تحقيقات وتقارير

كوارث الفيضانات .. تجاهل خطورتها رغم التحذيرات المتكررة

بالرغم من النداءات المتكررة من الجهات المختصة بالرصد الجوي للمواطنين والحكومة بخطورة خريف هذا العام التي توقعت زيادة كبيرة في مناسيب الأمطار والسيول إضافة إلى زيادة مناسيب نهر النيل؛ إلا أن الحكومة لم تولِ تلك النداءات أي أهمية تذكر. ففي أول أغسطس الجاري شهدت عدد كبير من ولايات البلاد بداية موسم الخريف وهطول الأمطار التي تراوحت مابين الغزيرة إلى المتوسطة في معظم أنحاء السودان، ولم تجد تلك الأمطار خططاً وإمكانياتٍ لمجابهتها فكان المتضرر الأول هو المواطن، حيث شهدت الأيام الماضية انهياراً لآلاف المنازل في مناطق متفرقة إضافة إلى انقطاع عدد من الطرق القومية والداخلية، الأمر الذي ضاعف من حدة المعاناة بتلك المناطق المنكوبة .

ويقول المحلل السياسي محمد إدريس إنه في كل عام تقول الغرفة المختصة بطوارئ الخريف إن الخريف يفاجئ الحكومة لكن هذا العام جاء الخريف ولم يجد حكومة، وأضاف في إفادة لـ(الحراك) أن الشئ الأساسي هو المشاكل الموجودة بالبنى التحتية التي لم تعالج في هذا العام ولا بالإعوام الماضية،وهنالك تمدد بشكل المدينة بدون عمل بالخطط الكنتورية أو التخطيط الذي يسبق إنشاء المدن،فعند قيام مثل هذه المدن الجديدة تظهر مشاكل متعلقة بالتصريف وإغلاق القنوات المختصة بتصريف المياه .

وتابع إن الإشكالات التي حدثت في مناطق السودان الأخرى مثل كسلا “القاش”والقضارف في مناطق “الحواتة والمفازة” السبب الرئيسي هو عدم وجود تصريف وتطوير لمشروعات حصاد المياه، وقال يمكن أن نستفيد من الخريف في مشروع حصاد المياه وحل قضايا العطش في ولايات السودان المختلفة في فترات مابعد الخريف،الخريف يتحول من نعمة إلى نقمة بسبب عدم توظيف مثل هذه الموارد والمياه لصالح الإنسان .

وأكد على وجود كارثة في ولاية نهر النيل وسببها هو عدم وضع التحوطات اللازمة والآن يجب أن تتم نفرة كبيرة من أبناء السودان وأبناء نهر النيل داخل وخارج البلاد، لتوفير الدعم اللوجستي والسكن وغيرها إضافة إلى إنشاء مناطق إيواء لقرابة الـ5 آلاف فقدوا سكنهم، فهنالك أكثر من 400 ألف منزل دمرت تماماً في مدينة بربر ومايقارب الـ500 دمرت جزئياً.

وأردف أن في ولاية الجزيرة الحال كما هو ببقية مدن السودان فهنالك 28 منزلاً داخل الولاية دمرت بالكامل، ونحو 111 منزلاً انهارت انهياراً جزئياً والمؤسف هنا أن الاستجابة من قوات الدفاع المدني ضعية جداً، لضعف الإمكانيات المتوفرة لمجابهة أخطار طوارئ الخريف. وأما بالنسبة لوضع التحوطات من الأجهزة الرسمية الأخرى ضعيف جداً، والآن فصل الخريف في بداياته .

وتابع ظلت تتكرر هذه المشاهد في كل عام لعدم وجود رؤية كافية تتم من خلالها معالجة حتى داخل ولاية الخرطوم، هنالك أماكن تكون بها مشاكل بالحركة خاصة للمواطنين الذين يسكنون بداخلها،وفي قرى ولاية الخرطوم الكثيرون يلتحفون الأرض ويفترشون السماء .

وشدد على أنه يجب على بقية الولايات تدارك هذه الأخطار التي حدثت في الولايات المتأثرة وعليها تدارك الأمر، بالبدء في عمليات فتح القنوات وغيرها من المسائل التي ارتبطت بوجود قصور من الحكومات في الولايات .

وقال هنالك مظاهر متداولة في كل عام شاهدنا ذلك بوضوح بحكومة البشير وحكومة حمدوك عندما خاض في مياه مناطق الجيلي، والآن ستلامس مثل هذه الصور أنظارنا في الأيام القادمة،لأن هذا هو الشئ الوحيد الذي تستطيع أن تفعله الحكومات .

وفي الأثناء قالت الدكتورة بإدارة الكوارث الطبيعية والبيئية ريان الحسين في إفادة لـ(الحراك) إن وحدة الدفاع المدني، رغم النداءات المتكررة التي تطلقها بأن تتحول القرى من الضفاف إلى المناطق المرتفعة حولها وتفادي مدالق السيول، إلا أن الأهالي بتلك المناطق يصرون على البقاء حيث هم، ويتكرر المشهد كل عام فتتوسد الأسر الأرض وتلتحف السماء، وتصرف الكثير من الأموال في الإغاثة والإيواء المؤقت،وينتهي الأمر بانتهاء الخريف ويعاد للنفير وغير النفير وبنفس المواد التي لاتصمد مع أول سيل أو أولى أمطار الخريف .

طالما أن الأهالي بتلك المناطق متمسكون بأراضي الجدود إذن لاتوجد حلول إلا وجود بناء لايتأثر بالسيول الجارفة والأمطار الغزيرة، ففي كثير من أنحاء البلاد تنشأ القطاطي والدرادر مرتفعة عن الأرض بحيث تسمح للمياه بأن تكون تحتها دون أن يتأثر الساكن بها،فلن تضل السيول طريقها فلابد من التصالح معها .

ويرى مختصون، أن السودان بلد موعود بخير المياه ووعيدها وليس من المستغرب أن تكون الأنهار والوديان وروافد النيل جزءًا مهمًا من تاريخ البشرية، وكذلك واحدة من أخطر مهدداتها فهي بقدر ما توفر من غذاء ومياه عذبة ومزارع إنتاج حيواني وسمكي وأراضي خصبة لزراعة المحاصيل الغذائية والنقدية، إلا أنها تتمرد كثيراً وتهلك الحرث والنسل وتتسبب في كوارث كالتي رأيناها في ولايات نهر النيل وكسلا. هذا يعني أن الماء بقدر كونه ضرورياً للحياة، إلا أنه قوة مدمرة أيضًا وهو أمر لن يتوقف طالما أن السماء تمطر والأنهار تجري.

ويشيرون إلى أن السيول والفيضانات من أكثر أنواع الكوارث الطبيعية شيوعًا في السودان وشهر أغسطس يتزامن فيه همر الأمطار مع دفق السيول وطغيان النيل، ودوماً ما تكون النتائج قاتلة وكارثية تخلف أضراراً مادية ونفسية وصحية ودماراً في البنى التحتية، وستنتشر تبعاً لذلك الأوبئة المنقولة بواسطة البعوض والذباب كالكوليرا والملاريا وغيرها من الأمراض المعدية، تدرجاً من الحالات الالتهابية وصولاً للأمراض المزمنة. وكذلك يتجاوز الأمر أضراراً على الآثار والحضارة والحياة البرية وانحسار الأنشطة الإنتاجية من زراعة ورعي واستثمار، وقد رأينا ما جرى للعديد من البساتين ونفوق عدد كبير من القطعان وانهيار المتاجر والمنازل وحالة من الذعر واللا استقرار تشهدها تلك المناطق.

أما الآثار غير المنظورة هي التلوث واختلاط المياه النظيفة مع مخلفات قاتلة خصوصاً أن منطقة نهر النيل، بها مناطق تعدين تستخدم أحواضاً سطحية ستختلط مياهها الملوثة مع مياه الفيضان، لتخلف أثراً صحياً خفياً والواجب هو الاستعداد لكارثة صحية تفوق الكارثة الماثلة، الأمر الذي سيضر مستقبلاً أيضاً بالأحياء المائية ومستويات الإنبات وخصوبة التربة في بعض المناطق الزراعية.

ويعتبرون أن حادثة انهيار الطرق تبعاً للفيضانات ليست جديدة وذلك لأن البنى التحتية في السودان يتم التلاعب بها وقد أحصيت في طريقي لنهر النيل حوالي الـ 16 مزلقان في وديان وخيران موسمية جميعها فنياً، من المفترض أن تشيد عليها جسور ولكن للتلاعب الذي تنتهجه الشركات والمؤسسات المعنية يتم إلغاء هذه الكميات مع تضمينها ضمن موازنة الطرق القومية .. ولكن هذا لا يعني أن الفيضانات شر مطلق ففي طياتها خير وفير يمكن عبرها تجديد المياه الجوفية وتعزيز المخزون الجوفي واستزراع المناطق التي تغمرها أطماء الفيضان، وكذلك يمكن بذر ونثر بذور الأشجار الصحراوية في المناطق القاحلة ليسهم ذلك في الحد من الزحف والتصحر، في كثير من مناطق الولاية وبقاع السودان المختلفة.

تقرير ـ إيمان الحسين
صحيفة الحراك السياسي