رأي ومقالات

حليم عباس: هل كان السودان ملكاً ل”أربعة طويلة” و سرقه منها العسكر؟


فكرة العودة للشراكة مع العسكر بالنسبة لأحزاب الحرية و التغيير ليست مجرد خيار سياسي، و لكن عقلهم السياسي لا يستطيع أن يفكر إلا من خلال مبدأ الشراكة. فهم يتكلمون عما يسمونه ب”عملية إنهاء الإنقلاب” و وضع ترتيبات دستورية جديدة و من ثم استيعاب بقية القوى السياسية من أطراف السلام و القوى السياسية الأخرى في العملية السياسية، يتكلمون عن كل هذه القضايا كأمور يتم حسمها بواسطة طرفين أساسيين هما قحت و من في يدور في فلكها من لجان مقاومة و العسكر (الإنقلابيين) من جهة أخرى. بقية الأطراف سواء كانت حركات مسلحة أو أحزاب سياسية ستتم معالجة أمرها من خلال ما يتم التوصل إليه بين قحت و من معها من جهة و العسكر من جهة أخرى، بعبارة واحدة، أطراف اتفاق كورنثيا، و ذلك ضمن ملفات جزئية مثل قضية السلام و الترتيبات الأمنية و الدستورية، و كنوع من التفضُّل من أصحاب الحق الأصليين!. فإذا لم تكن هذه هي الشراكة فما هي الشراكة ؟
من أين تستمد هذه القوى الفاشلة كل هذا الشعور بالاستحقاق؟
لقد أخطأ العسكر في المرة الأولى عندما عقدوا اتفاق كورنثيا مع قوى الحرية و التغيير و النتيجة كانت إطاراً سياسياً فاشلاً بكل المقايسس و انتهى الأمر بقرارات 25 اكتوبر.
و لا يبدو أن القحاتة قد تعلموا أي شيء من هذه التجربة، بل بالعكس فقد أصبحت شراكة كورنثيا هي نموذجهم الأساسي للسياسة و الحوار و التفاوض، و لذلك يثيرون كل هذه الضجة لمجرد حضور و مشاركة قوى سياسية في حوار من المفترض أنه وطني و شامل و يُعنى بحل الأزمة السياسية السودانية، و ليس أزمة شراكة كورنثيا المعطوبة التي كانت في الأساس مجرد خطأ و انتهى إلى نتائجه الحتمية. فلماذا تصر قحت على سجن السودان و مصيره داخل لحظة كورنثيا؟
إذا كان العسكر قد انقضوا على شراكة كورنثيا و أطاحوا بها، فهذا مما يحسب لهم. ذلك الإطار كان يجب أن ينتهي، لأنه إطار مبني أساساً على مبدأ الإقصاء و الاستحواذ و اختطاف الإرادة الوطنية كلها لمصلحة أحزاب معدودة هي أحزاب ما عُرف لاحقا ب “مجموعة 4 طويلة”. فعلى هذه المجموعة أن تكف عن التصرف كما لو أن لها مُلك ضائع لدى العسكر ورثته من أجدادها و تريد استعادته منهم.
السلطة هي سلطة الشعب السوداني و يجب أن تعود إلى الشعب السوداني وفق وسيلة معروفة هي الانتخابات الحرة، و من أجل الوصول إلى هذه المرحلة هناك ترتيبات يجب أن تشارك فيها كل القوى الوطنية و أن تصل حولها إلى إجماع أو توافق كبير يكون هو أساس الانتقال.
لا أعتقد أن المكون العسكري سيرضخ مرة أخرى إلى ابتزاز قوى “أربعة طويلة” التي فقدت كل أوراقها و أصبحت أقرب إلى الوكيل لقوى خارجية أكثر من كونها قوى وطنية تتحرك من تلقاء نفسها. و في النهاية العسكر لا يملكون هذا البلد حتى يتفضلوا به مرة أخرى على قحت، هناك قوى سياسية و اجتماعية لا يُمكن تجاوزها، لا يستطيع العسكر و لا القوى الإقليمة أو الدولية أو أي قوى أُخرى تجاوزهم. لا تضيعوا المزيد من زمن الشعب السوداني. فليس هناك من حل سوى الحوار الشامل الذي يضمن مشاركة الجميع بالتساوي، بدون أدعاء أحقية أكبر من أي طرف من الأطراف. و في النهاية الفيصل هو الانتخابات.

حليم عباس