أشهر طرائف العالم… عندما نموت فعلاً من الضحك
قد يموت المرء من الضحك فعلاً وهذا أمر معروف، إذ يروي المؤرخون عن أنواع من التعذيب الوحشي خلال حرب الـ 30 عاماً على سبيل المثال، إذ كان الآسرون يطلون بالملح قدمي الأسير ويتركون الماعز يلعقهما حتى يموت المعذب من الضحك فعلاً.
وأثبتت البحوث الحديثة في مجال المخ والأعصاب أن قدرة الإنسان على الفكاهة والمرح والسخرية المهذبة هي التي تجعله الأرقى بين بني جنسه، فالبقاء للأكثر مرحاً وليس للأقوى.
والاستمتاع بالفكاهة والنكات التي تحتوي على رموز وتورية من طبيعة الأذكياء، وكلما ازداد الذكاء استمتع الإنسان بالنكتة حتى يصح القول إننا لا نضحك من النكتة بقدر ما نضحك إعجاباً بذكائنا على أننا فهمناها.
أصل النكتة والضحك
هناك أسئلة عدة تواجه الباحثين في طبيعة هذا الفن الساخر الذي نسميه النكتة، وهو فن يرتكز على تقنية لغوية بالغة التكثيف والسخرية وشديدة النفاذ بمضامينها التي تغني الواحدة منها عن مقالة كاملة أو حديث مسهب، إنها المنشور الذي ينفذ بسخريته اللاذعة إلى الأعماق، كما جاء في بحث عبدالله الهاشمي في مجلة القافلة السعودية بعنوان “النكتة: أصلها وحقيقتها”.
النكتة في شكلها الكلاسيكي مختصرة جداً على غرار “كنت قبيحاً جداً حينما ولدت لدرجة أن الطبيب صفع أمي”، وبحسب فرويد فإن النكتة الماكرة تحرر الضاحك من نير القلق والأفكار السلبية والنتيجة هي استبعاد طاقة التوتر من خلال عضلات الوجه والجهاز التنفسي، إذ تعمل الضحكة على غسل الدواخل مما يجري فيها من عواطف سالبة.
تطورت النكتة العربية مع انفتاح العرب على الحضارات الجديدة خلال الفتح الإسلامي وبعد استقرار الفتوحات والحكم، وباتت مظهراً من مظاهر البذخ في القصور والديوانيات الأنيقة إلى أن صارت متنفساً يروح الناس به عن أنفسهم أوقات الضيق، ويقول مثل عربي قديم “إن الرجال لفي سجن إلى أن يغمرهم الظرف”.
ومن أشهر كتب الطرائف في التاريخ العربي القديم كتاب “أخبار الحمقى والمغفلين” لأبي الفرج بن الجوزي و”البخلاء” للجاحظ، لكن أشهر الشخصيات الفكاهية على مر التاريخ العربي كانت شخصية جحا التي نسجت حولها الطرائف كل شعوب آسيا تقريباً، وعاصر الدولة الأموية ومات في خلافة المهدي عن 90 سنة.
ويمثل جحا شخصية الرجل العاقل الذي يصبح مجنوناً أو يتظاهر بالجنون ليستطيع التعامل مع الناس، واشتهر أيضاً أشعب والبهلول.
ومن نكات جحا أنه اصطحب أحمقان وبينما هما يمشيان في الطريق يوماً قال أحدهما للآخر تعال نتمنى، فقال الأول أتمنى أن يكون لي قطيع من الغنم عدده 1000، وقال الآخر أتمنى أن يكون لي قطيع من الذئاب عدده 1000 ليأكل أغنامك، فغضب الأول وشتمه ثم تضاربا، مر جحا وسألهما فحكيا له قصتهما وكان جحا يحمل قدرين مملوءين بالعسل، فأنزل القدرين وكبهما على الأرض وقال لهما “أراق الله دمي مثل هذا العسل إن لم تكونا أحمقين”.
الدراسة التي أجرتها جامعة “وولفر هامبتون” عن أقدم نكتة مدونة وهي سومرية الأصل، أما أقدم نكتة مدونة في التاريخ فرعونية يعود أصلها إلى 1600 قبل الميلاد وهي “كيف ترفع معنويات الفرعون سنوفرو حين يذهب لصيد السمك؟ الجواب ترمي أحد العمال من دون أن يدري ثم تصيح بأعلى صوتك هناك سمكة كبيرة يا سيدي”.
النكات الأقدم في التاريخ
النكتة التاريخية الأولى، التي توصلت إليها الدراسة، كانت عام 429 قبل الميلاد، “ما هو الحيوان الذي يمشي على أربع في الصباح وعلى اثنتين في الظهر وثلاثة في المساء؟ الجواب هو الإنسان يمشي على أربع وهو طفل وعلى رجلين في شبابه ويستخدم عصا في الشيخوخة”.
النكتة التاريخية الثانية هي “أن فلاحاً حاول تعليم حماره أن يعيش من دون طعام، لذا لم يقدم له أي طعام لفترة من الوقت، وعندما مات الحمار من الجوع قال الرجل “واحسرتاه” مات الحمار في اللحظة التي تعلم فيها أن يعيش بلا طعام”.
أما أطرف نكتة في العالم فقد تم اختيارها بعد أن أجرت “الرابطة البريطانية لتطوير العلوم” استفتاء عام حولها، وأجري استطلاع الرأي عبر الإنترنت شارك فيه أكثر من مليوني شخص عبر العالم وتم اختيارها من بين 40 ألف نكتة، وهي “كان صيادان في الغابة ووقع أحدهما فاقداً الوعي وتوقف تنفسه وجحظت عيناه، اتصل زميله بالنجدة وقال خائفاً للموظف الذي رد عليه، صديقي مات ماذا يمكنني أن أفعل؟ فرد عليه الموظف في هدوء قائلاً فلتهدأ، أولاً تأكد أنه مات بالفعل، وساد الصمت للحظة قبل أن يسمع دوي طلقة ويعود الصياد إلى هاتفه ليقول، الآن تأكد موته، ماذا أفعل؟”.
ويعلق الطبيب النفسي جوربال جوسال على هذه النكتة بالقول “النكتة الأكثر جاذبية هي التي تجعل الناس يشعرون بتحسن، لأنها تذكرهم أنه يوجد دائماً شخص ما يفعل شيئاً أكثر غباء منهم”.
وجاءت خلاصة هذا البحث لتفيد بوجود فروق واضحة في النكات التي يجدها الناس مضحكة بحسب الثقافات التي ينتمون إليها، فالبريطانيون والإيرلنديون والأستراليون والنيوزيلنديون يفضلون النكات التي تشمل اللعب على الألفاظ، بينما يفضل الأميركيون والكنديون النكات التي يبدو أبطالها أغبياء، أما في بقية أجزاء أوروبا فيفضل كثيرون النكات ذات الطابع الذهني، بحسب بحث عبدالله الهاشمي المتكامل حول النكتة والطرائف.
أول من اخترع النكتة
ورد في التاريخ الإغريقي أن بلاميدوس، بطل حرب طروادة، هو أول من اخترع النكتة، وورد إلينا كتاب واحد عن النكتة باللغة الإغريقية يعود إلى القرن الرابع أو الخامس الميلادي ويشتمل على 264 نكتة بعنوان “الحبيب الضاحك”.
وجاءت طبيعة النكات في هذا الكتاب مختصرة ومركزة مثل “سأل حلاق أجيراً كيف تريدني أن أقص شعرك؟ فأجاب الأجير في صمت”، ويذكر أن هذه النكتة تعد من ضمن أقدم 10 نكات مدونة في التاريخ.
عادت النكات لتظهر في أوروبا مع بدايات عصر النهضة على يد الإيطالي بوجيو براسكيلوني المولود في عام 1380 وتوفي في 1459.
ونشر بوجيو كتابه بعنوان Liber Facetiarum”” والمعروف اختصاراً باسم “Facetiae” أي الفكاهة في عام 1451.
ويحتوي الكتاب على 273 نكتة جمع معظمها من خلال رحلاته العديدة في أنحاء أوروبا، ويعود بعضها منها إلى القرنين الـ 12 والـ 13 الميلاديين.
من أمثلة النكات التي وردت في الكتاب “كان رجل بالغ البدانة مسافراً إلى فلورنسا في إحدى الأمسيات، وفي الطريق سأل أحد الفلاحين، هل تعتقد أنني أستطيع الدخول عبر بوابة المدينة؟ فرد عليه الفلاح متهكماً من بدانته، لم لا، إذا كانت عربة من التبن تستطيع ذلك فسوف تستطيع أنت أيضاً”.
وفي الفترة نفسها تقريباً في إنجلترا، طبع ويليام كوكستن وهو أول ناشر إنجليزي، أول كتاب للنكات في عام 1484، حوى بعض النماذج من نكات بوجيو، ومع هذا التطور الذي صاحب ظهور حرفة الطباعة صارت النكات في عهد شكسبير شديدة الرواج لدرجة أنه أورد بعضاً منها في مسرحياته.
أما النكتة الإنجليزية فقد تبلورت مع ظهور أعمال جو ميلر، الممثل المسرحي اللندني المغمور، بعد نشر كتابه بعنوان نكات جو ميلر في عام 1739 والذي طبع في العام الذي تلا وفاته.
يحتوي الكتاب نكات مثل “سئلت سيدة كيف أحبت رجلاً يغني ورائحة فمه كريهة، فأجابت بأن الكلمات التي تنتقل مع الهواء جيدة ولكن الهواء لا يطاق”.
البحوث حول النكات والضحك
في عام 1960 جمع الأميركي جيرشن ليقمان أول كتاب ثم نشر كتاباً آخر عام 1975 بعنوان “جدي إلى حد بعيد”. وحوى الأخير أكثر من 1000 صفحة من النكات الأكثر بذاءة مقارنة بالكتاب السابق.
أراد ليقمان بكتابيه تحليل الجوانب النفسية في النكتة وما تحويه من عنف لفظي موجه من الرجال ضد النساء في الغالب، وتعرض ليقمان للإقصاء من جانب مجتمع المثقفين بعد نشره لتلك الكتب، كما صنف رجلاً خطراً من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي، على الرغم من أنه من جعل النكات وتحليلها علماً قائماً بذاته.
وقد وجد في أبحاثه أن النكتة لا يتم اختراعها ولكنها تتطور، فمعظم النكات المتداولة حالياً تعود في أصولها إلى مئات السنين، ولكنها قد تظهر في كل مرة بثوب مختلف بحسب ما يخلع عليها الوسط الثقافي المتداولة فيه من مظهر جديد.
يقول مارفن مينيسكي، وهو أحد آباء الذكاء الاصطناعي، إن النكتة تطورت لتبيان الخطأ في منطقنا، أي عندما يضل منطقنا، فإن الضحك يعيد لفت تركيزنا إلى الخطأ.
أما عالم البيولوجيا جون ماكرون فقد بحث عن الضحك في الدماغ ووجد أن الضحك لا يحدث فقط حين نكتشف خطأ أو مفارقة قد تم علاجها بطريقة ذكية، لكن يبدو أن المتعة العقلية ناتجة من الوصول إلى روابط أو مفارقات لا نتوقعها، وتتم هذه العملية في الجزء المتطور حديثاً من أدمغتنا وهو القشرة العلوية، وقد تم التوصل إلى تحديد المنطقة المسؤولة عن الضحك في الدماغ عن طريق الصدفة، وتبين أنه من خلال استثارتها بتيار كهربائي خفيف، فإن الشخص يجد كل ما حوله مضحكاً.
ظاهرة إنسانية أم ظاهرة خلقية؟
في بحث أريج المحفوظ حول عالم الضحك المنشور في مجلة القافلة، تتساءل “الضحك ظاهرة إنسانية أم ظاهرة خلقية؟”، وتجيب بأن فلاسفة العصر الحديث يرون أن الإنسان هو الوحيد الذي يعرف كيف يضحك، وينتهي الفلاسفة إلى أن الضحك ظاهرة إنسانية لا نظير لها عند الحيوان، بينما يرى علماء النفس أننا ما دمنا لا نعرف لغة الحيوان والطير فلن نعرف أبداً إذا كانت تضحك أم لا. الفيلسوف العربي أبو حيان التوحيدي يرى أن الضحك قوة ناشئة من تفاعل قوتي العقل والغريزة في الإنسان، وهو حال من أحوال النفس تنشأ عندما يرد إليها استظراف أي شيء طارئ يجعلها تتعجب، ويقول إياك أن تعاف سماع هذه الأشياء المضروبة بالهزل الجارية على السخف، فإنك لو أضربت عنها جملة لنقص فهمك وتبلد طبعك.
وعلم الضحك علم حديث، فالدراسة العلمية لتأثير الضحك لم تبدأ إلا في ستينيات القرن الماضي، بدأها طبيب الأعصاب وليم فراي في جامعة ستانفورد الأميركية الذي يعد مؤسس علم الضحك.
وأكد علم النفس ما وصل إليه التوحيدي بأن للضحك فوائد كبيرة في علاج بعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق. وأثبتت الدراسات أن الضحك يرفع مستوى الأداء العقلي وقدرة الإنسان على الاحتفاظ بالمعلومات أطول مدة ويقوي الذاكرة ويحد آثار الشيخوخة، ويزيد القدرة على التأمل والاسترخاء وهو دواء مضاد للتشاؤم واليأس والغضب، بل يساعد الضحك والمرح في جعل العلاقة الزوجية أكثر استقراراً وراحة.
إندبندنت عربية