أنا الفي الدنيا ما مرتاح ..!!
اعترضت مادة الثلاثاء الحريمية تسلسل خواطري عن ذكرياتي مع المقابر وتعامل النساء عموما مع الدفن وزيارة القبور وكل ما يمت للموت بصلة.
كغيري من بنات جنسي كنت في صغري أحمل جينات الخوف من الضلام والفار والحرامي والبعاتي، ومن قبلهم جينة الخوف من المقابر، فمع كل إرثنا مع الأحاجي عن الموت والميتين وضبابية الفكرة عن عذاب القبر والشجاع الأقرع والصورة المشوشة عن الآخرة ودار البقاء، احتلت المقابر بظلمتها ووحشتها موقع الصدارة في قائمة أخوف ما نخاف منه و(نهلوس) به.
هناك طرفة قديمة تدل على أن الخوف من الموت والطمر في القبور، لم يكن حكرا على النساء فقط، فالطرفة تحكي عن الرجل البسيط الذي أقلقه حلما كان قد رآه فذهب لـ (فكي أبكر) على قول أستاذنا علي يس ليحصل له على تفسير يطمئن نفسه وتقر به بلابله .. جلس على الأرض بجوار قدمي الفكي وحكى:
أمبارح يا سيدي شفتا لي في النوم حفرة كبيييرة وقعت فيها .. المنام ده معناتو شنو يا سيدي؟؟
فما كان من فكي أبكر كحال جميع السودانيون الذين لا يجيدون تجميل قبح الحقيقة ولا تدريج إيصال المعلومة عن المصائب إلا أن سأله للتأكد:
شفتا ليك حفرة كبييرة ووقعتا فيها؟؟؟
أيوة ياسيدي !
لا حولتن ولا قوة .. ده ما القبر يا خيي.
أصاب الذهول والرعب صاحبنا ودفعه لإنكار (شوف منامو) فالشينة منكورة:
كضبتا عليك يا سيدي .. ما وقعتا فيها .. أنا نطيتا!!!
من ضمن أسباب ملاوزاتي من المقابر رسم كاركتيري كان قد التصق بذاكرة طفولتي من زمان لتخيلي أنه حقيقي وليس من نسج خيال الرسام – حيث يصور الكاركتير مشهد (سكران) يحمل زجاجته ويعبر المقابر وهو يغني:
أنا الفي الدنيا ما مرتاح .. ما مرتاح .. وما مرتاح!!
فيمد له أحد الأموات رأسه من القبر ويناديه قائلا:
تبادلني؟
كانت علاقتي بمقابر (أحمد شرفي) لموقعها على الطريق للبيت، تختصر على الإشاحة بوجهي عكسها وتجنب إمعان النظر فيها كلما مررت بها ذهابا وإيابا للثورة إلى أن حاصرتني الظروف في ذات مرة وأجبرتني للعبور من خلالها .. فقد اشتركت وزميلاتي في كورس الفيزياء بكلية التربية في العام الذي جلسنا فيه لامتحان الشهادة .. حينها لم أستطع التخلص من إلحاح زميلاتي ولا نفي تهمة الخوف عني، سوى بالموافقة على قطع المسافة معهن سيرا على الأقدام من مدرسة البلك إلى كلية التربية عبر المقابر علي الأقل تصديقا لنظرية (لو ما متنا .. أحسن نكون شقينا المقابر)، ولكن مناظر العظام المترامية، وإنشداهتي الشديدة بمحاولة قراءة كل شواهد القبور التي مررنا بها، والوحشة والكآبة التي غمرتني إثناءها، والكوابيس التي أقلقت نومي بعدها، دفعتني لعدم معاودة الكرة وأقنعت نفسي تماما بأن (الشجاعة طايرة في السما).
دفعني الشوق والاستيحاش للتسلل في اليوم الخامس لوفاة أبي، وطلبت من (عمي حسين) سائق عربتنا أن يأخذني لزيارة قبر أبي في (أحمد شرفي) .. لم يناقشني في طلبي بل قاد السيارة في صمت وأوقفها بالقرب من القبر الذي كان يقع على الطرف بالقرب من الطريق، قبل أن يحاصره طوفان الموت والقبور المتزايدة ليجعله في منتصف المقابر .. نزلت بعد تردد وتوجهت للقبر الجديد بينما ظل عمي (حسين) في العربة وعندما أحس برلمتي وحيرتي صاح فيني من بعيد:
إستقبلي القبلة وأقيفي جنب راس أبوك .. أوعك تبكي .. أديهو الفاتحة ربنا يرحمو ويغفر ليهو.
فعلت كما أخبرني ثم جلست على الأرض أتحسس القبر بكفي في توهان حتى صاح علي مرة أخرى:
قومي كفاك استغفري .. ورح النرجعك البيت.
من يومها فارقني الخوف من المقابر فخلال بضعة أشهر سكنها جدي ثم لحقت بهم أمي، وصارت المقابر من حينها ديار الأحباب التي لا أجد الراحة والسكينة إلا عندما أذهب إليهم وأجلس في حضرتهم لأشكو لهم (من جور زماني .. كيف رماني والزمن كيفن بسو(
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com [/ALIGN][/frame]
اولا اود ان اشكر الاستاذه الرائعه منى سلمان على تناولها مثل هذه المواضيع فحقيقة الواحد بيقراء المقال ويجد نفسه داخل المقال فحقيقه لقد عانينا فى الصغر من مخاوف وخوفنا الاكبر كان من الاقتراب من المقابر حتى اننا كنا ندفع بعض المال لمن يمكث بالمقابر ليلا ولو لحظات قلية فذات مرة انبرى احد الاخوه وقال انا حامكث اطول فتره فى المقبره وقلنا ليهو خلاص انت ثبت لينا هذا الوتد على ارض المقابر ولشدة خوفه قام الراجل بتثبيت الوتد ولكن لسوء حظه ثبت الوتد على جلابيته وعندما هم بالرجوع شعر ان هناك شى يمسك بجلابيته فما كان منه الا ان اخذ يصرخ باعلى صوته يانكير (يقصد الملك) فكنى والله تانى ما اجى …. وهكذا فقد ارتبطت المقابر بكل ماهو مخيف ويجب علينا تغيير مثل هذه المفاهيم للاجيال القادمة