حسن إسماعيل: الجيش والسياسة ودحض أحاديث (الكوار) !!
كثيرون لايعلمون أنه وفي الفترة من الخمسينات وحتى تاريخ اليوم قد اندلعت في أفريقيا اكثر من سبعين حرب أهلية!! في السودان والكنغو واوغندا ورواندا واثيوبيا وليبيريا والصومال وبوركينا فاسو ونيجيريا وزيمبابوي وتشاد وليبيا وغيرها وغيرها ،هذا بالإضافة لمشكلة سيناء في مصر والعُشرية السوداء في الجزائر
– وكثيرون لايعلمون أن الجغرافيا السياسية في أفريقيا ليست حاكمة ، بمعنى أن الخارطة الإثنية ليست متطابقة مع الخارطة السياسية فتجد هنالك قبيلة امتدادها البشري يَعبُر عشرة حدود سياسية، وقبيلة أخرى تمتد عبر ثلاثة دول، وأخرى تمتد عبر اربعة دول وهكذا… أنا أحدثك مثلا عن الهوسا والطوارق والأورومو والزغاوة والرزيقات والدوجون والماساي واليوروبا وغيرهم ثم أنك ستجد في أحايين كثيرة أن رابطة العرق غالبة على رابطة الإنتماء السياسي أو على الأقل تأثيرات هذه الرابطة حاضرة وحيوية ونشطة….
– فإذا كانت الحكومات هي الصيغة النهائية لما عليه المجتمعات والدول فإن صيغة الحكم في أفريقيا لن تستقر طالما أن الإطار الأول( المجتمع ) والإطار الثاني ( الدولة) هما في حالة اهتزاز كبير وعدم ثبات!!
– اما المدخل الثاني فكثيرون لايعلمون أن النمط الحزبي الذي ساد في أفريقيا مابعد الاستقلال هو نمط الحزب الواحد وهو نمط ساد في أكثر من نصف أفريقيا السياسية ولعله كان مفهوما أن نمط الحزب الواحد كان بدافع استيعاب (الخليط الإثني) داخل الجغرافيا الواحدة وتذويب مراكز القبائل والعشائر هذه في وعاء حزبي واحد لتلافي مخاطر الأوعية القبلية على مستقبل الدولة الحديثة الناشئة في القارة ولكن وللأسف ورغم النجاح النسبي لهذا النمط الحزبي ولكنه خلّف روح استبدادية سيئة وسط نُخب مابعد الاستقلال والتحرر وخلّف طبقة من الشموليين المدنيين هم في الحقيقة أسوأ بكثير من زعماء القبائل والعشائر لأنهم للأسف قدموا أنفسهم في لبوس مدني حداثي ولكنهم ظلوا يستخدمون ذات أدوات القبيلة والعشيرة ويحمون أنفسهم بولاءات عشائرية وطائفية مغلقة ( الأمثلة عندنا في السودان شاخصة وترفع اصبعها لتشير إلى صدرها)!!
– أما المدخل الثالث فإن المستعمرين خلفوا من ورائهم طواقم من السياسيين كانوا بمثابة ( وكلاء ) لهم في البلدان التي غادروها كانت مهمتهم تنفيذ كل وصفات وطبخات تلكم الدول لما بعد الاستقلال فبقيت معظم الدول الأفريقية مثقلة بديون وهمية ومتوهمة عن طريق الأداء الإقتصادي الصدئ والذي خلّف افريقيا بعد ستة عقود من التحرر وهي مثقلة بالدين الخارجي وفوائده وخيراتها تحت الأرض بل تحت أقدامها خاما وبكرا في حين يزدحم ظهر الأرض بالحروب الأهلية !!
– ثم … ظل الجيش السوداني ومن ورائه الشعب السوداني مثله مثل معظم سائر الحال في أفريقيا يتحمل كل إرتدادات ذلك الحال البائس ، وبحسبة بسيطة فإذا جمعت مبالغ مديونيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس مع مبالغ مبيعات السلاح لاشعال الحروب الأهلية ومبالغ إيواء قادة (التمردات) من الساسة الذين يشعلون تلكم الحروب والصرف عليهم ستكتشف أن الجيوش الأفريقية وعلى رأسها الجيش السوداني تستميتُ منذ ستة عقود لتتحمل خزي وعار الساسة المدنيين وتداعيات خيانتهم وعمالتهم!
– على الضفة الأخرى تنتصب حقائقٌ لايمكن غض الطرف عنها فكثير من الجيوش الوطنية وأفرادها كانوا شرارة الفعل الوطني للتحرر مثل الجيش الجزائري والمصري والسوداني فجمعية اللواء الأبيض كانت بعضا من ذلك القبس الأول الذي ابتدر المقاومة في قلب الخرطوم
– ثم بعد ذلك تجد من يحدثك عن ضرورة ألّا يكون للجيوش في افريقيا دورا في السياسة…
سيظل ذلك الدور قائما طالما ظلت الأحزاب الكسيحة تتخذ أجنحةً عسكرية( قوات مجد الشيوعية) ( جيش الأمة الصادق المهدى) وقوات الفتح وغيرها من الهراء الذي لم يبدأ بخلايا الأحزاب في الجيش مرورا بالجبهة الوطنية ولم ينته بقوات التجمع الوطني الديمقراطي وقبل ذلك خزعبلات حركات الكفاح المسلح التي يريد بعضها أن يغير حتى معتقدات الناس الدينية ثم تجد من ينادي في وسط كل هذه المخاطر من يحدثك عن ضرورة بقاء الجيش في الثُكنات يلعب أفراده ( السيجة) !!
– الخلاصة والمختصر… نعم الجيش السوداني يحتاج لعملية تأهيل وتطوير مستمر ولكن عندما ينادي بهذا ياسر عرمان فلابد من إلقامه حذاءً قديما وعندما ينادي بهذا (غلام) يعمل ( نادلا) لمليشيا عشائرية فلابد من جلد ظهره بسياط هذه الحقائق مع التذكير والتثبيت أن أسوأ محاولة إستخدام للجيش في السياسة في السودان هي تلك التي تمت عبر السنوات الأربع الماضية عبر الوثيقة الدستورية البائسة والإتفاق الإطارى اللقيط …
حسن إسماعيل