رأي ومقالات

من يستطيع اظهار قوته ضد المجرمين عليه بذلك


*من يستطيع اظهار قوته ضد المجرمين عليه بذلك*
*ومن يستطيع التضامن مع أسرة الضحية بالمال فهذا متاح*
*ومن يقول كلمة حق ضد الدولة التي ترعى هذه العصابات فهذا أيضاً واجب*
المقال طويل نسبياً لكنها كلمات ضرورية في مقام الفاجعة والغضب هذا
بورتسودان في عهد الزعماء الجدد
من هدر الهيبة إلى تأكيد الخيبة
محمد عثمان إبراهيم
حتى سنوات قريبة كانت لبسة الصديري البجاوية الزاهية تحظى بإحترام وتكسي صاحبها الوقار والهيبة حتى كادت أن تصير الزي القومي السوداني الجديد. لبسها الناس من أقصى الشمال إلى الجنوب ورفلوا فيها بإعتزاز. تغنى لها محمد البدري حادي قافلة شرق السودان ومطربها ومغنيها.
كانت الصديري بطاقة هوية تمنح صاحبها الوقار والإحترام في ربوع السودان كله، وفي مدينة بورتسودان على وجه الخصوص حيث كان الناس ينظرون إلى لابسها بتوقير يليق ب(سيد البلد).
كذلك كانت أثواب النساء الملونة المهيبة تشكل مشهداً محبباً وبهياً تجاوز حدود بلادنا، ونقلته الفضائيات إلى العالم كله من سنكات حيث تجتمع عشرات الآلاف من الحرائر سنوياً في أكبر تجمع ديني إحياء لذكرى الراحلة الشريفة مريم الميرغنية رضي الله عنها.
ثم دخلت سنة -على قول ابن كثير- تركت الحرائر فيها -ما استطعن- لبس الثوب المميز، ولجأن إلى العباءة السوداء بشكل لافت كشفت عن سببه سيدة مثقفة في ندوة معلنة بأحد أجياء المدينة العريقة أنهن تركن الثوب لأنه صار مدعاة للتحرش بهن في الأسواق.. يا للعار!
حرائر البجا اللواتي كان الناس يفسحون لهن الطريق صار التحرش بهن نشاطاً سهلاً ورياضة يمارسها الناس علناً، بينما الطرقات مكتظة بآلاف المتجولين بالسيوف والسكاكين والعصي، وأحياء المدينة محتشدة بالعشرات من لابسي الكاكي الأخضر المدججين بالسلاح والمنتسبين لمجموعات نظامية، وغير نظامية وسياسية ومتمردة!
حرائر البجا يتعرضن للترهيب والمهانة وفي المدينة مائة زعيم لبضعة مجالس قبلية يشتمون بعضهم يومياً على الفيسبوك وتسجيلات الواتساب، ويهددون بإغلاق المدينة وحمل السلاح وتقرير المصير.
رويداً تكتكيب فارساب، ما فائدة مجالسكم وأسلحتكم وسيوفكم وخناجركم وعصيكم إذا لم تشعر أمهاتنا وإخواتنا وبناتنا بالأمان في ظلها؟
مهلاً تكتكيب فارساب فإنني أخشى أن يقرأ الناس عليكم ما قرأه نزار قباني -بصدق وحسرة- على أهله العرب قبل عقود حين قال:
إياك أن تقرأ حرفاً من كتابات العرب
فحربهم إشاعة
وسيفهم خشب
***
لا يحمل الناس السلاح في الأسواق بغرض القتل وإلحاق الأذى بالأبرياء، معاذ الله، ولكنهم يحملونها لردع المعتدين ليفكر الواحد منهم ألف مرة قبل أن ينفذ اعتداءه في بلد تخلت الدولة ومؤسساتها فيه عن أداء واجبها في ضبط النظام وحماية الأمن العام. الدولة متهمة -على لسان أحد قادتها الكبار- بأنها تحرض المتفلتين واللصوص والمجرمين على النهب والسلب والترويع.
لا نريد أن يحمل الناس السلاح لإرهاب الناس، معاذ الله، ولكنهم إذ حملوه فإن عليهم واجب ضبط حركة الإرهابيين الذين صاروا يسيرون في شوارع المدينة في طوابير مسلحة بالمدي والسواطير جنباً إلى جنب مع طوابير القوات النظامية وغير النظامية.
***
ما دعاني لكتابة هذه الكلمات، الفاجعة التي أثقلت علي منذ يوم أمس الأول وهي فاجعة قتل الصبي محمد سنيت بواسطة عصابات النهب والسلب من أجل نهب هاتفه النقال. انقضت حياة غضة لفتى كان أمل أهله وتاج رأسهم لأن عصابة من اللصوص السفلة الجبناء ظلوا يتجولون في أنحاء المدينة بإطمئنان وسحناتهم معروفة، وعناوينهم معروفة، ووجوههم معروفة وهم آمنين من العقاب ومتأكدين من إمكانية إجبارهم على دفع الثمن عن جرائمهم.
يقتلون نفساً زكية طاهرة وينزعون روحاً غضة من الجسد، ثم يذهبون بما سرقوه لسوق معلوم في وسط المدينة يبيعون فيه منهوباتهم تحت حماية السلطات، والناس يشترون منهم ويفاصلون في الثمن البخس بينما هناك من دفع حياته التي لا تقدر بثمن مقابل هذه التجارة الرخيصة.
ينبغي أن تتوقف الآن فوراً تجارة الهواتف النقالة والإلكترونيات في الشوارع، وأن يتم التعامل بشكل صارم وحاسم من المواطنين أولاً، ومن المؤسسات القبلية والعشائرية والدينية في غياب الدولة التي تركت كل شيء الآن.
إلى سعادة الفريق شيبة ضرار، هل تسمعني؟ ما فائدة ترساناتك وسياراتك والكاكي الأخضر والطوابير إذا لم تكن قادرة على حماية صبي غض أمام بيته؟
***
أتت جريمة قتل الصبي الراحل محمد سنيت ولما يجف بعد دم المهندس الشهيد طاهر عيسى جعفر، مدير إدارة المياه بالقطاع الجنوبي لمدينة بورتسودان، والذي قضى نحبه وهو يتجه إلى أطهر بقعة في الحي لأداء صلاة الفجر، على يد ذات العصابات الإجرامية بغرض نهب هاتفه النقال.
راحت حياة شاب ناجح مقبل على الحياة لأن المجرمين استأسدوا عليه ولم يعد أحد منهم يخشى أحداً من غالب أهل المدينة.
***
أيها الناشطون في المجالس المتناحرة وفي التنظيمات المتقاتلة وحملة الرتب العسكرية ومن يلوحون بالسيوف والسكاكين والعصي لأجل قتل بعضكم البعض تعالوا إلى كلمة سواء قبل أن نقول لكم خسئتم جميعاً:
عليكم تنظيم جمعيات شبابية في كل الأحياء لحمايتها ومنع تحركات الشباب المتفتلتين المريبة وردعهم عن ممارسة الجريمة بإظهار القوة وليس بالإعتداءات.
عليكم التنسيق مع كافة مكونات الولاية القبلية والإثنية لضبط الأمن والسلام في هذا المنعطف الدقيق حيث تخلت الدولة عن واجباتها.
عليكم بمنع تجارة الهواتف والأجهزة الإلكترونية وتجفيف مكاسبها وحرمان المجرمين الذين يستثمرون في قتل الأبرياء من مواصلة هذا العمل المشين.
عليكم بإظهار القوة والهيبة والعزم والإعداد لتظاهرة ضخمة ضد الإجرام وعصابات النهب، تنسقون لأجل إقامتها مع جميع أحياء المدينة المتضررة ومحاصرة الذين يأوون هذه العصابات ويوفرون لها الحماية. قولوا كلمتكم فيما يفيد وأظهروا قدرتكم على الفعل قبل القدرة على رد الفعل.
تظاهروا مرة واحدة دفاعاً عن حقكم فقد سئمنا تظاهراتكم نيابة عن قادة الخرطوم.
على الموجودين في المدينة الوقوف بأنفسهم في موكب اظهار القوة وردع المجرمين، أما الذين هم خارج المدينة فإن غيابهم لا يمنحهم إعفاء من الواجب. على الموجودين في الخارج من المستطيعين التبرع بالمال لأسرة الصبي الشهيد والوقوف معهم في محنتهم هذه وأبدأ بنفسي بالتبرع بمبلغ ٢٠٠ ألف ج سوداني آملاُ في أن تشجع هذه الخطوة الآخرين ولنجعل من استشهاد محمد سنيت نهاية عصابات الإجرام في مدينة بورتسودان.
يا أهل بورتسودان جميعاً تأكدوا من دفع كل مجرم الثمن كاملاً عن جريمته وفقاً للقانون، وهكذا تستطيعون قول (أوهاش هاشون) بثقة وكبرياء وإلا فكما يقول المثل السوداني الحصيف: الترابة دي في خشمكم.
أوراو ومدهنوكنا
#الشهيد_محمد_سنيت
#الشهيد_طاهر_أمريكي

محمد عثمان إبراهيم