رأي ومقالات

مسلسل قيامة أرطغرل (3/3)

تفوّق المسلسل في تصوير الأعمال الحربية التي تستند بصورة أساسية علي الفرسان ومهاراتهم في استخدام السيف والرمي بالرماح وركوب الخيل ..
وصارت صلصلة السيوف في حلقات المسلسل صوتاً محبّباً يعمّر أيام أولئك المجاهدين وليالي عشّاق هذا المسلسل حيث يرتفع هرمون الأدرينالين عند عشّاق أرطغرل الذين يحبسون أنفاسهم وجلاً علي أرطغرل وأبطاله الفرسان عندما يحمي وطيس تلك المعارك ويعلو غبارها
صاحب أرطغرل من بداياته في نواحي نهر الفرات وحتي استقراره بسوغوت في قلب الأناضول فرسان أماجد ويلقب الواحد منهم بلقب ألب ويعني محارب وهم يخاطبون أرطغرل بالسّيد أرطغرل ولقبه التاريخي الغازي أرطغرل وعندما يحيونه يضع أحدهم كفّ اليد اليمني فوق القلب ويضم الساعد علي الصدر .. ويخرجون من خيمة السيادة بالسير القهقرى لعدة خطوات حتي لا يعطوا السيد ظهورهم ..والتحية بوضع الكف والساعد علي الصدر يبذلونها لكلّ محترم
ومن عادات المحاربين الإخاء بالدم وهي عادة غير إسلامية إذ يجرح كلّ محارب يده ويختلط الدمان فيصيران أخوين ينافح أحدهما عن الآخر .. ولم نرّ أرطغرل أو أحد محاربيه يمارس تلك العادة ..
ومن هؤلاء المحاربين شديد المراس تورغوت ألب الذي قام بدوره الممثل التركي جنكيز جوشكون (ممثل وعارض أزياء ورياضي) وتميّز تورغوت في المسلسل التاريخي بالقتال بالفأس بدلاً عن السيف يحزّ بها الرؤوس جزّاً وأسميته أبا فرّار وهو عند السودانيين داء السحائي الذي يحزّ الرقاب جزّاً مثل أخينا تورغوت ..
تعرّض تورغوت لمآسٍ عديدة فقد فقد زوجته الحبيبة آيكِز التي قتلها المغول حرقاً وهي عروس .. وكذلك أَسَره حرّاس المعبد البيزنطيين أسراً طويلاً أذاقوه فيه شتي صنوف العذاب حتي خلصه أرطغرل منهم ..أثّرت كل تلك الأحداث علي نفسية تورغوت فصار قليل الكلام .. ولكن فأسه لم تُثلم ولم تسأم من جزّ الرؤوس رضي الله عنه وأرضاه ..
أقنع أرطغرل تورغوت بعد عدة سنوات من الأسي علي آيكز بزواج الجميلة أسليهان سليلة عزّ قبيلة الشافدار وأميرتها والتي كان يخفق لها في نفس الوقت قلب الأمير السلجوقي سعد الدين كويبك وقتلها الأخير طعناً بالخنجر ثأراً لكرامته المجروحة بعد زفافها إلي تورغوت وصار موتها خلف كيٍّ لترغوت …
أما دوغان ألب ذلك الفتي الضحوك الممزاح فقد كان ماهراً في استخدام السيف رغم قصره وكان مرحاً لطيفاً ودوداً ومخلصاً لسيده أرطغرل وقد استشهد باكراً في كمين نتج عن تسرّب معلومة عارضة وترك أرملته بانوشيشك المحاربة الصارمة تجتر ذكرياتها وتعاني هي ووليدها من ألم فراقه.
أما بامسي ألب فهو فاكهة حلقات المسلسل المتطاولة ويصدق عليه المثل الذي يقول: أجسام البغال وأحلام العصافير ..
واشتهر بامسي بالقتال بكلتا يديه بسيفين ذوي شفرات كأمواس جاليت جي تو وبكفاءة قاتلة ..
وأحياناً حين يحمي الوطيس يرمي بامسي بسيفيه أرضاً ويلطم الأعداء لطماً يجعلهم يرون النجوم عزّ الظهر فلله درّه المرح الأكول الذي تدرج حتي صار رئيساً لمحاربي أرطغرل .
وتزوّج بامسي أميرة بيزنطية أسلمت بعد أن أنقذها من الموت في فخ بيزنطي نصبه لها أعداء أبيها وأسماها حفصة ..
وبقية ذلك العقيد النضيد من المجاهدين المحتسبين الأخيارمنهم : عبد الرحمن ألب وهو حارس خيمة أرطغرل وحرسه الشخصي وشغل نفس هذه المهام في عهد والد أرطغرل سليمان شاه ودمرل ألب وملك شاه ألب وسامسا ألب وجون كوت ألب وغيرهم من الجنود الأشاوس المجاهدين الذين ساهموا في وضع اللبنات الأولي لسلطنة آل عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه.
استخدم المخرج فنيّات عالية في تصوير المعارك بما في ذلك عمليّات حزّ الرؤوس وتكثيف الحشود وتكثير عدد الخيام ومحاولة إخفاء معالم المدنية الحالية خلا عن لقطة ظهرت فيها أسلاك كهرباء من بعيد.
المسلسل جيد الصناعة والحبكة الدرامية بالرغم من أنّ المخرج محمّد بوزداغ لم يدرس الإخراج السينمائي وتخرج من كلية العلوم الاجتماعية بجامعة صقاريا التركية ولا يتحدّث غير اللغة التركية ويكفي المخرج محمد بوزداغ فخراً أن دعاه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادور لإخراج مسلسل عن سايمون بوليفار محرّر أمريكا الجنوبية ..
أجاد ممثلو مسلسل أرطغرل تقمص الشخصيات التاريخية .. وصار الممثل والمذيع إنجين ألتان دوزياتان الذي قام بدور أرطغرل نجماً عالياً في سماه بلبسه المميز واستخدام يده اليسري في القتال ودورانه القاتل صارخاً عند قطع أعناق الخونة ..
يجسّد المسلسل أحداثاً تاريخية لا تختلف في مجملها عن أوضاع أمتنا الحالية .. ويستخدم أرطغرل تعبيرات مثل العالم الإسلامي والأمة الإسلامية وهي مصطلحات لم تكن معروفة في ذلك الزمان ولكنها تخدم الخط القيمي والفكرة الهادية للمسلسل وهي فكرة إعادة بعث الحضارة الإسلامية وإيقاظ الأمة النؤوم …
أتمني أن يبثّ تلفزيون السودان هذا العمل التاريخي الفني الباذخ ..

بابكر إسماعيل
٩ / ٧ / ٢٠٢٢