتماء، صانعة الأحداث ومهد الساسة والنخب .
ولكن يبدو أن (الجميلة) قد أصابتها لعنة السماء وأخطاء الثورة التي جعلت منها – حسب موقعها الجغرافي – ثكنةً عسكريةً وملاذاً للضالين، فتلاعبت بها أيدي الساسة و العسكر وعديمي الضمير والأخلاق، فعاثت أيديهم ظلماً وعبثاً بممتلكاتها نهباً وخراباً وسرقة، لم يثنهم عن ذلك خوف أو وجل، ولم تستفق (الجميلة) من كابوسها التدميري حتى أردتها جائحة كورونا مرة أخرى لتغتالها، فأصبحت جاثمة على ركبتيها تستجدي النهوض مرة أخرى، ولكنها عاجزة عن الحراك، فابناؤها حزموا امتعتهم وأغراضهم باحثين عن موطن آخر يحقق أحلامهم، فهل ستعود الجميلة ومستحيلة كما كانت أم ستظل سهلة المنال يغازلها الكل فسقاً وفجوراً ؟..
عدم المواكبة ..
اختصاصي إدارة الأعمال دكتور هيثم حمدتو؛ قال ل (اليوم التالي) إن هجرة طلاب جامعة الخرطوم موضوع في غاية الأهمية، وأضاف أن المؤسسات التي تُراجع وتُطور أساليبها الإدارية هي الأنجح ومعظم الدراسات الحديثة تتحدث عن ثلاثة أشياء جوهرية هي التطوير والتحسين المستمر.
بالإضافة لإدارة المخاطر. وكذلك استخدام النظم الالكترونية.
مشيراً إلى أن أساليب التحسين والتطوير تتمثل في إعادة هندسة العمليات الإدارية (الهندرة) التي تعنى بثلاثة أنواع من المؤسسات، هي ذات الوضع المتدهور وهي المؤسسات التي تواجه ارتفاعاً مضطرداً في تكاليف التشغيل أو التي تدنت خدماتها إلى مستوى يدفع عملاءها إلى المجاهرة بالشكوى و التذمر أو الفشل المتكرر لمنتجاتها بالأسواق أو خدماتها من حيث الزمن أو التكلفة أو الجودة. أما المؤسسات التي لم تصل إلى التدهور؛ فهذه المؤسسات في طريقها لبلوغ التدهور في المستقبل القريب، الذي قد يكون نتيجة ظهور منافسين جدد أو تغير في ذوق العملاء أو تدني خدماتها.
وأخيراً.. المؤسسات التي بلغت قمة التقدم والنجاح، وهذه المؤسسات التي لا تواجه صعوبات ملموسة ولا تظهر مؤشرات التدهور، وتتميز إدارة هذه الشركات بالطموح والإبداع للمزيد من التفوق على المنافسين. وأوضح حمدتو أن العديد من نظم الجودة تتحدث عن إدارة المخاطر والتي أضيفت كإحدى المطلوبات الأساسية للجودة بمواصفة الجودة ISO 9001/2015. والتحول للنظم الالكترونية واستخدام تقنية المعلومات.
لعنة الجميلة ..
المواطنة رشا التنقاري، وخلال تعليقها على هجرة الطلاب من جامعة الخرطوم من خلال منصة التواصل الاجتماعي، كشفت عن أنه تم قبول ابنتها في جامعة الخرطوم لهذا العام، وأوضحت أن جامعة الخرطوم كانت حلماً بعيد المنال، وأكدت أن فرحتها لم تكتمل، وكذلك فرحة ابنتها بينما لم يدعنا أحد نفرح، وعللت ربما أنها (لعنة الجميلة) على حد تعبيرها وأن ما أصاب الجميلة هو مؤلم حد الوجع..
جميلة ومستحيلة
الأستاذ شرف محمد الحسن هو من طرق هذا الباب، وقال لم أصدق أذني وهي تلفتني لأرى العشرات من الطلاب وأولياء أمورهم، وهم يطالبون بنقل أبنائهم من جامعة الخرطوم أو إلغاء تسجيلهم فيها ،، كان ذلك قبل شهر سمعت وقتها أن أولياء الأمور يقولون : ( ننقلهم أي جامعة أخرى المهم نتخارج من هذه الورطة)، وأضاف شرف متسائلاً : هل تصدقون أصبح الانتساب لجامعة الخرطوم ورطة ،،؟
فجامعة الخرطوم التي كانت توصف ب ( الجميلة ومستحيلة ) ترديداً لرائعة محمد وردي ( يا جميلة ومستحيلة) ، لقد أصبح الانتساب لها ورطة يهرب الناس منها ،،
وأكد.. عندما تتراكم أربع دفعات في السنة الأولى ، وعندما تظل إدارة الجامعة في مقعدها أكثر من ثلاث سنوات، ولم تشهد طالباً يرتدي روب التخرج أو تسمع زغاريد الأمهات لأبنائهم وبناتهم ابتهاجاً بتكليل جهود صبرهم وتربيتهم لمشوار جديد ، فهذه إدارة سيذكرها التاريخ بالأسوأ على الإطلاق في مسيرة الجامعة ،، مضيفاً.. كنا ننظر لجامعة الخرطوم متوقعين منها أن تقود مسيرة التعليم عن بُعد، أيام جائحة كورونا ، فإذا بها تغلق أبوابها وتعجز حتى عن إدارة اجتماعاتها عن بعد، وأوضح شرف انهار كل الإرث الهندسي والمعلوماتي في تأسيس نظام الكتروني يؤكد علو كعب الجامعة العريقة ،، في حين كل العالم من حولنا نجح في ذلك ، ولم تتوقف الدراسة ، بل كانت التجربة في استمراها نجاحاً وتأكيداً على دور الجامعة في الابتكار ،، لكن جامعة الخرطوم فشلت ، ليس لضعف إمكاناتها وطلابها، بل لضعف إرادتها الحالية ،
كاشفاً لأول مرة ، لن يذهب المائة الأوائل من طلاب الشهادة السودانية إلى جامعة الخرطوم ، لقد أخذتهم وكفلتهم دولة أخرى تعرف معنى التفوق والاستثمار فيه ، بل حتى باقي المتفوقين يمموا شمالاً وشرقاً؛ هرباً من جحيم الإهمال في جامعاتنا الكبيرة ،، ونبه شرف إلى أنه لا أحد يصدق أن أُسر الطلاب المتفوقين أصبحوا يفضلون التعليم الخاص عن التعليم الحكومي الذي كان ميزة يجتهد الطلاب وأسرهم للحاق بها ،،
اضطر الأهل لبيع ممتلكاتهم ورهن مرتباتهم للجامعات الخاصة؛ أملاً في الاستقرار المعدوم في جامعة الخرطوم ،،
مبيناً أن جامعة الخرطوم التي لم تكن تفرط في اساتذتها طيلة حياتهم، هجرها بروفيسوراتها ودكاترتها مغاضبين وفي قلوبهم حسرة ،، منوهاً إلى أن الشُقة قد بعدت بين الأساتذة والإدارة ، والجامعة تمتلك عقارات لا حصر لها واستثمارات تؤسس لمدينة ولكن لا إدارة تدير ذلك و تدعم أساتذتها ،،واصفاً أن ما حدث يمثل حسرة كبيرة على الجميلة ومستحيلة وقد أصبحت طاردة ومنتهكة، فجامعة الخرطوم التي كانت تتقدم العالم وكنا نباهي بها وبخريجيها صارت مهجورة مرفوضة متراجعة ، وهي كانت لنا التاريخ والعلم والفخر الذي طالما تعالينا به ، وهل أكثر من العلم فخرا ومجداً ، وامتدح شرف طلاب كلية الطب جامعة الخرطوم، الذين تداعوا لإحياء ذكراها المائة ، ينفضون غبار الحاضر عن المجد التليد ، فهل سيكون ذلك مبعثاً للمارد المغطى بالرماد، ليهب على أساسه المتين وتعود الجميلة ومستحيلة ، أم سيواصل غفوته وسباته في رحلة الهبوط إلى النسيان.
المحافظة والريادة
عميد الشؤون العلمية بجامعة الخرطوم الدكتور سليمان ابراهيم قال ل(اليوم التالي) نسبة هجرة الطلاب من جامعة الخرطوم ليست بالأعداد او الأرقام المقلقة، وإنما بعض من الطلاب طلبوا التحويل من الجامعة إلى جامعات أخرى، والعدد ليس كبيراً كما يتخيل البعض. معللاً هناك طلاب في كلية الدراسات التقنية والتنموية يتحولون إلى جامعات وكليات خاصة لدراسة البكالوريوس، لأن الجامعات والكليات الخاصة مسموح لهم القبول بالشهادات القديمة وطلاب هذه الكلية في الجامعة يقبلون لدراسة الدبلوم الوسيط، وأضاف سليمان.. بعض الطلاب الذين يتعثرون في دراستهم و تكون نتيجة الطالب إعادة العام مثلاً، ينتقلون إلى جامعات أخرى او في الغالب تكون الهجرة لكليات خاصة لظنهم أن اللوائح الأكاديمية ربما تكون أسهل في تلك الكليات او الجامعات، وهذه الفئة تتعلل بأنها دخلت دون رغبة في التخصص المعني، بالإضافة إلى أن هناك من يكتب في طلب استقالته ويتعلل بتأخير الدراسة، موضحاً أن التأخير في السنوات الثلاث الأخيرة لم تكن فقط في جامعة الخرطوم، بل كان في كل الجامعات الحكومية على الأقل متمثلاً في توقف الجامعات لمدة سنة إبان ثورة ديسمبر، وتوقف آخر لجائحة كورونا، ثم جاء من بعد ذلك إضراب الأستاذة كاشفاً أن طول هذه المدة (لم تتوقف بعض الجامعات الخاصة، إبان الثورة ولم تتوقف بتاتاً في الأسابيع التسعة الأخيرة إبان إضراب الأستاذة) وشدد سليمان، لا أرى في كل ذلك مشكلة، مبيناً أن جامعة الخرطوم وحتى آخر نتيجة قبول لا تزال الجامعة محافظة على نتيجتها، ونال طلابها أعلى النسب والمعدلات..
فرحة وصدمة..
الطالب نظام الدين محمود إبراهيم قال ل(اليوم التالي) تم قبولي في جامعة الخرطوم – كلية الهندسة قسم التعدين، كانت فرحة كبيرة بالنسبة لي ولكنها لم تكتمل بعد، وعند ذهابي للجامعة لأجل التسجيل وجدت أن مسجل الكلية نفسه لا يعلم متى يفتح باب التسجيل، وأضاف نظام الدين بعدها أردت التأكد من وضع الجامعة خلال الفترة الحالية وما يؤل عليه الحال لاحقاً، فتعرفت على عدد من طلاب السنة الخامسة والرابعة الذين أكدوا لي أنها جامعة جيدة في نظامها الأكاديمي والدراسي، ولكن بها مشاكل إدارية كبيرة . مشيرين إلى أنه كان يجب أن يتخرجوا قبل عامين أو عام، ولكنهم حتى اللحظة لا يعرفون ما يحدث، مضيفين أن إضراب استاذة الجامعة المطالبين بزيادة المرتبات أثر كثيراً في العملية الأكاديمية، وبالتالي تراكمت الدفع ، وأوضح نظام أن الفكرة العامة عن جامعة الخرطوم هي أن المتخرج فيها سيكون شخصاً مؤهلاً. كاشفاً عن البحث لحلول أخرى دون جامعة الخرطوم لأنني بهذه الطريقة لا يمكن التخرج قبل عام 2029، وبالتالي عدد من السنوات ستضيع سدى، وقال نظام.. لدي الرغبة في التحول إلى جامعة السودان لأن جامعة الخرطوم (صدمتني) لأن ترتيبها كان جيداً، لكن نتمنى أن تعيد جامعة الخرطوم مكانتها وسمعتها وريادتها، وأن تعود الأوضاع التي أدت لتدهورها إلى ما كانت وبالتوفيق للجميع.
انسداد الأفق ..
محمود إبراهيم وهو والد الطالب نظام الدين الذي تم قبوله بجامعة الخرطوم كلية المعادن قال (اليوم التالي) مسألة هجرة الطلاب عن الجامعات السودانية موضوع مهم جداً لتحليل الظاهرة ومآلاتها المستقبلية على البلاد. فالوضع السياسي المأزوم وارتفاع تكلفة الحياة مقارنة بالحالة الاقتصادية أدى إلى انسداد الأفق الأكاديمي للطلاب حاملي الشهادة السودانية . الأمر الذي دفع بكثير من الأسر للبحث عن بدائل لأبنائها خاصة المقبولين بجامعة الخرطوم، وأضاف.. ابني واحد منهم حيث أصبحت جامعة الخرطوم بحكم موقعها الجغرافي داخل صندوق الأحداث، لاسيما وأنها تعد المطبخ الرائد لصناعة المشهد السياسي . وكان الأسر والطلاب سابقاً يحتفون بها ويحرصون على الانتماء إليها والتخرج فيها. غير أن تكدس الدفعات خلال الفترات السابقة وامتداد أزمان التخرج، في ظل الفشل السياسي المحدقة ، حدا بالكثير منهم للبحث عن مواقع دراسية أخرى، بالإضافة إلى ذلك هناك بعض الجامعات طورت محتويات التخصصات فيها بما يواكب سوق العمل. وأصبحت جاذبة لرغبات البعض. هذا بخلاف ضعف أجور أساتذة الجامعات وهجرتهم لمواقع أخرى، مما قد يتسبب في ضعف أكاديمي لجامعة الخرطوم. وطالب محمود بضرورة إيجاد خارطة يتفق عليها تسمح بعدم توقف الدراسة في الجامعات حتى لا تحدث فجوة في الكوادر المهنية، تكلفنا أكثر مما نتوقع. متمنياً كذلك العمل بأقصى وأسرع ما يمكن بزيادة تعويضات الأستاذ الجامعي بما لا يقل عن ١٠ أضعاف على الأقل حتى لا نفقد من تبقى منهم.
أسباب متعددة
قال وكيل التعليم العالي السابق سامي الشريف، ل (اليوم التالي) إن هجرة الطلاب من جامعة الخرطوم هي لعدد من الأسباب، منها تكدس سنوات الدارسة في الجامعة وتطويل العام الدراسي؛ على عكس ما يحدث في بقية الجامعات . مضيفاً إلى أن مشكلة الداخليات كان لها أثر كبير في هجرة الطلاب. مبيناً أن جامعة الخرطوم كانت من أفضل الجامعات تميزاً، ولكن بسبب أوضاع البلاد التي أصبحت متدهورة من ناحية البيئة كما أن ارتفاع نسبة القبول للجامعة ليست سبباً في الهجرة .
كاشفاً أن إغلاق الداخليات في جامعة الخرطوم كان سبباً رئيسياً في هجرة طلاب من جامعة، بالإضافة للأزمة التي اجتاحت البلاد من جائحة كورونا أيضاً كان لها أثر في تأخر الدراسة، وبالتالي انعكس ذلك على تكدس الدفعات، ولكن إضراب الأساتذة كان له الأثر الكبير في عملية هجرة الطلاب، وبالتالي تحتاج الجامعة لكثير من التغييرات الإدارية لتواكب العملية التعليمية ..
تحقيق – النذير دفع الله
صحيفة اليوم التالي