تحقيقات وتقارير

توسيع اختصاصات وزير الدفاع .. أصل الحكاية!!

أصدر قائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان مرسوماً دستورياً بتوسيع اختصاصات وزير الدفاع (اللواء ياسين إبراهيم ياسين) لتشمل تنفيذ قانون المناطق البحرية والجرف القاري.ووفق مراقبين، فإن هذه الخطوة تعني أن كل ما يتعلق بقانون المناطق البحرية أصبح تحت سيطرة الجيش، ولاسيما الحدود البحرية وما بداخل البحر الأحمر من معادن والتنقيب عنها.‎
وينص المرسوم على أن “تؤول جميع السلطات الخاصة بتنفيذ قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018 لوزير الدفاع من المفوضية القومية للحدود”، بحسب البيان.

ووفق الموقع الإلكتروني للمفوضية فإن السلطات الممنوحة لها بواسطة قانون المناطق البحرية والجرف القاري تتمثل في “منع السفن الأجنبية من المرور البري في مساحات محددة من البحر الإقليمي، وعدم مرور السفن الأجنبية الحربية في البحر الإقليمي”.
وكذلك “مراقبة السفن التي تعمل أو تحمل الطاقة النووية، واتخاذ الإجراءات الجنائية على ظهر أي سفينة أجنبية، وتحديد مناطق السلامة في البحر الأحمر وشروطها، والتصديق بتوصيل الكوابل البحرية”، بحسب الموقع.​​​​​​​

تباينت وجهات النظر حول هذه الخطوة فبعض المراقبين أرجعها إلى تهيئة المناخ لانشاء القاعدة العسكرية الروسية بالبحر الأحمر فيما تشير معلومات أخرى إلى أن الأمر غير ذلك ولا يعدو غير تمدد جديد للجيش على مفوضية الحدود المدنية.

اهتمام روسي
بدا واضحاً من اهتمام وكالة (سبوتنيك) الروسية مدى اهتمام بوتين بالقرار وبحسب تقرير للوكالة قال الخبير في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، محمد محي الدين :”قرار البرهان بنقل مسؤوليات وضع وتنفيذ قوانين البحار والجرف القاري، من مفوضية الحدود السودانية إلى وزارة الدفاع، يحمل أبعاداً متصلة بحجم التهديدات في البحر الأحمر ، وكل دولة لها استراتيجية خاصة به، لذلك فإن الهواجس الأمنية وشواغل الأمن القومي تمثل أهم العناصر الدافعة لاتخاذ هذا القرار”.

ليضيف كما أن وقوعه في منطقة قريبة من مضيق باب المندب، جعتله شريكاً استراتيجياً بارزاً لأي منظومة للأمن الإقليمي، قد تنشأ لتأمين الملاحة في البحر الأحمر لا سيما وأن السودان أصبح جزءاً من مجلس الدول المشاطئة للبحر الأحمر، الذي دعت إلى تشكيله السعودية مؤخراً، وهو تحالف سياسي عسكري، يتوقع له أن يتطور في غضون السنوات القليلة القادمة.”
ولم يستغرب الخبير قرار السلطات نقل مسؤولية الجرف القاري والحدود البحرية إلى وزارة الدفاع؛ وذلك “لاتصال قضايا الحدود بالأمن القومي للبلاد”.
وتابع، القرار “يعزز من دور القوات المسلحة في رسم وتفعيل السياسة الدفاعية، وربطها بالخطط المتصلة بأمن الحدود والتعاون الاستراتيجي مع الدول الأخرى، فيما يتعلق باتفاقات التعاون الإقليمي، لتأمين الملاحة في البحر الأحمر”.
من جانبه، قال المحلل السياسي، الرشيد محمد إبراهيم، لـ”سبوتنيك”، إن “تفويض وزير الدفاع، الفريق ياسين إبراهيم، بشأن قوانين البحار والجرف القاري، للأهمية القصوى في حفظ الأمن القومي، فيما يخص ساحل البحر الأحمر السوداني .. ما دفع تقليص مهام وواجبات مفوضية الحدود السودانية”.

قرار غامض
ومن جهته وصف رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي الدكتور محمد المهدي حسن المرسوم الذي أصدره البرهان بتعيين وزير الدفاع وزيراً مختصاً بتنفيذ قانون المناطق البحرية والجرف القاري بأنه غامض، وقال المهدي إن مفوضية الحدود تتبع لوزارة الداخلية، وتبعية المناطق البحرية والجرف القاري لوزارة الدفاع قرار غامض قد يكون له علاقة بتحركات نائب رئيس مجلس السيادة حميدتي ومحاولاته إعطاء الروس قاعدة على البحر الأحمر. وقال رئيس المكتب السياسي لحزب الامة إن الشعب السوداني يرفض اتخاذ قرارات كبيرة تمس سيادته مثل منح القواعد البحرية قبل وصول حكومة منتخبة وبرلمان يقرر في هذا الأمر.

تجاوز واضح
وبالرغم من أن الخبير في الشؤون القانونية، عبد الرحمن الخليفة، قال لـ”سبوتنيك”، إن “السودان لا يزال محكوماً بقانون البحار لعام 1970، وهو القانون الذي يلزم الحكومة السودانية بالتنسيق المشترك والتعاون على مستوى قضايا البحر الأحمر والجرف القاري، وفق ما ورد في المادة 6 الفقرة أ؛ وهي المادة التي تلزم الدول المشتركة على ساحل البحر الأحمر بتبادل المعلومات”.
ويرى الخليفة أن قرار البرهان “يحمل أبعاداً أمنية بحتة، خصوصاً أن حدود السودان البحرية مع السعودية وإريتريا تزيد عن 730 كيلومترا”. وفيما يتصل بالشأن القانوني؛ قال، “غياب الدور الواضح صلاحيات المفوضية القومية للحدود، دفع مجلس السيادة إلى اتخاذ القرار”؛ مشيراً إلى أن القانون يلزم عرض القرار على مجلس الوزراء والمجلس التشريعي، الغائبان حالياً.

وبحسب خبراء قانونيين قرار البرهان تدحضه نصوص واضحة تشير إلى تغوله في سلطات المفوضية القومية للحدود والتي جاءت في مواد متعددة من قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م مما يعني أن القرار حذف المفوضية القومية للحدود بـ(استيكة) من كافة مواد القانون واستبدلها بـ(وزير الدفاع) مما يقتضي تعديل القانون وفقاً للاجراءات القانونية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019م وليس باصدار مرسوم دستوري.
وفي السياق ذاته هنالك اختصاصات وسلطات حصرية للمفوضية القومية للحدود مثل تعيين خط الاساس وتحديد احداثياته الجغرافية والاعلان عنها وايداعها لدى الأمين العام للامم المتحدة المادة (5) من قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م . وان احالة هذه الاختصاصات لوزارة الدفاع في قانون المناطق البحرية والجرف القاري يؤدي الى تنازع هذه الاختصاصات.
كذلك كافة الاختصاصات والسلطات الممنوحة للمفوضية القومية للحدود هي سلطات قانونية دولية منصوص عليها في اتفاقية الامم المتحدة الدولية لقانون البحار 1982م . وأيضاً اتفاقية المحافظة على بيئة البحر الاحمر وخليج عدن 1982م(بيرسيقا) وغيرها.

طابع قانوني مدني
وفي السياق ذاته معظم الاختصاصات والسلطات الممنوحة للمفوضية القومية للحدود ذات طابع قانوني مدني حيث تتعامل المفوضية مع المنظمات الدولية مثل المنظمة الدولية للبحار (IMO) ومنظمة بيرسقا (Persaga) والمنظمة الدولية لقاع البحار (ISA) ومحكمة التحكيم البحرية (LST) بتنفيذ المهام الموكلة بموجب قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م مثل اجراء الدراسات والبحوث الهيدروغرافية واعمال المسح البحري وتنفيذ القوانين الأخرى مثل قانون الجمارك والضرائب ومكافحة التهريب ومصائد الاسماك البحرية وتنظيم المرور البري للسفن والمحافظة على الاحياء البحرية والبيئة البحرية وهي أعمال ذات طبيعة مدنية وليست عسكرية تقوم بها وزارة الدفاع مما قد يوثر سلباً على علاقة السودان بالمنظمات الدولية والاقليمية وعلاقاته الثنائية مع ملاك السفن ودول العلم والتي تفسر بأن تنفيذها بواسطة وزارة الدفاع بمثابة اعلان حرب عليها .

الجرف القاري
أما بالنسبة للجرف القاري وقاع البحار فهو تخصص متعلق بالقانون الدولي والدبلوماسية متعددة الاطراف والاستثمار والتعدين واستغلال الموارد الحية وغير الحية وهو تخصص بعيد عن هندسة المساحة ووزارة الدفاع وله ارتباط بالبيئة البحرية والدولية والمعادن والكوابل البحرية وأنابيب النفط المغمورة والاقتصاد الازرق ويحكمه اتفاقيات دولية واقليمية ذات طبيعة مدنية.

والمعروف قانوناً بأن تعديل أي قانون لا يستند على توصية مصلحة حكومية بل يخضع للنقاش والدراسة بواسطة لجان قانونية وفنية متخصصة وهو مالم يتم في هذه الحالة كما أنه وفق الاجراءات الدستورية والقانون فان المراسيم لا تعدل من نصوص القوانين وبالتالي فان الاحالة بواسطة مرسوم دستوري لسلطات ممنوحة بموجب قانون لا يجوز ولا يكون نافذاً ..وفق الوثيقة الدستورية فان تعديل قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م بواسطة مجلس الوزراء يرفع الى الجهاز التشريعي المكون من (مجلس السيادة ومجلس الوزراء) مجتمعين معاً للمصادقة على التعديلات المطلوبة .

مدنية مدنية
من الناحية الفنية ذكر خبير لـ(الجريدة) التجربة غير الموفقة التي قام بها وزير الدفاع في العهد السابق بدمج المساحة العسكرية مع المساحة المدنية بقرار وزاري ما نتج عنه تداخل الاختصاصات العسكرية مع المدنية في هيئة المساحة السودانية وجعل الهيئة تعمل بدون هيكل محدد حتى الآن وبدون قانون لأكثر من ثماني سنوات افقد السودان التعامل مع المنظمات والمراكز الاقليمية والدولية ذات الاختصاص بعمل المساحة وأقعدت الهيئة عن القيام بدورها والتنسيق مع ادارات المساحة بالولايات ذات الطبيعة المدنية البحتة ومن المؤكد في حال تكرار التجربة بموجب قرار البرهان ستفقد المفوضية فرص التعاون والتدريب وبناء القدرات مع المنظمات الدولية والاقليمية ذات الصلة بقانون البحار 1982 وقانون المناطق والجرف القاري لسنة 2018م.

محصلات
من الواضح بحسب مقربين من الملف أن المفوضية تحقق دخلاً مالياً من خلال الرسوم التي تتحصلها بحكم مسؤوليتها وتودعها لوزارة المالية وهذا يعني أن القرار فيه محاولة للسيطرة على الموارد وعلى السلطات، ولكن يبقى السؤال هل يستطيع الجيش الاستفادة بعد القرار الأخير في ظل وجود قوانين تؤكد بأن إدارة هذه المناطق قاصرة على مفوضيات الحدود المدنية كما في الأمارات وبنغلاديش ونيجيريا وغيرها، ويرى محدثي بأن القاعدة الروسية ما زالت تأتي في اطار المناورة وأنه يستبعد اتخاذ القرار نتيجة للتمهيد لانشائها ودليله على ذلك حديث البرهان الأخير بالرياض بشأن أمن البحر الأحمر وتخوف السعودية من وجود قاعدة روسية على مقربة من حدودها الغربية كما تشاركها مصر ذات الموقف.

الخرطوم: أشرف عبدالعزيز
صحيفة الجريدة