معجزة “النهر الأحمر” في “جعبة” الطايفي
في يوم 24 يوليو الماضي نشرت “بوابة الأهرام” الموقرة مقالًا لي تناول بإسهاب مشاعر الأخوة والصداقة والمودة العميقة، المتبادلة، بين المصريين والفيتناميين.
بعد مرور يومين على نشر المقال، وتحديدًا في 26 يوليو، لبيت دعوة من سفارة فيتنام، للاحتفال بمرور 60 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وهانوي.
في الاحتفال الحاشد، الذي حضره نائب رئيس مجلس وزراء فيتنام، تران لو كوانج، استمعت إلى كلمة -حماسية ومؤثرة- ألقاها سفير فيتنام بالقاهرة، نجوين هوي دونج، جاء فيها: “إن فيتنام تحمل مكانًا لمصر بالقلب، لدعم مصر المعنوي الثمين، والمساعدات التي قدمتها القاهرة لـ هانوي، لدعم نضال فيتنام من أجل تحرير الوطن، وإعادة توحيد ترابه، وفي سبيل التنمية والإصلاح الاقتصادي”.
من بين الشخصية المصرية المهمة التي شاركت في الاحتفال، وتشرفت بالتحدث معها عما يمكن وصفه بـ “معجزة النهر الأحمر” في فيتنام- على غرار “معجزة نهر الهان” في كوريا- وزير خارجية مصر الأسبق ورئيس المجلس المصري للشئون الخارجية، محمد العرابي، وسفير مصر الأسبق في هانوي، رضا الطايفي.
في أكثر من مناسبة، أسعد بالتحدث مع السفير رضا الطايفي، وقد بدأت العلاقة مع هذا الدبلوماسي المصري القدير في أوائل عام 2006، حينما كان سفيرًا لمصر في عاصمة جمهورية كوريا، سول، وكنت-وقتها- موفدًا من “الأهرام” لإجراء حديث صحفي مهم مع أول زعيم كوري يزور مصر، هو الرئيس الأسبق، روهمو-هيون.
لأن في “جعبته” الكثير بالشأنين الكوري والفيتنامي، وبحكم اهتمامي بهاذين الملفين، على وجه التحديد، يعد السفير رضا الطايفي مرجعًا مرموقًا لي وللباحثين، حيث خدم سكرتيرًا أول بسفارة مصر في العاصمة الكورية الشمالية، بيونج يانج، 1988-1992، وسفيرًا بسول، 2005-2009، وسفيرًا بهانوي 2010-2014.
أعود إلى موضوع فيتنام، وقد خرجت هذه الدولة الفتية منهكة اقتصاديًا وبنيويًا، مع وقوع خسائر بشرية تفوق نحو 1.5 مليون قتيل، ونزوح جماعي لأكثر من مليون لاجئ، بعد تاريخ نضالي بطولي صلب، امتد لثلاثة عقود-1945-1975 ضد المستعمرين الفرنسيين والأمريكيين وحلفائهم، وانتصرت، لتصبح مضربًا للأمثال.
مؤشرات “الإنهاك” الاقتصادي الذي كانت تعانيه فيتنام توضح أن الناتج المحلي الإجمالي -في عام 1964- لم يكن يتجاوز 18 مليار دولار، وبلغ متوسط الدخل السنوي للفرد حوالي 200 دولار، وكان-وقتها- الأدنى بقائمة الدول الأكثر فقرًا.
بدءًا من عام 1986، اتبعت فيتنام سياسة سميت بـ”دوي موي”، أي التجديد والإصلاح، لتنتقل من الاقتصاد المركزي الموجه إلى اقتصاد السوق، على غرار ما انتهجته جارتها الصين، بدءًا من عام 1978، بقيادة الزعيم دينجشياوبينج.
بعد أقل من 4 عقود من اتباع سياسة “دوي موي”، ووفقًا لما أفاضت به “جعبة” السفير الطايفي، تبدل الوضع الاقتصادي الفيتنامي، ليصبح واحدًا من أسرع اقتصادات العالم نموًا، بمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي، وبلوغ معدلات النمو 9% سنويًا، وتراجع التضخم إلى 4%، وتجاوز متوسط دخل الفرد 4 آلاف دولار.
أيضًا، وحسب إحصاءات عام 2022، بلغت الصادرات الفيتنامية 371.5 مليار دولار، والواردات 360.5 مليار، والفائض في الميزان التجاري نحو 11 مليارًا، والاستثمارات الأجنبية المباشرة (المتراكمة) 370 مليارًا، منها 80 مليار دولار استثمارات كورية، بالإضافة إلى 105 مليارات دولار احتياطيات من النقد الأجنبي.
وفقًا لتقدير السفير رضا الطايفي، توافرت 7 عوامل رئيسية لبلوغ ما يمكن وصفه بـ معجزة النهر الأحمر في فيتنام، وملخصها كما يلي: السياسة الجادة للإصلاح والتجديد “دوي موي”، دخول فيتنام في شراكات وتجمعات إقليمية ودولية فاعلة، حالة الاستقرار السياسي و”هيراركي” السلطة المنضبط من القاعدة للقمة، تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة مدفوعة بحزمة الضمانات والحوافز، سياسة تصفير النزاعات وخاصة المسلحة منها، الالتزام بمبدأ الشفافية والحوكمة وبإجراءات وعمليات مكافحة الفساد، وأخيرًا، تصالح الفيتناميين مع الماضي.
ويظل هناك الكثير مما يجب أن يقال، ويروى للأجيال في “جعبة” السفير الطايفي.
كمال جاب الله – بوابة الأهرام