الثوابت المصرية نحو السودان
ما بين مصر والسودان أكبر من السياسة والمصالح الضيقة وحسابات المكسب والخسارة المعتادة فى العلاقات الدولية التقليدية. إن الذى بين الشعبين العريقين هو رباط مقدس من القرابة والأخوة والدم الواحد الذى يجرى فى شرايين أبناء الشعبين منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها. ومن بديهيات الحياة أن أى عارض يصيب السودان الشقيق هو تلقائيا سيصيب المصريين. وبناء عليه فإن ما يشهده السودان فى هذه الأيام يؤلم كل مصري، ولذلك فإن مصر لن تدخر أى جهد لإنهاء هذه الأزمة الطارئة، ليعود إلى السودان سلامه وأمنه واستقراره وطمأنينة أبنائه كلهم، من دون تفرقة بين أحدهم والآخر.
وهذا بالضبط ما أعاد تأكيده الرئيس عبدالفتاح السيسي، قبل يومين، خلال استقباله الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، بمدينة العلمين الجديدة. لقد أكد الرئيس السيسى الثوابت التى يقوم عليها موقف مصر من الأزمة السودانية الراهنة. وعلى رأس تلك الثوابت، أن مصر لا يمكنها أبدا أن تترك الشعب السودانى يواجه الأزمة وحده، بل ستقف معه فى كل لحظة إلى أن يتجاوز أزمته. ثم إن من الثوابت أيضا، أن وحدة وسلامة الأراضى السودانية هى خط أحمر غير مسموح أبدا لأحد، مهما يكن، بالمساس به. والثابت الثالث أن الأمن القومى للسودان هو امتداد للأمن القومى المصري، ومن ثم فإن أى تفريط أو تهاون أو تنازل مرفوض تماما، وعلى كل الأطراف، سواء فى الداخل السوداني، أو خارجه، معرفة هذا الأمر جيدا.
واعتمادا على هذه الثوابت، فإن الموقف المصرى الحالي، كما أوضحه الرئيس السيسي، يتلخص فى أن الحفاظ على سيادة الدولة السودانية هو الأولوية الأولى لمصر، بما يحافظ على مصالح كل مواطن سوداني، وكذلك فإن تقديم العون الإنسانى للأشقاء فى السودان متواصل، ولن يتوقف، إلى أن يتم تجاوز هذا المنعطف التاريخى الخطير، ويتضمن هذا، فيما يتضمن، استمرار الدعم والمساعدة لكل الأشقاء السودانيين الذين أتوا إلى وطنهم الثانى مصر، ليس بوصفهم ضيوفا، وإنما كإخوة لنا، تربطنا بهم وشائج دم ومصاهرة وقرابة.
وعلى المستوى السياسي، فإن مصر ستواصل جهودها مع دول الجوار السوداني، ومع الأطراف الدولية المعنية بالأزمة، للتعجيل بعقد مفاوضات بين الفرقاء هناك، وصولا إلى اتفاق سلام، يوقف الحرب، ويعيد الأمور إلى نصابها، بعيدا عن المصالح الضيقة التى ستضر بجميع السودانيين، ولن يستفيد منها إلا أعداء السودان، هؤلاء الباحثين عن مكاسبهم الشخصية. إن مصر، بخلاف بقية اللاعبين الباحثين عن مكاسبهم، تعرف جيدا عواقب استمرار الاقتتال الداخلي، وسوف تسعى بكل السبل إلى إنهاء هذا الوضع الخطير، لأنها لا مصلحة لها أبدا فى تخريب السودان – لا سمح الله – ولا فى تشتيت شعبه، وإنما على العكس مصلحتها القومية تتمثل فى بقاء السودان موحدا ومستقرا ومستقلا ومتماسكا، على اعتبار أن مصلحتها ومصلحة السودان شيء واحد، كما كانت الحال دائما منذ بدء التاريخ.
رأي الأهرام – بوابة الأهرام