مخاوف من استغلال طرفي الصراع في السودان الطابع القبلي
بعد مرور نحو ستة أسابيع من الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بات الخطر الماثل الذي لا يتمناه السودانيون هو أن تأخذ الحرب بعداً قبلياً وإثنياً.
وتستند تلك المخاوف والقلق إلى أكثر من مؤشر، على سبيل المثال لا الحصر، إعلان قبائل أو من يدعون تمثيلها، على الأصح، مساندتهم لطرف من الأطراف واستعدادهم لتجهيز المقاتلين للمشاركة معه في القتال باسم القبيلة.
وحدث ذلك في دارفور، حيث أعلنت قبيلتان تأييد “الدعم السريع” التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، فيما ظهر أفراد في تجمهر يحملون أسلحة نارية ويؤكدون استعدادهم للقتال مع الجيش في مناطق أخرى وسط السودان، عدا عن مسيرات قبلية داعمة للجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان في عدد من ولايات البلاد.
كما عمدت قوات الدعم السريع إلى تكرار الحديث عن استهداف للمواطنين على أساس عنصري يتم في الخرطوم، مثل التوقيف في نقاط ارتكاز على أساس الهوية.
وفي مدينة الرهد غربي البلاد، وبعد معارك طاحنة بين الجيش و”الدعم السريع” وما تلا ذلك من عمليات نهب وسلب للممتلكات خرجت واحدة من القبائل في بيان عدّت ما جرى بأنه استهداف لها كقبيلة، وتوعدت بالرد.
وحذرت لجنة محامي الطوارئ، في بيان، من “التجييش القبلي والعرقي ودعت المجتمع المدني والأهلي لإدانة ومحاصرة مثل هذه الدعوات المسمومة”، كما دانت صمت طرفي النزاع عن تلك الدعوات، “ما يشي بقبولهما لها، الأمر الذي يهدد السلم المجتمعي ويأخذ الحرب إلى مربعات لا يمكن العودة منها”، بحسب ما جاء في بيان لجنة محامي الطوارئ.
“أكثر من سودان”
ويرى المحلل السياسي أحمد خليل، أنّ “استخدام القبائل ليس بمستغرب وجديد على طرفي القتال، الجيش والدعم السريع، فطوال الفترة الانتقالية، وأثناء توافقهما استخدما زعماء القبائل ورجال الطرق الصوفية ضمن خططهما للانقضاض على التحول الديمقراطي المدني وعلى الحكومة المدنية، وهما من تبنيا عمليات إغلاق الموانئ والطرق القومية بواسطة زعماء القبائل أثناء حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وواصلا ذلك حتى تنفيذ انقلابهما في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021”.
وأشار خليل، في حديث لـ”العربي الجديد”، اليوم الأربعاء، إلى أنّ الطرفين وبعد أن سيطرت الخلافات بينهما حتى قبل الحرب، “شرعا في التحشيد القبلي، كما أعلنت عدد من القبائل علناً اصطفافها مع واحد من الطرفين، وزادت الأمور تعقيداً عبر وسائل التواصل الاجتماعي من محسوبين على النظام البائد من خلال دعوات علنية لتسليح المواطنين وفتح معسكرات التدريب والتسليح”.
وأوضح أنّ “هناك خطاب كراهية يزيد من مساحات الاحتقان القبلي بحديث البعض عن عدم سودانية عناصر الدعم السريع وانتمائهم لدول أخرى، وتلك نظرات عنصرية ساذجة لعدم معرفة القائلين بها بطبائع القبائل وعاداتها وتقاليدها”.
وأكد المحلل السوداني أنّ “المسرح في السودان في ظل تلك الخطابات والتحركات، مهيأ للنزاع القبلي، لكن النتيجة التي لم يتحسب لها الجميع بمن فيهم الأيادي المحركة ومن تدير ذاك الخبث، هي أنّ أي قبلنة أوحرب إثنية أو جهوية ستكون مسرحاً لتصفية حسابات بلا وازع أخلاقي، ولن يكون بعدها هناك سودان واحد، بل أكثر من سودان”.
تجارب سابقة
من جهته، يؤكد الباحث في دراسات السلام عبد الله آدم خاطر، أنّ “كل الاحتمالات واردة فيما يتعلق بالحرب العبثية في السودان بما في ذلك قبلنة النزاع الحالي بين الجيش والدعم السريع، خصوصاً مع عدم نزاهة اللاعبين والفاعلين في المشهد العسكري والسياسي”.
لكن خاطر، وفي حديثه لـ”العربي الجديد”، يرى أنّ الشعب السوداني وبما تراكم عنده من وعي عبر الأجيال وتجارب ماثلة وتواصل بين مجتمعاته وقبائله على الصعد الاقتصادية والثقافية والوطنية، “يجعل من العصي استجابته لخطاب ومخططات تعميق الحرب قبلياً وجهوياً، خصوصاً مع رسوخ الأفق الدولي بالتدخل في حروب دارفور والنيل الأزرق وشرق السودان”.
ويضيف: “كما أنّ حصاد الحرب من خراب ودمار في الأسابيع الماضية طاول الخدمات والبنى التحتية، أقنع الكل بعدم جدوى الحرب، ما ينفي فكرة توسيعها بتبعات قبلية أو عرقية او إثنية”.
ومضى الباحث السوداني قائلاً “كما أنّ الحرب هذه وجدت إدانة واسعة داخلياً وخارجياً”، مشيراً إلى أنّ “أساس المشكلة ليس غياب تعايش بين القبائل بقدر ما هي مؤسسة دولة أنشأها المستعمر قبل أكثر من 120 عاماً، وأثبتت الحرب أنّ تلك المؤسسات لا تحتاج إلى إصلاح فقط، إنما لإعادة بناء من جديد، وإنهاء مركزية على أن يتم البناء على أساس فيدرالي، لا مركزي، مدني ديمقراطي، يضع السودان في موقعه الطبيعي ضمن قادة أفريقيا”.
وشدد خاطر على أنّ “الدعوات المسمومة لقبلنة النزاع لن تجد استجابة إلا من بعض الانتهازيبن من زعماء القبائل ممن لم يجدوا فرصة في الفترات السابقة في تحقيق مصالحهم الذاتية ويحاولون اللحاق بالسوق الجديد لكن هيهات”.
ضد التمرد
لكن مبارك النور وهو عضو مستقل في آخر برلمان في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، يفسر وقوف القبائل مع الجيش بأنه “أمر طبيعي لأنه يمثل سيادة وعزة السودان وليس في الأمر أي تجييش، ذلك لأن كل الشعب يتطلع لأن يكون جزءاً من معركة الكرامة التي يخوضها الجيش ضد مجموعة متمردة مدعومة بالعملاء والسفارات”، على حد قوله.
وأضاف النور أنّ القبائل الآن في كل السودان “تتبارى في دعم وإسناد الجيش بالأموال والمؤن، كما يحدث في القضارف وكسلا والبحر الأحمر”، مشيراً إلى أنّ “الدول التي تقف وراء مليشيا الدعم السريع المتمردة هي التي تريد إشاعة الحرب بين القبائل لتقسيم السودان”، مؤكداً أنّ “كل القبائل مع الجيش حتى القبائل التي ينتمي إليها قادة المليشيا أعلنت بوضوح شديد دعمها للقوات المسلحة”.
رهان على السلمية
بدوره يقول عبد القادر محمد الجهيني، وهو زعيم قبلي، إنهم في الإدارة الأهلية المكونة من زعماء القبائل “يراهنون تماماً على نهاية للحرب عبر الطرق السلمية كواحدة من ضمانات عدم انجرافها لحرب قبلية إثنية أو عرقية أو جهوية، لأنّ الذين يتقاتلون هم أبناء الوطن الواحد، وعلينا أن نحفظ دماءهم”.
وأشار الجهيني إلى أنّ مساندة كثير من القبائل للجيش ينبغي ألا تصنف ضمن التحشيد القبلي إنما “هي حق طبيعي للجيش السوداني كمؤسسة حامية للشعب، وأنه لا ينبغي في نفس الوقت تصنيف الدعم السريع كجيش قبلي لأن أفراده من قبائل السودان جميعها”.
واستبعد الزعيم القبلي في حديث لـ”العربي الجديد”، النجاح لأي محاولات لجر النزاع نحو القبيلة، مؤكداً أنّ “زعماء القبائل على تواصل دائم ويسعون بكل ما يملكون للحيلولة دون ذلك، لإجهاض تلك المخططات مهما كان من يقف خلفها”.
العربي الجديد