مدينة ود مدني السودانية – “بيضة النعامة ومزاج التماسيح والغرباوية”
عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، ومن أقدم مدنه، يرجع تاريخ إنشائها إلى القرن الـ16 الميلادي في عهد مملكة الفونج، تبعد نحو 180 كيلومترا جنوب الخرطوم، وتربط المدينة العاصمة الخرطوم بميناء بورتسودان شرقي السودان وعددا من مدن ولايات السودان عبر شبكة من الطرق البرية المعبدة.
تقع مدينة ود مدني على الضفة الغربية من النيل الأزرق في مساحة 750 كيلومترا مربعا، بين خطي العرض 14.33 و14.20 شمالا وخطي الطول 33.26 و33.38. كما تقع على ارتفاع 320 قدما فوق سطح البحر، وتحدها من الشمال مدينة الحصاحيصا، ومن الجنوب والغرب محلية جنوب الجزيرة، وشرقا محلية أم القرى.
وتضم المدينة 8 محليات و94 حيا، ومن الأحياء العريقة فيها حي “المدنيين” الذي ينسب إلى مؤسس المدينة، وحي ود أزرق وحي القسم الأول وحي الدباغة وحي بانت وحي جبرونا وجزيرة الفيل وحي ناصر وحي حنتوب، ونشأت فيها أحياء حديثة مثل حي المطار والزمالك والواحة والأندلس والطائف والمنصورة.
تقع مدينة ود مدني في الإقليم شبه الصحراوي الحار الجاف، الذي تهطل فيه الأمطار الصيفية التي تجلبها الرياح الجنوبية الغربية، ويتراوح معدل الأمطار السنوية بين 200 و400 ملم خلال فصل الخريف، ويعتبر شهر مايو/أيار أكثر الشهور حرارة، إذ تترواح الحرارة خلال فصل الصيف بين 25 و30 درجة مئوية. ويعدّ شهر يناير/كانون الثاني أكثر الشهور برودة حيثُ تترواح الحرارة بين 20 و15 درجة مئوية.
مع نشأة مدينة ود مدني وتأسيسها، استقرت فيها قبائل، بعضها قدمت من جنوب مصر، من أبرزها العيساب والدرنية والسناهير والهواوير الدناقلة والشايقية. ومع ازدهار المدينة والتحولات الاقتصادية والسياسية، شهدت هجرات عدد من القبائل مثل قبائل رفاعة والعسيلات والحلاويين والعركيين والخوالدة والعوامرة والشبارقة والكواهلة والشكرية. ووفقًا لآخر إحصاء وتقدير أُجري عام 2022، فإن عدد سكان مدينة ود مدني يبلغ 678 ألفا و42 نسمة.
يعود تاريخ نشأة مدينة ود مدني إلى القرن الـ16 الميلادي في عهد مملكة الفونج. وتنسب إلى الشيخ محمد مدني بن دشين الملقب بالسني، والذيّ سمي جده دشين بقاضي العدالة وجاء من منطقة جنوب مصر.
وكانت المنطقة التي نشأت فيها مدينة ود مدني غابةً كثيفة، ومع استقرار مدني السني الذيّ جاء إليها من منطقة أربجي ولاية الجزيرة، أقام فيها خلوة للقرآن الكريم وحلقات للتدارس في علوم الفقه والتوحيد والسيرة، وتوافد على إثر ذلك عدد من القبائل، بعضها من جنوب مصر وكان حي المدنيين أول أحياء المدينة.
ولموقعها الجغرافي المتميز، حظيت المدينة بمكانة تاريخية جعلت منها عاصمة للسودان في عهد خورشيد باشا عام 1821 إبان الحكم العثماني، حيث تحولت العاصمة من مدينة سنار إلى ود مدني، واختيرت ود مدني مركزا للحامية العثمانية تمهيدا لغزو سنار، ومع مقتل إسماعيل باشا انتهت أهمية المدينة بوصفها قاعدة عسكرية.
بعد هزيمة الدولة المهدية عام 1898 وبداية الحكم الثنائي الإنجليزي المصري، أعيد التقسيم الإداري في السودان، واختيرت مدينة الكاملين بولاية الجزيرة عاصمة لمديرية النيل الأزرق، وفي العام 1902 تحولت عاصمة المديرية إلى مدينة ود مدني.
وازدهرت المدينة في فترة الحكم الثنائي حيث بدأت تتخذ شكلا عمرانيا حديثا مع نشاط تجاري جذب إليها عددا من الجنسيات والمهاجرين من الأتراك والأقباط واليهود والشوام، كما شهدت توافدا للعمالة والحرفيين. وبدأ أول تخطيط عمراني بالحي البريطاني “الحي السوداني”، وحي القسم الأول.
وفي العام 1900، أُنشئ خط سكة حديد يربط بين مدينتي الخرطوم وود مدني، كما أنشئت مباني رئاسة المديرية والمحاكم والجامع الكبير، لتصير ود مدني أحد أهم المراكز التجارية، وازدهرت فيها الصناعات المحلية من دباغة الجلود وصناعة الأحذية، ولموقعها الواقع على الضفة الغربية للنيل الأزرق اشتهرت ود مدني بصناعة القوارب.
وفي العام 1919، تراجعت أهمية ود مدني بوصفها مركزا تجاريا نسبة لاكتمال خط سكة حديد شرقي السودان، واستعادت المدينة مركزها وأهميتها التجارية بإنشاء الإنجليز مشروع الجزيرة في العام 1925 كأكبر مشروع مروي في أفريقيا.
كما شهدت مدينة ود مدني تأسيس الملازم علي عبد اللطيف جميعة اللواء الأبيض في العام 1922، حيث قاد ثورة 1924 ضد الاستعمار البريطاني. وللمدينة دور في تاريخ السودان الحديث عبر نواة وأصل الدعوة إلى مؤتمر الخريجين الذيّ كان إنشاؤه على غرار المؤتمر الهندي.
ولم تكن مدينة ود مدني مركزا لتحولات تاريخية واقتصادية فحسب، بل أقامت فيها شخصيات سياسية لتكون بؤرة لتنشئة واحتضان رموز، إذ أقام في مدينة ود مدني 7 رؤساء دول.
ففي حي القسم الأول بمدينة ود مدني درس وأقام رئيس مجلس قيادة الثورة المصرية اللواء محمد نجيب، وفي مدرسة الأميرية التي أنشئت في العام 1906 درس أول رئيس للسودان وزعيم الاستقلال إسماعيل الأزهري، والرئيس الأسبق لجمهورية السودان جعفر نميري، وإمبراطور أفريقيا الوسطى جان بيدل بوكاسا. وأقام في مدينة ود مدني رئيس مجلس قيادة الثورة الإثيوبية أمان عندوم، ورئيس اليمن الجنوبية الأسبق قحطان الشعبي.
عرفت مدينة ود مدني عند نشأتها بصناعة الأحذية ودباغة الجلود ومصانع النسيج. ويقع في المدينة مشروع الجزيرة ويحتل مساحة 2.2 مليون فدان، وجزء من مشروع الرهد، وهو أكبر مشاريع مروية في السودان وينتج المحاصيل الأساسية في البلاد. وتضم المدينة مصانع البسكويت والصابون ومحالج القطن.
ويعمل عدد من سكان المدينة في التجارة، كما يعمل قسم منهم موظفين بدواوين الدولة ومؤسساتها. وتضم المدينة 5 أسواق هي السوق الكبير والسوق الصغير والسوق الشعبي والسوق المركزي وسوق أم سويقو، وهو من الأسواق المشهورة ببيع الأسماك.
تضم ود مدني عددا من المعالم التاريخية يعود تاريخ إنشاء بعضها إلى فترة الاستعمار البريطاني، ومن الأماكن التاريخية جامع الحكومة الذي شيد عام 1902، ومبنى مديرية النيل الأزرق وهو أمانة حكومة ولاية الجزيرة، ورئاسة وزارة الري، ونادي الجزيرة المشيد إبان الاستعمار البريطاني للسودان، ونادي الخريجين، والحي البريطاني الذي كان سكنا للموظفين الإنجليز.
ويقع في المدينة نادي الإغريق، وهو نادٍ أنشئ في خمسينيات القرن الماضي ويعود لطائفة الإغريق التي اتخذته مقرا للاحتفال بأعياد الميلاد والأعياد الوطنية.
ومن الأحياء العريقة حي دردق وحي القسم الأول، بجانب قبة مؤسس المدينة الشيخ محمد مدني السني، ومدرسة حنتوب الثانوية التي أنشئت في فترة الاستعمار البريطاني عام 1946 والمدرسة الأميرية. ومن الأماكن السياحية غابة أم بارونا وحديقة سليمان وقيع اللّه وفندق فكتوريا.
ومن مدينة ود مدني خرج عدد من الأعلام في تاريخ السودان في المجال الثقافي والفني والسياسي، من أبرزهم:
أحمد خير المحامي صاحب فكرة مؤتمر الخريجين، وقد عين وزيرا للخارجية في العام 1958 إبان حكم الفريق إبراهيم عبود.
مدثر علي البوشي من رواد الحركة الوطنية في السودان، وأول عضو في أول مجلس نواب سوداني، وأول وزير للعدل لأول حكومة وطنية عام 1954.
عبد اللّه محمد توم ناظر عموم العركيين بالسودان، وأول برلماني في الجمعية التأسيسية التي أعلن من خلالها استقلال السودان، وكان رئيسا لبلدية ود مدني.
عثمان عمر الشريف القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، ووزير التجارة في عهد حكومة الإنقاذ.
بابكر كرار مفكر سياسي إسلامي، أسس “حركة التحرير الإسلامي” عام 1949، ويعد من رواد الاشتراكية الإسلامية.
أمين مكي مدني من أبرز الحقوقيين المدافعين عن حقوق الإنسان، عُيّن مديرا للمكتب الإقليمي للمفوضية في المنطقة العربية ومدير قسم حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة للعراق 2003، كما عُين وزيرا للإسكان في الحكومة الانتقالية (1985-1986)، واختير رئيسا لمبادرة المجتمع المدني التي تم تأسيسها عام 2010.
إبراهيم الكاشف، وهو فنان ومعنٍ من أشهر أغانيه أرض الخير، يوصف بمؤسس الأغنية الحديثة، إذ يعد أول من أدخل الآلات الحديثة في فن الغناء بالسودان.
محمد الأمين، وهو موسيقار ومغن من أعمدة الفن السوداني عرف بقدراته الصوتية وألحانه المميزة، تم منحه وسام الجدارة من رئاسة الجمهورية في ذكرى الاستقلال في عام 2014.
أبو عركي البخيت فنان ومؤلف موسيقي، درس في المعهد العالي للموسيقى والمسرح في السبعينيات، حقق فوزا في مهرجان الأغنية العربية بأغنية “بخاف أسأل عليك الناس” في دمشق عام 1976. عرف أبو عركي أيضا بمواقفه السياسية المناهضة للأنظمة الدكتاتورية في السودان.
عبد العزيز المبارك من رواد الأغنية السودانية، شارك في عدد من المهرجانات خارج السودان، وبثت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في لندن أغنيته “أحلى عيون بنريدها”.
الممثل إبراهيم خان الذيّ قدم عددا من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، واختيرت 3 أعمال سينمائية من أفلامه ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في ذاكرة السينما المصرية.
الكاتب والروائي المسرحي رؤوف مسعد نشأ في مدنية ود مدني، ومن أعماله صانعة المطر وبيضة النعامة ومزاج التماسيح والغرباوية.
الجزيرة نت