رمضان شهر الصدقات
عجيب إن إسم الربا من يربو أي يزيد لكنه عند الله نقصان فهو ممحوق ليس فيه بركة ولا زيادة ولو رآه الناس يزيد فسرعان ما تمحقه الخسارات والمصائب التي تتنزل على المرابي حتى لا تترك له من مال الربا إلا الشقاء. وأما
الصدقات التي هي إخراج المال تعاطفا مع الآخر الفقير من ذوي القربي والبعيد الجنب فهي وإن بدت وكأنها نقصان فهي كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما نقص مال من صدقة).
والصدقة في الأصل : هي كل مال يعطى تطوعاً،
وسميت أموال الزكاة صدقة، كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 60).. كما استعمله اسماً للمال الذي يعطيه الرجل للمرأة في زواجه منها.. وهو المهر.. جاء هذا الاستعمال في قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) (النحل4-وهذا يدل على أن المهر تطوع وهدية محبة وإلفة، وإن كان مستحقا، وليس ثمنا للبضع، كما يقول بعض من يفسرون النصوص من غلاظ الأكباد. فكلمة تصدق وردت حيثما وردت بمعنى الإنفاق التطوعي،
(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) (يوسف/ 88) (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَات اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء/ 114- والصدقة الكاملة لا تأتي إلا من قلب في لحظة حب وتعاطف ورعاية، ولذلك فهي مثل الحلوى أنما تغلف بغلاف جميل من المحبة واللطف.
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (البقرة/ 263
والصدقة بعد الصلاة الواصلة الخاشعة هي أسرع براق لرضوان الله تعالى، وقد وضعت في الموضع الثالث بعد الإيمان والصلاة( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) البقرة3- وقد ذكرت كلمة الصدقة ومشتقاتها بضعا وخمسين مرة في القرآن، وقرنت بالجزاء الدنيوي والأخروي، وهو أزاحة الخوف والحزن عن القلوب ، ومن بعض ذلك هو الشعور العميق بالسرور والحبور يغمر المتصدق عندما يشهد أثر صدقته على من تصدق عليه ثم يجد أجرها في الدنيا والآخرة . وأما رمضان فهو شهر الصدقات بحق، ورمضان شهر كريم فكن كريما مثل الشهر الكريم،
وقد كان سيدي رسول الله صلي الله عليه يشبه أصحابه بالريح المرسلة الندية وكان يعطي عطاء من أيقن قلبه أ(نه ما نقص مال من صدقة) وعطاء من لا يخشي الفقر ،
فرمضان شهر الزكوات والصدقات. وجعلت فيه زكاة الفطر متعينة واجبة على كل صائم، فالغني يعطي ولا يأخذ، والفقير يعطي مما يأخذ، فهو شهر الدربة على العطاء، وهو شهر المحبة والأخاء، فإنما المؤمنون أخوة، والناس جميعا في الإنسانية أخوة، وإنت تقرأ في الكتاب (وإلى عاد أخاهم هودا) فآصرة الإنسانية تبقى في كل حال حتى حال المكذبين فسبحان الله رب العالمين.
د. أمين حسن عمر